رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عاقبة الرب «هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ» (يع5: 11) في هذه الآية الكتابية الجميلة، نجد شيئين رائعين علينا أن نلتفت إليهما، ونتأمل فيهما، هما: أولاً: صبر أيوب في كل العهد القديم، بل في كل التاريخ - باستثناء ربنا يسوع المسيح، رجل الأوجاع، المتألم الأعظم - يقف أيوب كمن كان له الحظ الأوفر من الآلام، والنصيب الأكبر من التجارب. لا أعتقد أن أحدًا آخر تألم نظيره، أو عانى معاناته، أو قاسي محنته. كان أيوب من أعظم رجال عصره وأغناهم، لكن فجأة، وبدون مقدمات، خسر كل ممتلكاته: البقر والأتن والغنم والجمال، إلا أن الخسارة الأصعب هي خسارة أبنائه وبناته - العشرة - المحبوبين جدًا لديه (أي1: 14-19)، ثم خسر صحته: فأُصيب بقرح رديء مِن باطن قدمه وحتى هامته (أي2: 8). تخيل معي - عزيزي القارئ - شخص نظيره في بلواه، لم يكن عنده ولا سفر من أسفار الكتاب المقدس، لم يكن أمامه أمثلة من مؤمنين غيره متألمين ليستفيد من تجربتهم، بل على العكس كان له زوجة تتكلم كلامًا يزيد جراحه، بدلاً من أن تكون مصدرًا لتشجيعه ومواساته «فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!» (أي2: 9)، وأيضًا كان أصحابه يؤلمونه بكلماتهم الموجعة، إذ ظنوا أن أيوب لا بد قد احتضن شرًا كبيرًا استوجب ذلك التأديب الرهيب. لكن كم نندهش من هذا البطل ومن مقدار صبره، فلقد لمع صبره، وظهرت روعة إيمانه في كلمات حلوة قالها مثل: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أي1: 21)، وأيضًا: «أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟» (أي2: 10)، وأيضًا: «لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ» (أي13: 15). ثانيًا: عاقبة الرب هل كان ممكنًا أن تنتهي القصة بالمشهد المؤلم: أيوب جالسًا على الرماد - بعد أن خسر كل شيء - يحكّ بشقفةٍ جسمه المُبتلى بالقروح؟ هل كان ممكنًا أن ينتصر الشيطان، ويزهو سعيدًا بانتصاره؟ كلا على الإطلاق، فكان لا بد أن يتدخل الرب ليُغَيِّر المشهد تمامًا، من البؤس والشقاء إلي السعادة والهناء، كان لا بد أن يُحَوِّل المرارة لترنيمات، ويُبَدِّل الحزن لرقص وأفراح. ما أعجب ربنا المعبود! فإنه مطلق السلطان، وشديد القوة، وكان يراقب جميع الأحداث، سعيدًا فخورًا بأيوب الذي برهن على الملا أنه يتقي الله ويحبه لذاته، لا لأجل خيراته وعطاياه، ثم في التوقيت المناسب، بعد أن أخد الضيق والألم مجراهما، وبعد أن أخرج الشيطان كل ما في جعبته؛ تدخل الرب في المشهد ليعلن أنه بحق يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر (أي42: 2). من سوي إله التعويضات المجيد يستطيع أن يُعَوِِّض هكذا، على مستوى الأشياء والأشخاص، تعويضًا ماديًا، وتعويضًا نفسيًا معنويًا: «وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ ... وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ» (أي42: 12-17). ربما كانت أقصى أمنيات أيوب أن يُشفَى جسده، وتعود إليه صحته ولو عاش فقيرًا، لكن ما أروع عاقبة الرب معه، فلقد فاقت تعويضات الرب كل التوقعات، وتعدَّت كل الأماني والتطلعات، فلقد عادت إليه الصحة الجسمانية، وأصبح له الضِعف من الغنم والإبل والبقر والأتن، وعوَّضه الرب عن بنيه وبناته - العشرة - بسبعة أولاد، وثلاث بنات هن أجمل نساء الأرض. بكل تأكيد كان أيوب في ذلك الوقت مبهورًا فخورًا بإلهه وسيده، وهو يري قدرة يده وعظمة ذراعه. كان أيوب في أولاه غنيًا لكنه صار في آخرته أغنى، كان عظيمًا لكنه صار أعظم، كان معدنه نقيًا ونفيسًا لكنه - بعد التجربة - صار أنقى وألمع. لكن أحلى وأجمل الدروس هو أن أيوب أدرك إلهه بطريقة أعمق، واختبره بصورة أروع، وهذا يتضح من كلماته للرب قائلاً: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ ... بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (أي42: 2-5). عزيزي القارئ: يا من تجتاز ألمًا قاسيًا، أو تختبر ضيقةً مريرةً، أدعوك أن تصبر كما صبر أيوب في يومه، لا صبر اليأس والإفلاس، بل صبر يجدِّد القوة والبأس. ثق أنك قريبًا سترى عاقبة الرب معك، عاقبةً مجيدةً. هو لم يََقُل كلمته بعد، لم يُصدِر أوامره الحاسمة للأمور بعد، انتظر الرب وانتظر خلاصه، وقُلْ مع من قال: «لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ» (تك49: 18). عزيزي أترك معك كلمات الترنيمة الجميلة التي تقول: ناظرٌ لِفَوقُ في عَلْيَا السَّماءِ صابرٌ للهِ عــزِّي وَعَزائـــي مؤمنٌ باللهِ في كلِّ بــــــلاءِ إنَّه في رِفْقَتي غَوْثي ضِيائي وَمُعيني كُلَّ حِينٍ ورجائي ليست التجربة هي التي تمجِّد الله، لكن سلوكي الإيجابي أثناء التجربة هو الذي يمجِّد الله. الله يحفظ قديسيه من التجربة برحمته الساترة، أو يحفظهم في التجربة برحمته المعضِّدة، أو يوجد لهم مخرجًا من التجربة برحمته المخلِّصة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لأن عاقبة الجيل الشرير شاقَّة |
هذه هي دائماً عاقبة الخطيئة |
"عاقبة الرب" |
لان عاقبة الجيل الاثيم هائلة |
عاقبة الكـــذب ... |