رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هوذا الزارع قد خرج غاية الله فينا هو "الخروج exodus"، ينطلق بنا كما مع بني إسرائيل من أرض العبوديّة إلى خيرات أرض الموعد. إنه يشتهي أن يخرج بنا من عبوديّة الخطيّة إلى حرّية مجد أولاد الله. ولما كان الخروج بالنسبة لنا مستحيلًا خرج هو أولًا كما من أمجاده، حتى يخرج بنا نحن أيضًا من طبيعتنا الفاسدة، فنلتقي معه وفيه، متمتّعين بالطبيعة الجديدة التي على صورته. يتحدّث القديس يوحنا الذهبي الفمعن هذا الخروج الإلهي هكذا: [خرج ذاك الذي هو كائن في كل مكان، لكنّه غير محدود بمكان؛ جاءنا في ثوب جسدنا. يتحدّث المسيح بحق عن اقترابه إلينا كخروج. لأننا قد طُردنا خارج الله كمن هم مدينين وثائرين مطرودين من حضرة الملك. لكن ذاك الذي يرغب في مصالحتهم مع الملك يخرج إليهم، ويتحدّث معهم خارج المملكة، ومتى تأهّلوا يحضرهم إلى الحضرة الإلهيّة. هذا هو ما فعله المسيح(558).] كما يقول: [لم يخرج إلى موضع إنّما يُعلن عن حياة وتدبير يخصّان خلاصنا، إذ صار قريبًا لنا بالتحافه جسدنا. فإذ لم نستطع نحن أن ندخل بسبب خطايانا خرج هو إلينا. ولماذا خرج؟ هل لكي يُهلك الأرض التي أنتجت أشواكًا...؟ لا، إنّما خرج ليهتمّ بالأرض ويبذر كلمة الحنو. إذ يدعو تعاليمه هنا بذارًا، ونفوس البشر حقلًا مفلحًا، ويدعو نفسه بالباذر(559).] السيّد المسيح هو الزارع الذي يخرج دومًا ليلقي ببذار حبّه فينا لكي تثمر في قلبنا شجرة حب يشتهي الله أن يقطف ثمارها، قائلًا: "قد دخلتِ جنتي يا أختي العروس، قطفتِ مرِّي مع طيبي، أكلتِ شهدي مع عسلي، شربتِ خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحبّاء" (نش 5: 1). ألقى الله بذاره في الفردوس، لكن أبوينا الأولين قبِلا الزوان عِوض بذار الرب، فخرجا يحملان ثمار المرارة والعصيان. عاد الله وخرج إلى شعبه خلال موسى لينطلق بهم من أرض العبوديّة، مقدّمًا لهم الشريعة كبذارٍ إلهيّة، لكن القلب الذي ارتبط بعبادة الأوثان المصريّة، خاصة عِجل أبيس الذهبي ، رفض البذار الإلهيّة مثمِرًا شجرة تذمُّر مستمر. وفي ملء الزمان خرج كلمة الله بنفسه إلينا متجسّدًا، وحلّ وسطنا، لنتقبّله حالاًّ فينا، فنثمر ثمار روحه القدّوس. وقد تمّ كمال خروجه بانطلاقه خارج أورشليم حاملًا عار الصليب، حتى نخرج نحن أيضًا بالصليب خارج "الأنا"، أي خارج ذواتنا المتعجرفة، فنلتقي به عند صليبه ونتقبّل ينبوع دمه الطاهر بذار حب تعمل فينا؛ الأمر الذي أوضحه الرسول بقوله "لذلك يسوع أيضًا لكي يقدّس الشعب بدم نفسه تألّم خارج الباب؛ فلنخرج إذًا إليه خارج المحلّة، حاملين عاره" (عب 13: 12-13). |
|