صديقنا الولد الصغير قد اعتاد أن يلعب تحت شجرة التفاخ الضخمة كل يوم تقريبا، وكان دائماً ما يتسلق أغصانها ويأكل من ثمارها، وما أن يشبع حتّى يغفوا قليلاً نائماً تحت ظلها، وكان الطفل الصغير يحب تلك الشجرة كثيراً وهي أيضاً كانت تحبه.. ومضى الوقت وكبر الطفل وأصبح ولداً يافعاً، وانقطع عن اللعب تحت شجرة التفاح العملاقة.. وذات يوم عاد الصبي إليها وهو حزين جداً، فسألته الشجرة : “هيا تعال والعب معي !” فأجابها الصبي قائلاً : “لم أعد صغيراً لألعب تحت شجرة ! أنا أريد بعض الألعاب الأخرى واحتاج لبعض النقود لشرائها”..
فأجابته الشجرة وهي تقول : “أنا لا أمتلك أي نقود، ولكن يُمكنك أن تقطع مني بعض التفاح وتأخذه وتبيعه لتحصل على المال وتشتري ما تريد” وفرح الصبي كثيراً وجمع بعض التفاح من على الشجرة وغادر سعيداً تاركاً الشجرة وحيدة من جديد.
ومر الوقت ولم يعد الولد للشجرة بعد قطف التفاح وأُصيبت الشجرة بالحزن الشديد، ولكن ذات يوم عاد الصبي للشجرة ولكنه لم يكن صبياً، بل أصبح رجلاً مسؤلاً عن أُسرة، وكانت شجرة التفاخ في غاية السرور عندما رأته وقالت له : “تعال والعب معي !”.
رد عليها قائلاً : “لم أعد صغيراً ولم يعد لدي الوقت للعب معك، فأنا الآن مسؤل عن أسرة، وأبحث عن بيت يأوينا” فقالت له الشجرة : “ليس عندي بيت لأعطيه لك ! ولكن باستطاعتك أن تقطع جميع أفرعي لتبني بيها بيتاً لك ولأسرتك”..
وبالفعل فقد قطع الرجل جميع أفرع الشجرة وأخذها وغادر سعيداً تاركاً الشجرة وحيدةً وراءه، وكانت الشجرة سعيدة لأنها تراه سعيداً، ولكنه لم يعد بعد ذلك وعادت الشجرة حزينة كما كانت..
ومرّت السنين والسنين وعاد الرجل في يومٍ حار، وما أن رأته الشجرة حتّى غمرتها السعادة العارمة، وقالت له : “هيا، تعال والعب معي !” فأجابها الرجل قائلاً : “كما ترين، فلقد تعبت وكبرت في السن، وأريد أن أُبحر لأي مكانٍ لأستريح قليلاً”.
فكّرت الشجرة قليلاً وقالت : “يمكنك أن تقطع جذعي وتبني منه مركباً لتسافر إلى ما تريد وتكون سعيدا” وقطع الرجل جذع شجرة التفاح الكبيرة وصنع منه مركباً قويا وسافر مبحراً بعيداً..
ومرت سنوات أخرى كثيرة وعاد بعد غياب طويل كهلاً عجوزاً وما أن رأته الشجرة حتى قالت بحزن : “يؤسفني أنّه ليس لدي ما أُعطيه لك هذه المرة” وأكملت كلامها وهي تبكي : “حقا ليس لدي ما أعطيه لك، فكل ما لدي الآن هو جذور ميته لن تنفعك في شيء”..
فأجابها الرجل العجوز قائلاً : “كل ما أريده هو مكان لأستريح فيه من عناء تلك السنوات” فنظرت له الشجرة برفق قائلةً : “جيد، فجذوري العجوزة تلك هي أنسب مكان لتسترح فيه، تعال هنا بجواري واسترح” وذهب الرجل إليها وكانت الشجرة في قمة السعادة والدموع تتزاحم على عينيها..
هل تعرفون ياصغاري من هي تلك الشجرة ؟
هذا أنت والشجرة هي أُمك