إن الحياة الروحية للأنسان المسيحى يصعب فيها النمو إن خلت من فضيلة التأمل ، فالتأمل هو الدخول الى العمق، كما أن التأمل هو ليس مجرد فكر إنما هو خلط الفكر بالقلب ..
إن التفكير العقلى البحت لا ينتج تأملاً... بل قد ينتج علماً أو فلسفة.. وهنا يبدو الفرق بين العالم والعابد أو بين الدارس والمتأمل
وجميع الأباء القديسين بلا أستثناء لم يصلوا الى الدرجات الروحية العالية إلا عن طريق التأمل الروحى ، تابع معى تلك السلسلة من التأملات والتى ستكون معظمها فى سير القديسين
+ عندما أريد ان اتحدث معكم عن الأتضاع يمكننى أن أبدل كلمه الأتضاع بكلمة الملكة آناسيمون السائحة فالأتضاع وهذه القديسة هما وجهان لعملة واحدة
يمكنك أن تقول عنها أنها من عمالقه فضيلة الأتضاع بل يمكن ان تقول عنها بعد أمنا العذراء مريم انها الأولى بين جميع القديسين فى هذه الفضيلة ولم يبلغ اى من القديسين فى الأتضاع ما بلغته هذه العملاقة ... لماذا ؟؟ أقراء معى تلك الرسالة وانت تعرف والتى سأخذ منها مقتطفات قليلة من حياتها لكى لا اطيل عليك ولكن ان قرات هذه القصة كاملة ستسفيد منها أكثر .
القصة الفعلية :
نشأتها
القديسة أناسيمون كانت ابنة ملك الروم وحيدة وتقية، قرأَت كثيرًا عن سير الآباء فأحبت الحياة النسكية، وكانت تسلك بروح إنجيلي تقوي وهي في القصر. وإذ توفى والدها أقيمت ملكة بغير رضاها، إذ كانت تود الحياة الرهبانية.
خروجها إلى البرية
مرّ عام على تجليسها ملكة خلاله قدمت الكثير للفقراء والمحتاجين وحررت الكثير من العبيد، وأخيرًا قررت أن تترك كل شيء وتتفرغ للعبادة. كتبت رسالة للأب البطريرك تركتها في حجرتها، وخلعت ملابسها لترتدي ثوبًا بسيطًا، وخرجت عارية القدمين تتسلل من القصر في منتصف الليل لتنطلق خارج المدينة، وتسير في البرية.
التأمل :
هل قرات هذه السطور جيدا ؟؟
انها ملكة .. هل تقدر قيمة هذه الكلمة ؟؟
كانت هى الوحيدة الآمرة والناهية فى كل المملكة وكان لها كامل الحرية والأرادة لكى تتعبد للرب كما تشاء او تبنى لنفسها دير إن احبت .
انا لا اعلم كيف يمكن لملكة ان ترتدى ثوبا بسيطا وتخرج للصحراء المجردة من اى نوع للحياه عارية القدمين وتحيا بلا اى قنية معها من هذا العالم ... ولكنى أعلم جيدا ان محبة الله الحقيقية النابعة من القلب الطاهر قادرة على فعل اى شئ مهما كان مستحيل حدوثه فى نظر البعض .
القصة الفعلية :
وهى فى البرية التف حولها عدد من الأسود كانوا يلاطفونها وتلاطفهم، وشعرت كأنها قد صارت ملكة على الوحوش. لكنها اشتاقت أن تتجرد حتى من تكريم الوحوش لها، فوضعت في قلبها أن تعيش في الصف الأخير تخدم الكل دون طلب كرامة، فسارت إلى مصر حتى اقتربت من أحد أديرة النساء يدعى دير (( الأنبا أرميوس للراهبات )) ، وتظاهرت بالجنون، ولما أمسكتها الراهبات خشية أن تتعرض لأذى تظاهرت بالارتياح إليهن، وسألتهن أن تخدمهن وتقوم بتنظيف دورات المياه، وكانت تبدو كمن هي "هبيلة" ولا تنام إلا على المزبلة.
التأمل :
هل يمكن لأنسان ان يجرح كرامته إلى هذا الحد بل يحطمها تماما ؟؟ هل يمكن لأحد ان يهرب حتى من كرامة الحيوانات له ؟؟
أننا هنا ونحن أشخاص عاديين لسنا ملوكنا او سلاطين لا نقبل أى إساءه او تقليل من كرامتنا شبر واحد بل على العكس نحن دائما فى سعى لكسب الكرامة من الأخرين واشباع شعورنا بأننا مطلوبون دائما ومهمين عند الكل . نحن دائما فى سعى لآشباع كبريائنا .
نحن بالفعل مساكين . لأننا لسنا لنا كرامة عظيمة على الأرض ولكننا نسعى دائما ورائها والحصول عليها ومن لهم هذه الكرامة يهربون منها لكى تحل عليهم كرامه مسيحهم .
القصة الفعلية :
ظلت على هذه الحياه سنين وهى تحيا كهبيلة وسط الراهبات ولكن الله أعلم أمرها للأنبا دانيال قمص شيهيت (وهو نفسه الأنبا دانيال الذى كان في قصة القديسة أنسطاسيا الشماسة) وبعد ان كشف أمرها العظيم على الراهبات . لم تحتمل ملكتنا ما سيأتى عليها من كرامة ومجد باطل فقررت ترك الدير والهروب للحياه فى الصحراء مرة أخرى ولكنها تركت لهم رساله جاء فيها : "أنا الشقية، لشقاوتي ومعاندة العدو لي أخرجني من بينكن، وأبعدني عن وجوهكن المملؤة حياة. إهانتكن لي كانت ربحًا لنفسي، وضجركن علىّ كان ثمرة تجمع كل يوم. استقلالكن عني كان فائدة ورأسمال يزداد كل يوم وساعة. مباركة هي تلك الساعة التي قيل لي فيها يا هبيلة، يا مجنونة. وأنتن مسامحات من جهتي بريئات من الخطية، وإني قدامكن وقدام المنبر سوف أجيب عنكن لأجلي، ليس فيكن مستهزئة، ولا من هي محبة للحنجرة، ولا للملبس، ولا للشهرة، بل كلكن نقيات". وخرج البعض يبحث عنها خارج الدير لكنها اختفت تمامًا .
ولكن من محبة الله لنا اعلمنا عن امرها مرة أخرى بعد مرور سنين كثيرة على خروجها من الدير عن طريق كاهن بار قد حضر قداس مع مجموعة كبيرة من الأباء السواح وبعد انتهاء القداس ، رأى الكاهن شخصًا كبيرًا في السن يقف عند باب الهيكل يسنده شخصان، واحد عن اليمين والآخر عن اليسار، وإذ سأل عنه الكاهن قيل له: "إنها عذراء هي القديسة الطاهرة الملكة أناسيمون بنت ملك الروم وهى أكبر جماعة السواح سنا وليس أعظم منها ولا أرفع مرتبة منها وهى الرئيسة على جماعة السواح البالغ عددهم أربعمائة سائح"
التأمل :
تأمل من فضلك ما قيل عنها "إنها عذراء هي القديسة الطاهرة الملكة أناسيمون بنت ملك الروم وهى أكبر جماعة السواح سنا وليس أعظم منها ولا أرفع مرتبة منها وهى الرئيسة على جماعة السواح البالغ عددهم أربعمائة سائح"
إذا كانت هذه هى المكانة التى وصلت لها عندما كانت على الأرض فإنى أتسائل حقا فى أى مكانة هى الأن فى السماء ؟؟ لقد أخبرنا الله عندما تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين فمن هو اعظم في ملكوت السماوات ( مت 18 : 1 ) قال لهم من يضع نفسه فهو الأعظم ، أى المتواضع هو الأعظم فى ملكوت الله .
فإذا كان هذا هو حال المتواضعون فما بالك بمكانة العملاقة الأولى فى التواضع !!!
+ اننى اخجل من نفسى يا سيدى حينما أقرأ عن هؤلاء القديسين الذين تركوا ممالك العالم بل تفوقوا وبرعوا فى اقتناء الفضائل لكى يصلوا اليك وانا مازلت مستسلم لشهواتى وخطاياى حتى الأن ولست قادر على ترك خطية واحدة فى حين أن غيرى يترك مملكة كاملة
متى يا سيدى سأفيق من غفلتى وبعد أن أفيق متى سأجاهد ضد شهواتى وبعد أن أجاهد متى سأبدأ فى اقتناء الفضائل لكى أحيا حياة القداسة التى امرتنى بها
أنه لطريق طويل محتاج أن أسير فية ولكنى أثق لو أنت معي فية سأصلة سريعا بنعمتك ولن أنسى وعدك لي حينما قلت:
(( + ارجعوا الان ايها الخطاة و اصنعوا امام الله برا واثقين بانه يصنع اليكم رحمة ( طوبيا 13 : 8 ) ))
بركه القديسه تكون معنا امين
