رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف يتكون اللؤلؤ ؟ يتكوَّن اللؤلؤ في قاع المحيط، داخل حيوان رخوي صدفي، عندما يدخل جسم غريب (حبة رمل على الأرجح) داخل ذلك الحيوان، بين الصدفة وجسمه الرخوي؛ فينتج عن ذلك آلام شديدة وتهيُّج للجسم اللدن لهذا الحيوان (المحار)، فيقوم المحار بإفراز سائل يحيط بهذا الجسم الغريب، لعزله عن جسمه الحساس، وهذا السائل الذي يفرزه المحار هو سائل اللؤلؤ. لكن هذا بدوره يسبب للمحار مزيدًا من الآلام والتهيج، ينتج عنها مزيد من إفراز السائل اللؤلؤي. وبتكرار هذا الأمر مرات عديدة تكبر اللؤلؤة. وبقدر ما يمكن لهذا الكائن أن يتحمل، قبل أن يقضي نحبه من شدة الآلام، ستكبر اللؤلؤة وتزداد قيمتها. وبحسب علمنا، لا يوجد حجر كريم آخر يتكون بهذه الطريقة: فعن طريق آلام كائن حي يتكون اللؤلؤ، ومن الآلام ينشأ الجمال! ولنا من هذا جملة من الدروس الروحية الهامة: الدرس الأول: طريقة تكوين اللؤلؤ يُذكرنا بكيفية تكوين الكنيسة فالمسيح، في المثل السادس من أمثال ملكوت السماوات السبعة، اعتبر الكنيسة هي “اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن” (مت13: 45، 46). وكم عانى المسيح لكي تتكوَّن الكنيسة! تفكَّر في كلفة المحبة التي تكلَّفها المسيح، من المجد إلى المهد، ومن المهد إلى اللحد. تفكَّر في رحلة المعاناة فوق الأرض من مزود الأبقار، مرورًا بدكان النجار، منتهيًا بصليب العار، والقبر المستعار! وتفكر في الثمن الرهيب الذي دُفعه المسيح في الجلجثة! لكم تألم ربنا يسوع عندما دخله ذلك الجسم الغريب عنه تمامًا، أعني به الخطية. عندما الله «جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» (2كو5: 21). لقد صرخ المسيح من هول الآلام قائلاً: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» وعن طريق تلك الآلام الكفارية الرهيبة تكونت الكنيسة! ومعروف أن قيمة اللؤلؤة تكون متناسبة طرديًا مع حجمها. ولقد سبق وذكرنا أنه على قدر إمكانية المحار على تحمل الألم، بهذا القدر عينه تكبر اللؤلؤة، وتكون قيمتها أعظم. وربنا يسوع تحمل آلامًا فائقة الوصف، وذلك نظرًا لاتحاد لاهوته بناسوته. ولذلك فنحن نتوقع أن يكون حجم هذه اللؤلؤة “الكثيرة الثمن” كبير وعظيم، إذ يقول الرسول: «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يُكَمِّل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب2: 10؛ انظر أيضًا رومية 8: 29). وعن قريب سوف ترى عيوننا هذا كله. والكنيسة تُعتبَر مجدًا لله وللمسيح، وذلك لأنها أظهرت حكمة الله، وكيف أنه يُخرج الخير من الشر. وعندما تحدَّث الرسول في رسالة أفسس عن الكنيسة بحسب قصد الدهور، ختم حديثه بهذه التسبحة الجميلة: «له المجد في الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور» (أف3: 21). وفي العادة يستغرق تكوين اللؤلؤة عدة سنوات، وأما بالنسبة للكنيسة فلقد مر نحو ألفي عام، وما زال الرب يضم كل يوم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). ثم لا أحد يرى اللؤلؤة وهي تتكون، فهي تتكون في الخفاء في أعماق المحيط. ومن يستطيع أن يرى أين وكيف تتكون الكنيسة؟ هناك من يتعرف على المسيح في السجون أو المستشفيات، في الصحاري النائية والقرى البعيدة. هناك من يتعرفون على المسيح على فراش المرض بل وفي لحظات الاحتضار. نعم إنه كما تتكوَّن اللؤلؤة بعيدًا عن الأعين، كذلك أيضًا تكوين الكنيسة. الدرس الثاني: من الآلام ينشأ الجمال هناك تطبيق آخر لهذا المثل ينصرف على المؤمنين، فمع أننا لا يمكننا أن نشارك المسيح آلامه الكفارية السابق الإشارة إليها، لكن آلام الكراهية من البشر نحن نتبع المسيح فيها، «إن كنتم تتألمون عاملين الخير فتصبرون فهذا فضل عن الله؛ لأنكم لهذا دعيتم، فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا، تاركًا لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته» (1بط2: 20، 21). عندما ذهب الرب إلى الصليب ليتحمل الآلام التي هي فوق مداركنا، كم عانى التلاميذ من أحزان قاسية، سواء أمام مشاهد القبض على سيدهم ومعبود قلوبهم، ثم أمام مشاهد محاكماته المهينة والظالمة، وموت الصليب المذيب، ودفن القبر الرهيب، وكأن الرواية انتهت هنا. لكن اسمع ما قاله المسيح لتلاميذه في تلك الليلة حالكة الظلام، قال لهم: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ» (يو16: 20). لم يقُل المسيح إنه سيعقب الحزن فرح، بل إن الحزن نفسه سوف يتحول إلى فرح. بكلمات أخرى ليس فقط أن الألم سيتبعه المجد، بل إن الألم هو الطريق إلى المجد. نعم، نحن نتعلم من اللؤلؤ أنه من الآلام ينشأ الجمال. تذكَّر نعمي (ومعنى اسمها حلاوة). لقد ترملت ثم ثُكلت. كان البيت يضم ثلاثة رجال، فتُركت المرأة من ابنيها ومن رجلها، وهي في أرض غريبة (را 1: 1-5). فلا عجب أن نسمعها تقول لجاراتها، بعد عودتها إلى بيت لحم: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدّاً. إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي “نُعْمِيَ” وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟» (را 1: 20، 21). لكنها كم ازدادت حلاوة من تلك المعاملات الإلهية القاسية، وكم بانت الصفات الرائعة فيها بعد تلك المعاملات المُذلة. لقد انطبقت عليها كلمات المرنم: «قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ... خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ» (مز119: 67، 71). إنها، مثل يعقوب أيضًا، بدأت القيمة الحقيقية لحياتهما بعد أن كسّرهما القدير. وفي هذا قال أحد القديسين: “عندما تشتم رائحة المسيح العطرة من أحد المؤمنين، فاعلم أن ثمة شيء فيه قد كُسِر”. والواقع أن أفضل الصفات وأرقى الخصال، التي نجد نموذجها الكامل في ذاك الأبرع جمالاً من بني البشر، تنمو في تربة مخلوطة بالآلام. وليس الجمال فقط، بل أيضًا الطهر والنقاء. هذا يصبح أكثر وضوحًا إذا عرفنا أن الكلمة اليونانية للؤلؤة هي “مرجريتا”، وهي مأخوذة من كلمة تعني النقاء. والحقيقة إن الألم الذي يسمح لنا الرب به أن نتحمَّله، يستخدمه الله ليوصلنا إلى حالة النقاوة والبر، “لكي نشترك في قداسته” (عب12: 10). ذهب أخ يطلب من أحد الخدام، إن كان ممكنًا أن يصلي لأجله كي يعطيه الله الصبر. أجابه الخادم: بكل سرور، وسأفعل ذلك الآن، وفي الحال بدأ يصلي ذلك الخادم لكي يسمح الرب بالتجارب والضيقات أن تأتي إلى ذلك الأخ. وبعد أن انتهى الخادم من الصلاة، قال له الأخ: يبدو أني لم أوضح لك قصدي، ففهمتني خطأً، أنا طلبت منك أن تصلي لأجلي لكي يهبني الرب مزيدًا من الصبر، فقال له الخادم: أنا فهمتك تمامًا، أولا تعلم ما قاله الكتاب في رومية 5: 3 «عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا». الدرس الثالث: غلبة الشر بالخير لقد تأذت المحارة بالجسم الغريب الذي دخلها، فماذا كان رد فعلها؟ لقد أفرزت اللؤلؤ! وعليه فيمكن القول إن المحارة لم يغلبها الشر (الجسم الغريب)، بل هي التي غلبت الشر بالخير. وهو درس لنا جميعًا نحتاج أن نتعلّمه من مُعَلِّم المعلمين الرب يسوع المسيح. وهو لم يُعَلِّم تلاميذه هذا الدرس نظريًا فحسب، بل عمليًا أيضًا، فلقد قال: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (مت5: 44). ثم عند الصليب، شفى أذن العبد ملخس، وصلى لأجل قاتليه لكي تُحسب لهم تلك الخطية كأنها سهو! قال الرسول: «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب... لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير» (رو12: 19، 21). وتعليقًا على الجزء الأول من هذه الآية قال فرانسيس باكون: “المتألم الذي يفكر في الانتقام، يحتفظ بجراحه مفتوحة”. وتعليقًا على الجزء الأخير من هذه الآية قال داربي: “إذا كان طبعي السيّء يثير سوء طبعك، يكون قد غلبك الشر”. وعليه فأن نفعل الخير هو الطريق الوحيد المسموح لنا أن نرد به على الشر، وهو أيضًا الطريق الوحيد الذي به نتشبَّه بسيدنا الكريم. لذا فإنه من الحسن يا أخي العزيز أن تتذكر كيف يتكون اللؤلؤ. |
|