رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكلمات كلّها التي نطق بها يسوع المسيح على الصليب، تتعلّق برسالته الإلهيّة. ألا يكون مدهشاً أن يستثنَى كلامه لأمّه ولتلميذه، فيُصبح وكأنه كلامٌ بشريّ محض لا داعي له أبداً في تلك الساعة كما سنرى بعد قليل؟ وسياق الكلام في مشهد الجلجلة سياقٌ عقائديّ. وَضْعُ اللوحة المكتوبِ عليها" يسوع الناصريّ ملك اليهود"، واقتسامُ الثياب، والاقتراع على القميص، والطعن بالحربة، كُلّها أمورٌ تتّسم بطابع لاهوتيّ عميق: إنها توحي بمَلَكِّية المسيح، وكهنوتِه، وكونه الحمل الفصحيّ عند المسيحييّن. فهل يعقل أن لا يكون لوصية المسيح، النازلة في هذا السياق للكلام، إلاّ البعدُ البشريّ العائليّ، ولا تكون مرتبطة بالعمل الفدائي الذي يتمّ على الصليب؟ لا يُعَقَل. لا سيّما أنَّ الإنجيليّ يتابع حالاً ويقول: " وبعد ذلك (بعد الوصيّة)، إذ رأى أنَّ كلَّ شيء قد اكتمل (بها)، قال، ليتمَّ الكتاب: "لقد تمَّ." أليس في ذلك إشارة إل أنَّ وصيّة المسيح مندرجة في "اكتمال" التدبير الخلاصيّ؟ وصيّته هذه هي آخر ما قام به المسيح، قبل أن يلفظ الروح، ساعة كان يقوم برسالته الأساسية ف"يُتَمَّ" ما كان الأب قد أرسله لأجله. فلا يعْقل بالتالي أن يكون قد اختار مثل هذه الساعة المهيبة، ساعة اكتمال الفداء، لترتيب أمور أمّه الاجتماعية. هذا ولا يُعْقل، في المجتمع الشرقيّ، أن يسلّم أمور أمّه الاجتماعية إلى يوحنا، في حين أنَّ نسيبة أمّه، زوجة كليوبّا، كانت هناك. ولا أن يسلّم أمور تلميذه يوحنا إلى مريم أمّه كما لو أنَّ يوحنا كان يتيماً، في حين أنّ سالومي أمّه كانت هناك، حيّةً تُرزَق. كما وإنه لا يُعقَل – في حال أنَّ وصيّة يسوع هي، فَرَضاً، عملٌ بَنَويّ إنسانيّ لا غير – لا يُعقَل أن يسلّم يوحنا لرعاية مريم، بل يسلّم مريم لرعاية يوحنا، فيكتفي بالقول: "يوحنا! أميّ هذه، تَكفَّل بها واحمِها!" فلمّا وجّه كلامه، خلافاً لما كان متوقَّعاً، أولاً إلى أمّه وقال، مشيراً إلى يوحنّا: "هوذا ابنك"، كان ذلك منه تكريساً لها في رسالةٍ مرتبطة بالعمل الفدائيّ الذي هو، مخلّص العالم، منصرفٌ إلى أتمامه. إنْ صحّ القول إنّ أوّل عمل مِشْيَحيّ قام به الكلمة المتجسّد، يومَ البشارة، هو أن يُقِيمَ مريم أُمّاً له جسديّة، صَحّ القول أيضاً إنّ آخر أعماله المِشْيَحِيّة، على الصليب، كان أن يكرّس أُمّه أُمّاً روحيّة لجميع البشر، ويُقيمنَا نحن في البنوّة المريميّة. |
|