منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 02 - 2022, 03:20 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,433

الذات التى تريد أن تكبر فتحس بالغرور والطمع وحب السيطرة

البابا شنودة الثالث

الذات تريد أن تكبر


يقع في الكبرياء الإنسان الذي يهتم بذاته بطريقة خاطئة، أو أنه يحب ذاته بطريقة خاطئة. فهو يكبر في عيني نفسه. ويحب أن يكبر في أعين الناس. بل يحب أيضًا أن يكبر أكثر من غيره.
· مثال للذي يكبر في عيني نفسه.
كالشخص الذي يطيل النظر في المرآة، يتأمل محاسن نفسه..!
أو كالذين أرادوا في القديم أن يبنوا برج بابل، وقالوا بعضهم لبعض: "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه في السماء، ونصنع لأنفسنا اسمًا" (تك11: 4).. صدقوني يا أخوتي ربما كان هؤلاء أقل كبرياء في أعين أنفسهم من الذين قالوا: نصعد إلي القمر، نرفع عليه علم بلادنا، نصعد أيضًا إلي المريخ. نمهد إلي سكني الكواكب أو ننظم رحلات إليها.
كلها أمثلة للعقل البشري، حينما يكبر في عيني نفسه، ويتصور تصورات أو تخيلات تليق بهذا اللون من الكبر.








* أما الذي يريد أن يكبر في أعين الناس، وأن يمجدوه:
فهو مثل هيرودس الملك، الذي وهو يخاطب الناس من على عرشه، سر أن يمجده الناس قائلين "هذا صوت إله، لا صوت إنسان" (أع 12: 22). ففي الحال ضربه ملاك الرب بسبب كبريائه، فمات وأكله الدود.
ومثال آخر هو هامان -في عهد أحشويرش الملك- الذي اضطهد مردخاي لأنه لم يسجد له مثل سائر الناس الذين يمجدونه (إس 3: 3-6).



* على أن البعض لا يكفيه أن يكبر، بل يريد أن يكبر أكثر من غيره.
مثال ذلك أبشالوم بن داود الملك، الذي أراد أن يصير أكبر من أبيه، وأن يجلس على العرش بدلًا منه. ودخل في حرب ضده (2 صم 15-18).
· والذي يريد أن يكون أكبر مكن غيره، يقع في حب الرئاسة.
وذلك ليكون اعلي من غيره قدرًا. وقد حورب الآباء الرسل بهذا الأمر: من يكون الأول فيهم. فقال لهم السيد الرب "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا" (مت 20: 25-27).



* وطبيعي أن الذي يحب أن يكون الأكبر، يكره أن يكون هناك من هو أفضل منه. ونتيجة لهذا تدب فيه روح الغيرة والحسد:
فلما رأي شاول الملك آن الفتى داود قد ناله مديح أكثر منه، بعد أن انتصر على جليات الجبار، تملكته الغيرة والحسد، فأراد قتل داود أكثر من مرة، وطارده من مكان إلي آخر، وتغير قلبه من جهته (1 صم 18: 7-15).
أيضًا قايين قام على أخيه هابيل وقتله. لأن الرب قبل ذبيحة هابيل ولم يقبل تقدمته هو، فتملكته الغيرة والحسد التي انتهت به إلي القتل.
كذلك أخوة يوسف الصديق: لما رأوا انه قد صار أفضل منهم، بالأحلام التي حكاها لهم، وبالقميص الملون الذي منحه أبوه إياه، لذلك حسدوه، وازدادوا أيضًا بغضًا له. واحتالوا عليه ليميتوه. وأخيرًا باعوه كعبد (تك 37).






نفس الغيرة أيضا دبت بين أختين شقيقتين هما ليئة وراحيل، من أجل الأفضلية في أنجاب البنين، وفي كسب محبة الزوج (تك 29: 31-35). حتى "قالت راحيل: مصارعات الله قد صارعت أختي" (تك 30: 8).



* عجيب أن يشعر إنسان بكبره، لأسباب تحيط بذاته من الخارج.
مثال ذلك سليمان الملك، الذي شعر بذاته لسباب كلها خارجة عنه، مثل قوله "بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا. عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ.. عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ. قَنَيْتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ.. وَكَانَتْ لِي أَيْضًا قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي.." وعجيب أنه قال بعد كل تلك الأسباب الخارجية: "فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم" (سفر الجامعة 2: 4-9).
بينما المفروض أن تكون أسباب العظمة من الداخل، كقول المزمور:
"كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45: 13).
علي الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة". ومع ذلك ما أكثر الذين يكبرون في أعين أنفسهم أو في أعين الناس بأسباب خارج الذات مثل السلطة والغني والمركز وما أشبه.



* على أن البعض قد يكبر بسبب ذاته: كأن يكون حكيمًا في عيني نفسه، أو بارًا في عيني نفسه.
الحكيم في عيني نفسه، يعتد برأيه وبفكره. ويظن باستمرار أنه على صواب، وأن الحق في جانبه. بينما يقول الكتاب: "على فهمك لا تعتمد"، "ولا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم 3: 5، 7).
والحكيم في عيني نفسه، لا يري أنه محتاج إلي مشورة أو أي نصح. لأنه مكتف بذاته من جهة الفك، وواثق بمعرفته. بل قد يصل في ذلك إلي مقاومة الرأي الآخر، في عناد وتشبث برأيه.
أما البار في عيني نفسه، فهو الذي يشعر أنه لا يخطئ أبدًا. ولذلك فهو لا يقبل عتابًا. ولا يكون مستعدًا لتغيير مسلكه.


الغرور





والبار في عيني نفسه، والحكيم في عيني نفسه، كلاهما يصيبهما الغرور.
والمغرور له ثقة زائدة في نفسه. يظن في نفسه أكثر من حقيقتها بكثير. ويعتد بنفسه.
وربما تكون له مواهب أو قدرات تتعبه، وتكون مصدرًا لغروره. أو قد يظن أن له مثل هذه المواهب والقدرات.
المغرور بذاته يعتمد على نفسه. أما المتواضع فيعتمد على الله.
الواثق بنفسه يكون كثير العمل. أما المتواضع فيكون كثير الصلاة.
المغرور إذا نجح، يفتخر بعقليته وجهده وعمله. أما المتواضع فإذا نجح، يشكر الله - لأنه لم ينجح إلا بمعونة منه.





وهذا المغرور قد لا يعمل شيئًا. ولكنه في كثير من الأحيان يسبح في أحلام اليقظة، ويتخيل فيها أنه يقوم بعظائم الأمور!!
وهو قد يقحم نفسه في أمور ربما تكون فوق مستواه، ظانًا أنه يستطيع أن يبدي فيها رأيًا، أن يعمل فيها عملًا. وغالبًا ما يفشل..
وإن فشل أو صدًه الناس، قد ينطوي. يتأمل في وحدته محاسن نفسه ومواهبها، بعيدًا عن مجتمع لا يقدًرها ولا ينتفع بها!!




الذاتية ومحاولة تحقيق الذات



· الذي يريد أن يكبر ذاته يعمل على تحقيق ذاته في كل شيء.

ويقصد بعبارة (تحقيق ذاته) أنه يشعر بوجود هذه الذات وحفظ مكانتها في كل عمل تعمله، حتى في الكنيسة، وفي الخدمة، يريد أن هذه الذات تظهر وتحقق وجودها. وما أكثر ما تتحطم الخدمة بظهور الذات ومحاولتها أن تبدو وأن تسيطر، ولا مانع من أن تصطدم بغيرها، ويسود الانقسام والصراع في الخدمة بسبب الذات.



حتى في التعليم، قد تحاول الذات أن تثبت وجودها.
وربما في سبيل ذلك، يوجد المنهج الخاص والتعليم الخاص، والخروج عن المفهوم العام لتقديم مفهوم خاص تتميز به الذات وتظهر. وقد تحاول أن تحطم التعليم القديم الثابت في الأذهان، لتقدم تعليمًا جديدًا.. وهكذا تظهر البدعة. وتدافع الذات عنها لتثبيتها.
وفي الخدمة، ما أسهل أن تسعي الذات وراء المتكآت الأولى، والمنافسة عليها. فلا تكون الذات باذلة في مجال الخدمة، بل تكون الخدمة هي الوسيلة التي تظهر بها الذات، وتنال بها تقديرًا واحترامًا.



* ومن اخطر ما تقع فيه الذات: الاستقلال عن الله.
وكأن الذات تبحث عن ملكوتها هي، وليس عن ملكوت الله. وتهتم بتنفيذ مشيئتها الخاصة، لا مشيئة الله، وتحقيق رغباتها هي، لا وصايا الله. وبهذا تبعد كل البعد عن حياة الطاعة والتسليم.
ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال يونان النبي، الذي هرب من تنفيذ أمر الله في الذهاب إلي نينوى والمناداة عليها بالهلاك. لأنه كان يدرك أنها إن تابت بمناداته، سيغفر الله لها ولا تهلك.. فتسقط كلمته في المناداة عليها. وقد حسب ذلك ضد كرامته!!
لذلك عندما رحم الله أهل نينوى، غًم ذلك يونان غمًا شديدًا فأغتاظ، وقال: الآن يا رب خذ نفسي، لأن موتي خير من حياتي (يون4: 1-3).





* ومن مظاهر استقلال النفس عن الله، رغبتها في أن تحيا في حرية مطلقة، ولو أدى الأمر أن تعصي فيها كل وصايا الله!!
وهذا ما وقع فيه الكثيرون، وقادتهم الحرية الخاطئة إلي التسيب والانحلال، وإلي الإباحية والشذوذ، والمطالبة لأنفسهم بحقوق في إباحيتهم وشذوذهم، ومن أمثلة ذلك أيضًا الوجوديون، الذين رأوا أن وجودهم لا يتحقق في ظل وصايا الله. فنادوا بأنه من الخير أن الله لا يوجد، لكي يوجدوا هم، أي لكي تتحقق لهم الحرية الكاملة في التمتع باللذة المنحرفة مستقلين عن الله..!


والذي من أجل تحقيق ذاته، يأخذ هذا الموقف من الله، طبيعي جدًا أن يأخذ نفس الموقف من أب الاعتراف.
فهو لا يريد أن يكون أب الاعتراف عائقًا لحريته. لذلك لا يطيعه إلا فيما يتفق مع غرضه هو. وإن نصحه أب الاعتراف بتدبير يراه ضد فكره واتجاهه، يجادله ولو إلي حد عدم الاستجابة لإرشاده. وقد يلجأ إلي عدم استشارته مطلقًا في أي أمر يشعر بأنه سيرفضه.
وبهذا يريد أن يكون أب اعترافه مجرد جهاز تنفيذي لرغباته، يعطيها شرعية كنسية بالموافقة عليها، أو يسلك حسب هواه..


السيطرة



* والإنسان الذي يحب ذاته بمثل هذه المحبة الخاطئة، تظهر هذه الذات مسيطرة في معاملاته.
فهو يريد أن يكون أهم من غيره. ويريد احترامًا لذاته من كل من يتعامل معه. ويكون حساسًا جدًا لكرامته وسمعته ونفوذ كلمته!
وبسبب ذلك ما أسهل أن يصطدم بغيره. وتقوده الذات إلي خصومات وربما إلي معارك. ويقوده التنافس إلي الحسد.
وتظهر (الأنا) Ego واضحة في تعامله. تقوده إلي الأنانية التي تسبب له كراهية الناس وتجنبهم للاختلاط به.
ويميل إلي العظمة وتشامخ الروح. ويود أن تكون هذه العظمة له وحده، وتزول من غيره لتستقر عنده. ويستاء من كل مديح يوجه إلي غيره. كما لو كان إعجاب الناس وقفًا عليه وحده!


الطمع



والمهتم بذاته يقع أيضًا في الطمع.
وينطبق عليه قول الكتاب "كل الأنهار تجري إلي البحر، والبحر ليس بملآن" (جا 1: 7). ذاته لا تحاول أن تكتفي في كل المجالات. لا تكتفي غني ولا عظمة ولا مديحًا.

أليس أن الشيطان لم يكتف بما كان فيه من مجد، فأراد أن يرتفع فوق كل كواكب الله، بل يصير مثل العلىً! (أش 14: 13، 14).
وفي طمع الإنسان المحب لذاته، قد لا يسمح بأن يعطي فرصة لغيره أن ينال شيئًا إلي جواره. كما قيل عن رعاة لوط أنهم اختصموا مع رعاة إبراهيم، لما كثر الخير فتنافسوًا على المراعي. وقيلت تلك العبارة المؤلمة "ولم تحتملها الأرض أن يسكنا معًا" (تك 13: 6).
والذي تقوده الذات إلي الطمع، يصعب عليه العطاء.
فيحب الأخذ أكثر من العطاء، بعكس وصية الرب(أع 20: 35).
من أجل تمركزه حول ذاته، يصعب عليه دفع العشور والبكور، ويصبح العطاء كأنه اقتطاع من ذاته، وفي قصة الغني ولعازر (لو 16) كان لعازر يشتهي الفتات الساقط من مائدة الغني، وذلك لا يعطيه.
وبالتالي فإن المحب لذاته -إذا أعطي- يصعب عليه أن يعطي في الخفاء. لأن ذلك لا يمجد ذاته في أعين الناس.
وإن أعطي، يكون عطاؤه كله خارج ذاته، بينما أعظم العطاء هو في بذل الذات لأجل الغير حسب قول الرب (يو 15: 12).





والمحب لذاته يقع في الافتخار وفي تبرير الذات.
فهو يكثر الحديث عن نفسه وفضائلها. وبلا شك يتحدث عن أنصاف الحقائق. لأن النصف الآخر من الحقيقة -وهو ضعفات ونقائص تلك النفس- لا يذكره في حديثه.




كلمة أنا



كلمة (أنا) Ego والكبرياء يسيران معًا في طريق واحد منحرف، ويقعان معًا في هاوية واحدة، بعيدًا عن محبة الله والناس.
إنها كلمة (أنا) في سعيها إلي الظهور، وفي طلبها للكرامة، ولمزيد من الحقوق، سواء على المستوي الدنيوي، أو المستوي الديني.



ونقصد بكلمة (أنا) كل ما يتعلق بها أو ينتسب إليها..
كمن يقول: عائلتي، وقريتي، وأهلي، وعشيرتي، .. إلخ.
كلها تحمل معني (الأنا) في الانتماء إليها، وفي الافتخار بها، وفي التعصب لها. على مستوي الجماعة، كما على مستوي الفرد.

(الأنا) تريد كل شيء لها. وعلي الأقل تريد أفضل شيء لها..!



وللأسف تبدو كمرض ينشأ منذ الطفولة المبكرة!!
فعلي الرغم من وصف الأطفال بأنهم ملائكة، إلا أن (الأنا) تسود على غالبيتهم. فالطفل من صغره يتمسك بمحبة الذات التي تقوده إلي الغيرة وإلي الأنانية. فهو قد يتضايق إن أحبت أمه أو دلًلت طفلًا غيره. لأنه يريد كل الحب وكل التدليل له وحده. وإن أنجب أبواه طفلًا بعده، قد يعتبره منافسًا له في اهتمام الوالدين به. فهو يريد كل الاهتمام له! وإن رأي طفلًا آخر يلعب بلعبة جميلة، ربما يحاول أن يأخذها منه، أو يبكي بسبب ذلك.. إنها الذات ومشاكلها..



وبسبب ذلك فإن أسرة الطفل تحاول أن تتملقه أو تجامله، لتخفف من ضغط الذات عليه.
وتقول له: أنت طفل جميل حلوًا أنت أحلي ولد. لا يوجد أبدًا مثلك.. وتظل تعطيه من أصناف المديح، بل ومن الهدايا والعطايا، لكي تشبع فيه (تحقيق الذات)، وتخفف عنه حروبها ومشاكلها! أو تحاول أن تقنعه بالرضي على غيره منً الأطفال. أو تعطيه ليعطيهم، فيكون العطاء عن طريقه، فتشبع ذاته وترضي..!



محبة الذات هذه تتبع الطفل في نموه. وتكبر عنده حينما يكبر ويصير شابًا أو رجلًا. وتصير مصدرًا لألوان من الكبرياء عنده.
والأمر يحتاج إلي حكمة كبيرة في أساليب التربية، لإنقاذ الطفل في أطوار نموه من كبرياء الذات وأنانيتها. وتفهيمه بأنه يمكن أن يكبر في الفضيلة، وفي النمو الروحي.. إلي أن توصله إلي تفضيل التواضع حينما يكبر في السن.. وليس هذا بالأمر السهل، ولكنه يحتاج إلي خبرة في التربية، ودراية بأساليب الإرشاد الروحي.
أما الذي في نموه في السن، يستمر في إشباع الذات بالاستحواذ على كل شيء، فهو لا يزال يحتفظ ببعض أمراض الطفولة نفسيًا.




وتبقي عنده مشكلة الذات: ماذا أكون؟ ومتى أكون؟ وكيف أكون؟ وكيف تكبر ذاتي؟ وكيف تفوق غيرها..؟
وتتحول ذاته إلي صنم يتعبد له!! بل قد تتبعه عبادة الذات في المجال الديني أيضًا!! فإن دخل في خدمة الكنيسة أو في خدمة المجتمع، تري ذاته أيضًا أمامه: كيف يكبر في مجال الخدمة؟ كيف يكون له الرأي الواجب التنفيذ؟ ويكون هو الأول أو يكون هو الوحيد والباقون أتباعًا!! كل ذلك في مجال خدمة الرب!!
بل حتى في الصلاة، تقف الذات أمامه! كيف يعجب الناس بصلاته؟! وكيف باستجابة صلاته، ينال إعجاب الناس!! إنها (الأنا) التي لا تصلي لأجل خير الناس ومنفعتهم، إنما تصير (الأنا) هدفًا، تكبر عن طريق الصلاة واستجابتها! وإن لم يستجب الله لمثل هذه الصلاة، يدخل في عتاب مع الله: كيف تخلي عن أناه!!



وربما في المعاملات، يريد أن يفرض صنم هذه الأنا على غيره!
فكما أنه يحب هذه الأنا، ويتعبد لها ويمدحها، يريد أيضًا أن الكل يتعبدون لها ويمدحونها ويوافقونها على كل ما تريد!! ومن يعارض رغبات ذاته، يتخذه له عدوًا ويقاومه! لأنه لم يُشبع هذه (الأنا) ما تهواه من كرامة ومن كبرياء!
وغالبًا ما تكون (الأنا) سبب كل عداوة وانقسام واختلاف.
ويبقي أن الله ينجي الإنسان من خطورة هذه (الأنا) عليه وعلي غيره. وأيضًا على الإنسان أن يبحث عن وسائل تخلصه من أناه..





وربما إنسان يستخدم (الأنا) لاهوتيًا أو عقائديًا، فيفتخر بما وصلت إليه ذاته من رفعة روحية.
فيقول: أنا تجددت. أنا تطهرت. أنا تقدست. أنا تبررت. أنا ضمنت الملكوت. أنا قد صار الشيطان تحت قدمي، أدوسه بكل قوه وأطرده.. وتكرر كلمة (أنا) في مثل هذه الافتخار! وفيه كله، لا يذكر إطلاقًا عمل النعمة فيه! ولا يُذكر الضعف البشري المعرض للسقوط. ولا يُذكر قول الكتاب عن نبي عظيم مثل إيليا: "إيليا كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا "! (يع 5: 17) مع أنه " صلي صلاة أن لا تمطر السماء، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلي أيضًا، فأعطت السماء مطرًا، وأخرجت الأرض ثمرها" (يع 5: 17، 18).
للأسف يستخدم الإنسان ما تعلنه نعمة الله معه، لتفتخر بها ذاته، وليس لكي يمجد عمل النعمة فيه، مع الاعتراف بضعفه.



أما الآباء الأنبياء والرسل والقديسون، فقد استخدموا كلمة (أنا) في مجال الاتضاع وانسحاق النفس..

إبراهيم أبو الآباء، الذي باركه الله، وجعله بركة، وقال له: "وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض" (تك 12: 2، 3)، نراه في مجال كلمة (أنا) يقول "أنا تراب ورماد" (تك 18: 27).
وداود النبي، الذي كانت له دالة كبيرة عند الله، وقد صنع الله به نصرًا عظيمًا على جليات (1 صم 17)، نراه بعد ذلك لما عرضوا عليه مصاهرة الملك شاول، يقول لهم "هل هو مستخف في أعينكم مصاهرة الملك، وأنا رجل مسكين وحقير" (1 صم 18: 23).، وما أكثر اعترافه في مزاميره بضعفه. كأن يقول "ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز6: 2).
ويوحنا المعمدان، مع أنه كان أعظم من ولدته النساء (مت 11: 11)، يقول للرب "أنا المحتاج أن أعتمد منك" (مت 3: 14). ويقول للناس "يأتي بعدي من هو أقوي مني، الذي لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" (مت 3: 11) (لو 3: 16).
وبولس الرسول العظيم، الذي اختطف إلي السماء الثالثة (2كو 12: 2)، قال عن ظهور السيد المسيح للرسل بعد القيمة "وآخر الكل، كأنه للسقط ظهر لي أنا، لأني أصغر الرسل، أنا الذي لست أهلًا أن أدعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو15: 8، 9).





هذا هو الاستخدام السليم لكلمة (أنا) بروح الانسحاق.
وبنفس الروح، يرسل القديس العظيم بولس الرسول إلي تلميذه تيموثاوس فيقول "أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان" (اتي 1: 13). يقول ذلك عن نفسه في رسالة إلي تلميذه، بينما العادة أن يفتخر المعلمون أمام تلاميذهم! ولكنه يستدم كلمة (أنا) بالطريقة السليمة.
ونلاحظ أنه عندما تحدث عن اختطافه إلى السماء الثالثة، لم يقل أنا، إنما قال "أعرف إنسانًا في المسيح يسوع" (2كو 12: 2) فلم يستخدم كلمة (أنا) في مجال التمجيد بينما استخدمها في الاعتراف بأخطائه.



في تمجيد الذات، اهتم الآباء بتمجيدها في السماء لا على الأرض.
في مجد (الأنا) على الأرض، في هذه الحياة الحاضرة القصيرة، كان يخيفهم قول الرب عن هؤلاء الذين ينالون مديحًا هنا من الناس: "الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم" (مت 6: 2). وتكررت نفس العبارة في (مت6: 5، 16). وبنفس المعني قال أبونا إبراهيم لغني لعازر: "يا ابني، اذكر أنك قد استوفيت خيراتك في حياتك" (لو16: 25).
أما الذين " أجرهم عظيم في السماء"، فهم أولئك الذين أخفوا كلمة (أنا)، وعملوا الفضيلة في الخفاء، أمام أبيهم السماوي الذي يري في الخفاء، وسيجازيهم علانية (مت 6). وأيضًا أولئك الذين استخدموا عبارة (لا أنا) وما يشابهها.




لا أنا:

مثال ذلك القديس بولس الرسول الذي قال عن خدمته الناجحة: "ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا، ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1 كو 15: 10). وهنا نركز على عبارة:
"لا أنا، بل نعمة الله التي معي".
ويكرر بولس الرسول نفس المعني، فيقول "مع المسيح صُلبت. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيً" (غل 2: 20). لا أنا الذي يعمل، بل المسيح الذي فيً يعمل كل شيء. أما فقد صُلبت كلمة (أنا) فما عادت تظهر.



وهكذا كل الخدام، لا تريد أن (الأنا) تنال مجدًا، بل يقولون:
"ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز115: 1).
نعم، في مجال التمجيد يقول كل منا: لا أنا، ليس لنا.
وهذا هو التدبير الذي سار عليه القديس يوحنا المعمدان. فكان يرفض كل تمجيد موجه إليه، إلي "الأنا" ويحوله إلي السيد المسيح قائلًا عبارته الخالدة:
"ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقص" (يو 3: 30).
ما أكثر ترديد المعمدان لعبارة لا أنا، أو لست أنا..
أما أنا فمجرد "صديق للعريس، يقف ويسمعه فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس، إذن فرحي هذا قد كمل" (يو3: 29).



وعبارة (لا أنا) نقولها ليس فقط من جهة علاقتنا بالله، بل أيضًا من جهة علاقتنا ببعضنا البعض..
فمن جهة الكرامة، يقول كل منا: لا أنا، عملًا بوصية الرسول: "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12: 10).
ومن جهة الرئاسة يقول أيضًا كل منا لا أنا، عملًا بوصية الرب الذي قال: "من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا" (مت 20: 26، 27).


وفي عبارة "لا أنا" نتبع وصية الرب في المتكأ الأخير.
نترك المتكآت الأولي للكتبة والفريسيين الذين يشتهونها (مت 23: 6). وأن عرضت علينا يقول كل منا: لا أنا. بل أخي أفضل مني وأولي. وهكذا نحيا حياة الاتضاع..




رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
نخلة خضراء تريد ان تكبر ولكن لا و لن تسمح لها بيئتها المحيطة
إذا كنت تريد أن تصل إلى مستوى رائع من التصالح مع الذات
الذات تريد أن تكبر
لانه كما تكثر الام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا
«حمزة»: الإخوان تريد السيطرة على «الدستورية العليا».. وترفع شعار «التكويش»


الساعة الآن 06:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024