رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أعمى أريحا يُعلِّمنا كيف نُصلِّي
النص الإنجيلي (مرقس 10: 46-52) 46 ووصَلوا إِلى أَريحا. وبَينَما هو خارِجٌ مِن أَريحا، ومعَه تلاميذُه وجَمْعٌ كثير، كانَ ابنُ طيماوُس (بَرطيماوُس)، وهو شَحَّاذٌ أَعْمى، جالِساً على جانِبِ الطَّريق. 47 فلمَّا سَمِعَ بِأَنَّهُ يسوعُ النَّاصِريّ، أَخذَ يَصيح: ((رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع!)) 48 فَانَتهَرَه أُناسٌ كثيرونَ لِيَسكُت، فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح: ((رُحْماكَ، يا ابنَ داود!)). 49 فوَقفَ يسوعُ وقال: ((اُدْعوهُ)). فدَعَوا الأَعمى قالوا له: ((تَشَدَّدْ وقُم فإِنَّه يَدْعوك)). 50 فَأَلقى عنهُ رِداءَه ووَثَبَ وجاءَ إِلى يسوع. 51 فقالَ له يسوع: ((ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟)) قال له الأَعمى: ((رابُوني، أَن أُبصِر)). 52 فقالَ له يسوع: ((اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ)). فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه في الطَّريق. مقدمة يصف مرقس البشير آخر شفاء في إنجيله الطاهر، وهو شفاء بَرطيماوُس، اعمى أريحا الذي أجراه يسوع قبل وصوله إلى أورشليم، فكان شفاؤه من ناحية، دليل أنَّ يسوع هو المسيح المنتظر الذي تنبأ عنه الأنبياء (أشعيا 29: 18)، ومن ناحية أخرى، اعمى أريحا هو أول شخص شُفي وقرَّر أن يتبع يسوع، فهو نموذج التلميذ الحقيقي بعكس الكثيرين الذين شفوا ولم يتبعوا يسوع. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولاً: تحليل وقائع نص إنجيل مرقس (10: 46-52) 46 ووصَلوا إلى أَريحا. وبَينَما هو خارِجٌ مِن أَريحا، ومعَه تلاميذُه وجَمْعٌ كثير، كانَ ابنُ طيماوُس (بَرطيماوُس)، وهو شَحَّاذٌ أَعْمى، جالِساً على جانِبِ الطَّريق عبارة "أَريحا" في الأصلاليونانيἸεριχώ مشتقة من اللغة العبرية ירִיחוֹ (معناها مدينة القمر أو مكان الروائح العطرية)، بسبب اشتهار أريحا منذ العصور القديمة بزراعة شجر النخيل (تثنية الاشتراع 34: 1-3 13)، والموز والبرتقال والورد (سيراخ 24: 14) وأشجار الجميز (لوقا 9: 14) والبلسم وكثير من أشجار الفاكهة. وهيالواحة الرائعة والغنيّة وسط الصّحراء وباب الدخول إلى اورشليم، مدينة الآلام والقيامة. ويُعلق القديس ايرونيموس" أن اسم المدينة ملائم للموقف، حيث كان السيد منطلقًا إلى أورشليم ليحتمل الآلام والحرمان بالجسد لأجل خلاصنا". وتقع أريحا على مسافة 8كم غربي نهر الأردن وتبعد 27 كم شمال شرقي أورشليم، وعلى عمق 260 متر تحت سطح البحر فيما ترتفع القدس 800 متر فوق سطح البحر. لذلك يذكر الإنجيل الانحدار إلى أريحا والصعود إلى اورشليم. ومن هناك ستنطلق البشرى السارة إلى جميع أنحاء العالم. وأريحا أيام المسيح تقع اليوم في تلول أبو العلائق على مسافة 1.6 كم غربي أريحا الحديثة، وهي بقايا الحي الراقي الغني شبيهة بالمنزل الذي كان يملكه زكا (لوقا 19: 1-9). وقد أعطيت أريحا القديمة ضمن نصيب بنيامين وكانت على الحدود بين بنيامين وإفرايم (يشوع 16: 1)؛ كانت أريحا هيرودس (أريحا أيام المسيح) مدينة مزدهرة يقيم فيها الناس، إذ كانت مدينة حدودية لها مركز الجمارك (لوقا 19 :1-5). وقد بنى هيرودس الكبير قلعة "كِبرس" بالقرب منها ومات هناك. وفي زمن العهد الجديد كانت فرقة من الكهنة تسكن أريحا. ولا بد أنهم كثيراً ما كانوا يسافرون في الطريق الموصل من أورشليم إلى أريحا كما ذكر في مثل السامري الرحيم (لوقا 10: 30-31) وقد زار المسيح بيت زكا جابي الضرائب في أريحا وقد تاب زكا ورجع إلى الرب (لوقا 19: 1-10). أمَّا عبارة "خارِجٌ مِن أَريحا" فتشير إلى موقع المعجزة التي تمت خارج أريحا، وليس في داخلها (متى 20: 29)، وربما يرجع ذلك إلى اللعنة التي تلفّظ بها يشوع ضد أريحا "مَلْعونٌ لَدى الرَّبِّ الرَّجُلُ الَّذي ينَهَضُ وَيبْني هذه المَدينةَ أَريحا" (يشوع 6: 26). واتفق مرقس مع متى على تعيين وقت المعجزة وهو انه وقت خروج يسوع وتلاميذه من أريحا في رحلته الأخيرة ليُصلب. وأمَّا في إنجيل لوقا فشفى يسوع الأعمى قبل قليل من وصوله إلى مدينة أريحا (لوقا 18: 35). "لمّا اقترب الرّب يسوع من أريحا (لوقا 18: 35). ومن الأرجح أن لوقا يريد أن يضع هذه المعجزة بعد توبة زكا (لوقا 19: 1-10) وبعد مَثل الرجل الشريف النسب الذي ذهب للحصول على الملك (لوقا 10: 11-27). أراد لوقا الإنجيلي أن يصف يسوع شبيها بالملوك الذين يغدقون العطايا عند دخولهم إلى المدينة التي يزورنها. يتحدّث يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي من القرن الأوّل ميلادي عن مدينتين باسم أريحا. أريحا الجديدة وأريحا القديمة، وهما متجاورتان، وبينهما ميل واحد. ويكون يسوع في هذه الحالة خارجًا من واحدة مقتربًا من الأخرى والشفاء حصل في وسط الطريق. أمَّا عبارة "جَمْعٌ كثير" فتشير إلى اهتمام يسوع بالجميع ولا سيما المرضى والخطأة، انه توقف للتكلم الأعمى، وفتح عينيه في حين أن الذين تبعوه ظلوا عُميانا وقساة القلوب. لكن هذا الجمع الغفير سوف يكون شاهدًا لاعتراف الأعمى، ولِمَا سوف يحدث له. أمَّا عبارة "بَرطيماوُس" فتشير إلى اسم يوناني Βαρτιμαῖος ، وهو مشتق عن اللغة الآرامية בַּרְטִימַי ومعناه " ابن طيماوس؛ وهو اسم مركّب من الكلمة الآرامية "بار" التي تعني "إبن، والكلمة اليونانيّة "طيماوُس" التي تعني "محترم. وكثر استعمال لفظة " בַּרְ" (أي الابن) عند اليهود في تسمية الناس مثل برتلماوس وبرأبَّا وبرنابا. ويعلق القديس أوغسطينوس بقوله: "إن ذكر مرقس الإنجيلي ليس فقط لاسم الأعمى بَرطيماوُس، بل وكذلك لاسم أبيه، طيماوس، يدل على انه انزلق وتدحرج من حالة الثروة والجاه، إلى حالة من الذل والهوان وفقدان الكرامة وزوال الإرث الطيب، فهو لم يصبح أعمى فقط، بل صار شحاذا، لذلك صار يبحث عمن ينقذه من هذا الظلال ". وبَرطيماوُسهو الشخص الوحيد الذي نعرف اسمه تماما من بين العميان الذين شفاهم يسوع كما نعرف أسماء تلاميذ يسوع الاثني عشر. وربما يعود سبب ذلك أنه كان قد أصبح تلميذًا مشهورًا بين تلاميذ المسيح. ويُعلق العالم اللاهوتي أوليغ مولينكو "أن إنجيل مرقس ذكر اسم الأعمى "بَرطيماوُس" لأنه هو من هؤلاء الناس الذين نالوا الخلاص بالتأكيد وخدموا الكنيسة في حياتهم على عكس أولئك الذين لم يكشف الإنجيليون عن أسمائهم على سبيل المثال، المقعد الذي شفاه الرب عند بركة قرب باب الغنم في اورشليم (يوحنا 5: 1-15). أمَّا لوقا الإنجيلي تحدت عن اعمى لا اسم له (لوقا 18: 35)؛ وأمَّا متى الإنجيلي فيروي وجود "أَعميَانِ جالِسانِ على جانِبِ الطَّريق" (متى 20: 30)، ليكونا شاهدين على عمل يسوع، وهما رمز التلاميذ الذين لا يزالون عُمياناً لم يفهموا إعلان يسوع عن آلامه وموته وقيامته (لوقا 18: 31-34)، ويسوع وحده قادرُ على فتح عيونهم. أمَّا عبارة "شَحَّاذٌ أَعْمى، جالِساً على جانِبِ الطَّريق " فتشير إلى رجل فقير، شخص يعيش على هامش المجتمع، لا كرامة له، محروم من القدرات الأساسيّة البصر والعمل، ويستعطي عابري السبيل؛ وهذا أمر عادي في معظم المدن، حيث أنَّ غالبية الحِرف في تلك الأيام كانت تستلزم مجهوداً جسمانيا، فكان كل من يعاني من عاهة أو عجز يضطر أن يستعطي، ولذلك أوصت الشريعة بالعناية بمثل هؤلاء المساكين (أحبار 25: 35-38). ويذكر متى الإنجيلي في هذه الحادثة أعميين ولم يسمِّ أحدا منهما، واقتصر مرقس لإنجيلي على ذكر أحدهما؛ والأرجح أن سبب ذلك انه أشهر من ذاك. وذكره الواحد لا ينفي الآخر ولا تناقض بين خبري الإنجيلين. أمَّا عبارة "اعمى" فتشير إلى العمى الذي كان يُعد لعنة من الله لأجل خطيئة، حيث اعتقد اليهود أن العاهات سببها الخطيئة، وان نتائج الخطيئة تنتقل من الوالدين إلى البنين، كما جاء في الشريعة "أُعاقِبُ إِثمَ الآباءِ في البَنين، إلى الجِيلِ الثَّالِثِ والَرَّابِعِ"(خروج 20: 5). لكن يسوع دحض هذه الفكرة عندما قُدَّم إليه أعمى منذ مولده إذ قال لتلاميذه: " لا هذا خَطِئَ ولا والِداه، ولكِن كانَ ذلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله" (يوحنا 9: 3). تصف هذه الآية كيف كان هذا الأعمى، يعاني الكثير: مشاكل صحية (أعمى) ، ومن مشاكل اقتصادية (شحاذ) واجتماعية إذ أصبح يعيش على هامش الحياة (جالِسًا على جانِبِ الطَّريقِ) لا أحد يسأل عنه، لا أحد يأخذ برأيه. 47 فلمَّا سَمِعَ بِأَنَّهُ يسوعُ النَّاصِريّ، أَخذَ يَصيح: ((رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع! تشير عبارة "يسوعُ النَّاصِريّ" في الأصل اليوناني Ἰησοῦς ὁ Ναζαρηνός (مشتقة من اللغة الآرامية יֵשׁוּעַ הַנָּצְרִי) إلى ذاك الإنسان الآتي من الناصرة في الجليل. وهو اللقب العادي الذي عُرَّف به يسوع من قِبل مواطنيه، الذين عاصروه وعاشوا معه (يوحنا 19: 19، أعمال 2: 22). أنه نبي الناصرة المعروف. وهكذا سمع برطيماوس عنه، ودعاه بطرس (أعمال الرسل 2: 22) وبولس (أعمال 26، وهكذا كُتب على الصليب (يوحنا 19: 19). وأغلب الظن أن هذا اللقب الذي لُقب به المسيح في إنجيل متى (2: 23) يشير إلى النبوة التي يُسمى فيها المسيح قضيب أو فرع كما جاء في العبري נֵצֶר "يَخرُجُ غُصنٌ مِن جذعِ يَسَّى وَينْمي فَرعٌ مِن أُصولِه"(أشعيا 11: 1). ويستخدم لوقا هذا اللقب ثمانية مرات في سفر أعمال الرسل. ذكر متى " يسوع" مرة واحدة فقط (متى 20: 30). أمَّا عبارة " ابنَ داود “فتشير إلى إعلان الأعمى لأول مرة على الناس هوية يسوع بصفته "ابن داود" أي المسيح المنتظر الموعود به بدلا من لقب " يسوع الناصري " الذي سمعه من الجمهور. ابن داود هو اسم مسيحاني هو أول اعتراف علني بالمسيح، بعد اعتراف القديس بطرس الخاص (مرقس 8: 29). يبدو أن هذا الأعمى يهودي، وهو سمع عن المسّيح أنّه سيكون ابن داود حسب النبوءات حيث أنَّ لقب "ابن داود" هو اللقب الشعبي الخاص بالمسيح (متى 15: 22) ، اسم المسيح المنتظر، كما ترقّبه الشعب المختار على ما جاء في وَعْدِ الداود ( 2 صموئيل 7:1 – 17) من ناحية، ومن ناحية أخرى يشير أيضا إلى لقب ملوكي (لوقا 1: 32)؛ وكان الرسل يتوقّعون من المسيح أن "يعيد الملك إلى إسرائيل" (أعمال الرسل 1: 6)؛ إذ كان معروفا أن المسيح سيأتي من نسل داود الملك كما جاء في نبوءة أشعيا "ودُعِيَ أسمُه عَجيباً مُشيراً إِلهاً جَبَّاراً، أَبا الأَبَد، رَئيسَ السَّلام لِنُمُوِّ الرِّئاسة ولسَلام لا انقضاء لَه على عَرًشِ داوُدَ ومَملَكَتِه" (أشعيا 9: 5-6). وفي هذا الصدد يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية "عدد كبير من اليهود وحتى بعض الوثنيين الذين كانوا يشاركونهم في الرجاء، هؤلاء جميعا راوا في يسوع العلامات الأساسية "لابن داود" المسيحاني الذي وعد الله به إسرائيل "(بند 439). ولما شاهد الجمع يسوع يصعد إلى أورشليم، اعتقدوا انه ذاهب ليستلم مقاليد السلطة. وهذا ما سيهتف به الجمهور في دخول يسوع إلى أورشليم بانتصار" هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ؛ تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!" (مرقس 11: 10). هتف أهالي اورشليم به ابن داود، الذي يحمل الخلاص ("هوشعنا" أي "امنح الخلاص!"). ومن هذا المنطلق، نستنتج إن برطيماوس عندما نادى يسوع " يا ابن داود" أدرك أن يسوع هو المسيح. وإيمانه بيسوع أنّه المسيح جلب له الشفاء. لما تمَّ الزمان، دعي المسيح "ابن داود" (متى 1 :1). ولكن هذه التسمية لم تعبّر تعبيراً كاملاً عن سر شخصه. ولذلك فيما أن يسوع يأتي ليتمم الوعود التي بذلت لداود، فهو يعلن أنه أعظم من داود، إنه رب داود (متى 22: 42-45). فيسوع ليس " داود العبد " وراعي شعب الله فحسب (حزقيال 34: 23-24)، إنما هو أيضا الله نفسه جاء ليرعى شعبه ويخلّصهم (حزقيال 34: 15-16)، يسوع هذا هو من "نسل سلالة داود"، الذي ينتظره الروح والعروس ويستعدان لمجيئه الثاني (رؤيا 22: 16-17). الأعمى وحده رأى يسوع على حقيقته. كلهم عرفوه بعيونهم انه يسوع الناصري، أما هو فعرفه بقلبه انه "ابن داود". أما عبارة " أَخذَ يَصيح " فتشير إلى الثقة والانتظار الأكيد. وهو الشخص الوحيد الذي ورد في إنجيل مرقس وهو يتضرع إلى يسوع بصورة صراخ مناديا إياه وهذا دليل على الثقة والانتظار الأكيد. أمَّا عبارة "رُحْماكَ" فتشير إلى شهادة الأعمى لمجد يسوع ليصنع عملا لا يقوم به غير الله وحده. وهذه الصلاة هي صدى لكتاب المزامير حيث يصلّي البائس طالبًا إلى الله أن ينجّيه من حالته،" الرَّبُّ نوري وخَلاصي... إِستَمع يا رَبِّ، إِنِّي أَصْرُخُ صُراخًا فاَرحَمْني واْستَجِبْ لي" (مزمور 27: 1-7). تعبر هذه الصرخة عن أن المسيح هو الذي يحمل إلى العالم رحمة الله، أي رحمة الشفاء من الخطيئة وظلمات الحياة والضياع، ومن ظلمات الحرمان والأنانية والظلم والعداوة، ومن ظلمات الحقد والبغض والأطماع والنزاعات والحروب. أما عبارة "يا ابنَ داود، يا يَسوع! " فتشير إلى إيمان الأعمى بيسوع أنه المسيح المنتظر، الموعود به. إنه ابن داود الذي تترقبه الأجيال حسب النبوات، " أَقسَمَ الرَّبُّ لِداوُد وهي حَقيقةٌ لَن يَرتَدَّ عَنها أبدًا: ((مِن ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجلِسُ على العَرْشِ الَّذي لَكَ" (مزمور 132: 11)؛ إنه هتاف مسيحاني، في حين أن مجموعة من العميان لبثوا على قارعة الطريق وما تحركوا، بل انغلقوا على نفوسهم رافضين تعليم الإنجيل. أن هذه الصرخة تُمهِّد لتوبة زكا العشار أمام رحمة يسوع كما ورد في بشارة لوقا البشير (لوقا 19: 1-10). وما نادى به الأعمى، ستنادي به الجموع ساعة دخول يسوع إلى اورشليم (متى 21: 9). أماَّ عبارة " يَسوع" الصيغة العربية للاسم العبري יֵשׁוּעַ ومعناه الله مخلص فتشير إلى اسمه الشخصي حيث سُمِّي يسوع حسب قول الملاك ليوسف (متى 1: 21)، ومريم (لوقا 1: 31). ووردت لفظة يسوع على الأكثر في الأناجيل. ونادر هي الشخصيات مثل أعمى أريحا التي تخاطب يسوع مستعملة اسمه، كما ناداه اللص اليمين "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ" (لوقا 23: 40). 48 فَانَتهَرَه أُناسٌ كثيرونَ لِيَسكُت، فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح: ((رُحْماكَ، يا ابنَ داود!)) تشير عبارة "انَتهَرَه" في الأصلاليوناني ἐπετίμων (معناه زَجَرَهُ بعُنف وأغضبه، أَساءَ إِلَيْهِ) إلى فعل هام ورد تسع مرات في إنجيل مرقس. فقد انتهر يسوع الشياطين لأنهم كانوا سيكشفون من هو (مرقس 3: 12) أما هنا في أريحا لم يعد "ينتهر" بل الشعب والجمع هم الذين ينتهرون الأعمى الذي أراد أن يلتقي بيسوع. أمَّا عبارة "أُناسٌ كثيرونَ لِيَسكُت" فتشير إلى الجموع التي تحيط بالمسيح وتزحمه جسديًا وهم الذين اسكتوا الأعمى كي لا يؤخِّر يسوع الصاعد إلى اورشليم، أو أن الناس في أريحا يعتبرونه خاطئا لعماه، وقدَّروا انه لا ينبغي ليسوع المسيح أن يتصل به كونه خاطئ. لم يرد الأعمى أن ينصت لأحدهم. إنّه يريد أن يخرج من عالمه المظلم. كلنا مثل هؤلاء الناس الكثيرين لا نريد أن نرى ولا إن نسمع صوت مَن هم على الهامش بأيّ وجه ولأيّ سبب مقلق ومزعج لأنّه يذكّرنا بواقع البشريّة المظلم والمؤلم. ويعلق البابا فرنسيس "كم من مرّة عندما نرى العديد من الأشخاص في الطّريق – أشخاص معوزون ومرضى ليس لديهم شيئًا يأكلوه – نشعر بالانزعاج. كم من مرّة عندما نجد أنفسنا أمام العديد من اللّاجئين والمهاجرين، نشعر بالانزعاج. إنّها تجربة نتعرّض لها جميعًا، حتى أنا! وهذا هو تهجُّم الجّمع الذي أسكت الأعمى عندما كان يصرخ: “إذهب من هنا، لا تتكلّم ولا تصرخ" (عظة 16/5/2016). أمَّا عبارة "فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح" فتشير إلى صراخ الشحَّاذ الأعمى إلى إلحاحه الذي يدل على حاجة عميقة تتميز بالتصميم؛ بالرغم من حاجز الجماهير المحيطة بيسوع. وهذا الصراخ هو أول تعبير عن الإيمان. وضع هذا الشحاذ الأعمى رجاءه في المسيح فصرخ بلا خجل ليجذب انتباه يسوع. لذا على المرء أن يصرخ أكثر وأكثر. هذه تعلمنا اللجاجة في الصلاة بإيمان. يُعلق القديس كيرلس الكبير:"لتفهموا من هذا يا أحبائي أن الإيمان يدخل بنا إلى حضرة المسيح، ويقدمنا إلى الله (الآب) فنُحسب مستحقين لكلماته". مهما كانت حالتنا ميؤوس منها، يمكننا أن ندعو يسوع بإيمان وهو يعيننا. أما عبارة "رُحْماكَ، يا ابنَ داود!" فتشير إلى صرخة مكررة تشكل صلاة تدل على اعتراف إيمان وطلب خلاص. يعترف الأعمى بيسوع مسيحا قادرا أن ينحني برحمته على ضعفه واحتياجاته. وستهتف الجموع مثله خلال دخول يسوع إلى اورشليم "كانَ الَّذينَ يَتَقَدَّمونَه والَّذينَ يَتبَعونَه يَهتِفون: ((هُوشَعْنا! تَبارَكَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ؛ تَبارَكَتِ المَملَكَةُ الآتِيَة، مَملَكةُ أَبينا داود! هوشَعْنا في العُلى!" (مرقس 11: 9-10). 49 فوَقفَ يسوعُ وقال: ((اُدْعوهُ)). فدَعَوا الأعمى قالوا له: ((تَشَدَّدْ وقُم فإِنَّه يَدْعوك)). تشير عبارة "وَقفَ يسوعُ" إلى توقف يسوع الأول خلال صعوده إلى اورشليم أمام صرخة الأعمى الملحَّة بلقب " ابن داود" اللقب الملوكي الذي رفضه آنفا (متى 9: 30)، لكن قبله الآن تحقيقا لنبوءات العهد القديم وإرادة الآب الذي أراد لابنه أن يولد من نسل داود. وإنه جاء يسوع ليخدم ويشفي لا ليعيش خارج الزمن بل يتوقف عند آلام الآخرين كما صرّح: " هكذا ابنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس" (متى 20: 28). وهكذا تحقق اللقاء بين يسوع والأعمى. أمَّا عبارة " اُدْعوهُ" في الأصل اليوناني Φωνήσατε αὐτόν (معناها نادوه) فتشير إلى المناداة وليس دعوة لإتِّباعه حيث يستخدم يسوع فعل آخر وهو καλέω (معناه يدعو كعلامة الاختيار) كما ورد في دعوة سمعان بطرس واخاه اندراوس "دَعاهُما لِوَقتِه فتَركا أَباهُما زَبَدى في السَّفينَةِ معَ الأُجَراءِ وتَبِعاه" (مرقس 1: 20). أما عبارة "فدَعَوا الأعمى" فتشير إلى هؤلاء الذين يحيطون بيسوع وقد أصبحوا وسطاء لدعوة الأعمى بعد أن كانوا في البداية عائقا يحول دون وصول صرخته. فانقلب الجمع ومعه التلاميذ، وبدّلوا موقفهم من انتهار الأعمى إلى تشجيعه عندما رأوا المسيح سال عنه وأمر بان يُنادى وانتهر منتهريه، وهكذا تحولت القوى المقامة إلى قوى عاملة. أمَّا عبارة "تَشَدَّدْ وقُم فإِنَّه يَدْعوك" فتشير إلى بحث يسوع عن الأعمى بعد أن كان الأعمى يبحث عن يسوع، وانفرد مرقس بين الأناجيل الإزائية في ذكر كلام الذين نادوا الأعمى. ويُعلق القديس يوحنا سابا " في هذه الدعوة تنعم الجسد والنفس معًا في الرب بالمحبة والفرح". وفعل "قُم" يدلّ على القيامة، لا على الوقوف فقط. يُقدّم يسوع إلى الأعمى لكي يترك حالة الموت التي كان فيها. 50 فَأَلقى عنهُ رِداءَه ووَثَبَ وجاءَ إلى يسوع تشير عبارة "فَأَلقى عنهُ رِداءَه" إلى الأعمى الذي تخلَّى عن ردائه، وما في ردائه من مال، لئلا يُعيقه شيء عن سرعة ذهابه إلى يسوع ابتهاجا برجائه في الشفاء مثلما ترك الرسل الأولون شباكهم (مرقس 1: 18) ومثل المرأة السامرية التي تركت جَرّتها عند البئر (يوحنا 4: 28)؛ ورداء الشحّاذ هو كلّ ما يملك هذا الأعمى الفقير (خروج 22:25 – 26). وجاء إلى يسوع مُتحرِّراً من كل ما يملك الذي يمنع لقاءه معه، ويُعلق القديس ايرونيموس "أنتم أيضًا تستردُّون بصيرتكم إن صرختم إليه وطرحتم رداءكم القذر عنكم عند دعوته لكم"؛ وهذا يُظهر الاستعداد التام أمام يسوع. ألقى بردائه (الإنسان العتيق) لأنّه أحسّ بأنّه يُعطّله"، وتعلق القديسة تريزا الأفيليّة "الفقر هو خير يحمل في داخله جميع خيرات العالم ويعطينا سلطة كبيرة ويجعلنا أسيادًا لجميع الخيرات الأرضيّة منذ اللحظة التي يجعلنا نحتقرها" (كتابها: طريق الكمال). أمَّا عبارة " رِداءَه" فتشير إلى قطعة مربعة أو مستطيلة من القماش التي يبلغ طولها 1.80 م تلف حول الجسد، وإذا مسّت الحاجة تطرح فوق المنكب أو تحت الإبط. أما في الليل فكانت تستعمل نظير غطاء. كان الرداء في العهد القديم يدل على الغنى الوحيد التي من خلاله كان الفقير يدافع عن حياته. (تثنية الاشتراع 24: 12-13). وهذا الحدث يذكرنا بفلس الأرملة "التي أَلْقَت جَميعَ ما تَملِك، كُلَّ رِزقِه " (مرقس 12: 44). أما عبارة "وَثَبَ " في الأصل اليوناني ἀναπηδήσας (معناه قفز) فتشير إلى نهوضه وقيامه دلالة على تحرَّره، وتعبيرا عن الجواب السريع الذي يشبه جواب التلاميذ الأوائل الذين تبعوا يسوع حالا (مرقس 1: 20) لكيلا تضيع منه فرصة ذهبيّة. والجدير بالذكر هو أنّ الفعلين، "القى " و"وثب"، خاصّان بمرقس الإنجيلي ويريد مرقس أن يبيّن كيف ترك الأعمى كلّ ما يربطه بحالته السابقة؛ أمَّا عبارة " جاءَ إلى يسوع" فتشير إلى بحثه عن يسوع بكل ثقة، وهمَّه الوحيد أن يلتقي به وجها الوجه، وان يستعطي منه ما يشاء. 51 فقالَ له يسوع: ((ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟)) قال له الأعمى: ((رابُوني، أَن أُبصِر)). تشير عبارة "ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟" إلى سؤال يسوع الذي له غرض مزدوج: حتى يوضّح الأعمى حاجته وما يدور في قلبه وما هي رغبته العميقة، تأكيدا للجموع أن الأعمى لم يكن يسال صدقة فقط بل ليعطي يسوع فرصة للأعمى كي يُعلن إيمانه أمام الجميع، وأنه يعطي من يسألونه. وقد سبق أن طرح يسوع على يعقوب ويوحنا السؤال بعينه "ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لكما؟ " (مرقس 10: 36) علما أنّ إرادة الربّ هي التي تقرّر صنع الأعجوبة. ألم يقل يسوع للأبرص: " قد شِئتُ فَابرَأ" (مرقس 1: 41). يعرف الرّب ماذا نريد ولا حاجة له أن يسأل، إلّا أنّه يريدنا أن نقبل خلاصه بملء حريّتنا ونعلن إيماننا فنشفى ويشفى من يسمعنا. ويعلق البابا فرنسيس "يقف ابن الله الآن كخادم متواضع أمام الأعمى. هو يسوع، الله، يقول ماذا تُريدُ أَن أَصنعَ لَكَ؟ كيف تريدني أن أخدمك؟ يجعل الله من نفسه خادمًا للإنسان الخاطئ" (عظة 16/5/2016). أمَّا عبارة "رابُوني" רַבּוּנִי (معناه "راب كبير" أي "سيدي") فتشير إلى لقب توقير والإكرام والاقتراب الحميم من يسوع بل هو أشرف الألقاب الثلاثة أي رب، وربي، وربوني (يوحنا 20: 16). وكانوا ينادون به معلمي الشريعة وشخصيات أخرى أيضا (مرقس 9: 5). إنّها علاقة التلميذ بالمعلّم، ولقد ترجم متى ولوقا هذه الكلمة بلفظة "الرب". في حين ترجمها يوحنا البشير بلفظة "معلم" (يوحنا 1: 38). وهذا التعبير نجده مرتين فقط في الأناجيل الأربعة: في هذا المقطع وعندما نطقت به مريم المجدلية (يوحنا 20: 16). وهذا اللّقب الذي منذ البدء، تعطيه الكنيسة ليسوع القائم من الموت. وفي أواخر القرن الأول، فقدت هذه الكلمة معنى صيغة المنادى ودلّت على علماء الشريعة. أمَّا عبارة " ُأُبصِر" إلى معرفة الأعمى ما يريد ما يطلب من يسوع وبعكس التلميذين يعقوب ويوحنا " لا يعلَمانِ ما يسألان" (مرقس 10: 38). برطيماوس يعرف ما يريد، ويطلبه من يسوع بكل ثقة ومن دون ادِّعاء. ولا يشير البصر إلى المعنى الجسدي فحسب، إنما أيضا إلى المعنى الرمزي أي الإيمان، وهو الوصول إلى نور الخلاص، استنادا إلى نبوءة أشعيا "روحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَليَّ لِأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنى وأَرسَلَني لِأُبشِّرَ الفقراء وأَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب وأُنادِيَ بِإِفْراجٍ عنَ المَسبِيِّين وبتَخلِيَةٍ لِلمَأسورين" (اشعيا61: 1). لم ينقص برطيماوس بصر العينين فقط، بل بصر القلب أيضا للوصول إلى النضوج في الإيمان. وهذا المعنى الرمزي واضح أيضا في رواية شفاء أعمى اورشليم منذ مولده كما صرّح يسوع "كانَ ذلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله"(يوحنا 9: 4). ينبغي أن نأتي إلى الربّ يسوع ونحن نعرف ماذا نريد منه. 52 فقالَ له يسوع: ((اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ)). فأَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه في الطَّريق. تشير عبارة "اِذهَبْ!" في الأصل اليوناني Υπαγε (معناها امضِ) إلى صيغة يستخدمها يسوع لإرسال المرضى بعد شفائهم. وهنا طلب يسوع من الأعمى أن يذهب ويبدأ مسيرته ورسالته أي أن يبصر شيئا فشيئا ويتبعه على الطريق المؤدي إلى اورشليم. وغالبًا ما يستعمل يسوع هذه العبارة كما ورد في إنجيل مرقس، بعد شفاء يحقّقه، مثلاً بعد شفاء الأبرص (مرقس 1: 44)، أو بعد شفاء المخلّع (مرقس 2: 11). أمَّا عبارة "إِيمانُكَ خلَّصَكَ" فتشير إلى ربط الخلاص بالإيمان. والخلاص هو باستعادة البصيرة. إنّها العبارة ذاتها قالها الربّ يسوع للمنزوفة التي شفاها: "إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام" (مرقس 5: 34). توضّح هذه العبارة معنى لقاءه مع الأعمى من خلال إعادة البصر والبصيرة إلى الأعمى لأنه آمن بيسوع ودعاه. ولم يكلف الأعمى أكثر من أن يؤمن ويطلب. فكافأه يسوع بفضل إيمانه فوهب له نعمة البصر والبصيرة. وهذا ما حدث أيضا في أريحا مع راحاب الزانية التي خُلصت بسبب إيمانها (يشوع 2: 1-24). أمَّا عبارة "فأَبصَرَ" فتشير إلى أنه أبصر من يريد أن يرى ألا وهو وجه المسيح الذي شفاه. وقف الأعمى أمام النور، فامتلأت عيناه نوراً، وقف أمام ابن الله، فأمتلأ كيانه نعمة وبراً.فكان له من يسوع ما أراد، رحمةً وبَصراً. فالله هو الذي يعطي البصر (خروج 4: 11)، وهو الذي يفتح عيون العميان (مزمور 146: 8)، وفي هذا الصدد يقول النبي أشعيا أنّه في أزمنة الخلاص وفي الأزمنة المسيحانيّة، "تُبصِرُ عُيونُ العُمْيانِ بَعدَ الدَّيجورِ والظَّلام " (أشعيا 29: 18)، "حينَئِذ تتَفتَحُ عُيوِنُ العُمْيان وآذانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّح" (أشعيا 35: 5). بعد خطيئة الإنسان الأول لم يعد يستطيع الإنسان رؤية الله والتعرف عليه أو تحمّل حضوره (التكوين 3: 5-6) بعكس ما حدث اليوم في شفاء الأعمى اخذ يبصر من يريد أن يرى ألا وهو وجه الشخص الذي شفاه بصورة واضحة واتبعه بكل فرح دون أن يختبا منه كما فعل الإنسان الأول مع الله تعالى. وفي أسفل الصليب نجد شخصاً آخراً قادراً على الرؤية مثل اعمى أريحا، إنه قائد المئة الذي رأى يسوع (مرقس ١٥: ٣٨)، فأدرك أن هذا الرجل هو ابن الله (مرقس 15: 38). وهذا الأمر يذكرنا بأهم أطروحات أفلاطون، التي تنطوي على البصر كأساس للمعرفة. أن شفاء برطيماوس هو آخر شفاء ليسوع في إنجيل مرقس وذلك ليربط تعليم يسوع السابق عن معاناة وموت ابن الإنسان بنشاط ابن داود في اورشليم. أمَّا عبارة "مِن وَقتِه" في الأصل اليوناني εὐθὺς (معناها في الحال) فتشير إلى إعلان عن قدرة المسيح حيث نال الأعمى الشفاء الفوري. وهذه العبارة متكررة ومن ميزات إنجيل مرقس. أمَّا عبارة "تَبِعَه" في الأصل اليوناني ἠκολούθει (معناه راح يتبعه مما يدل على الاستمرارية) فتشير إلى التلمذة وانضمام الأعمى إلى مجموعة الذين كانوا يتبعون يسوع (متى 8: 10). فجعله يسوع تلميذا يسير وراءه، وهكذا بدأ الأعمى مسيرته مع يسوع نحو اورشليم لحضور العيد. ودخل الأعمى في موكب يسوع إلى اورشليم في مسيرته إلى الآلام والموت، بعكس الغني الذي انسحب حزينا (مرقس 10: 17-27). وبهذا نفهم قول يسوع في انقلاب المصير "كثيرٌ مِنَ الأَوَّلينَ يَصيرونَ آخِرين، والآخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين" (مرقس 10: 31). يسوع هو الملك الذي يستقبله الناس ويدخلون معه بفرح إلى المدينة (لوقا 18: 35) وهكذا دخل الأعمى في موكب يسوع مع من دخلوا. واكتمل إيمان الأعمى في السير وراء يسوع نحو أورشليم. أما عبارة "الطَّريق" فتشير إلى الطريق المؤدية إلى اورشليم أي نحو تحقيق الحدث الخلاصي في الموت والقيامة. فالسيد المسيح دعا تلاميذه إلى طريق الصليب "مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني" (مرقس 8: 34). بدّل يسوع موقع الأعمى من جانب الطريق حيث القى رداءه، إلى الطريق، حيث يسوع هو الطريق "والنُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إلى العالَم" (يوحنا 1: 9). مستحيل أن يرى الإنسان نور الرّب ولا يتبعه. جاء برطيماوس إلى يسوع أعمى ومحتاجا، ثم تبعه مفتوح العينين بصيرا شاكراً، هذه هي طريق التلمذة للربّ يسوع. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 10: 46-52) بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (مرقس 10: 46-52) نستنتج انه يتمحور حول شفاء الأعمى كعمل مسيحاني (أشعيا 35: 5). ومن هنا نتساءل: لماذا لبّى يسوع صرخة اعمى أريحا فشفاه في حين بقي كثير من العميان دون شفاء؟ الجواب هو أنَّ أعمى أريحا عرف أن يطلق صرخة فيها التصميم والوضوح والإيمان ثم اتباع يسوع الناصري، ابن داود، المسيح المنتظر. 1) صرخة تصميم صرخة الأعمى الملحَّة أوقفت يسوع بطلب الرحمة " رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع " (مرقس 10: 49)، بالرغم من أن "َانَتهَرَه أُناسٌ كثيرونَ لِيَسكُت، فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح (مرقس10: 48). والله يستجيب صرخة كهذه تتميز بالتصميم والعزم كما يقول صاحب المزامير "هَذَا المِسكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ" (مزمور 34: 7)، ويُعلق البابا فرنسيس "إنّ وضع الفقر لا يُعبّر عنه بكلمة واحدة ولكنّه صرخة تخترق السماء لتصل إلى الله. يمكننا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن لهذه الصرخة التي تصل إلى الله ألا تصل إلى آذاننا وتتركنا غير مبالين؟" (رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للفقراء 2018). انتهر الناس أعمى أريحا إذ كانوا يعتبرونه خاطئا نظراً لعماه. وقدَّروا أنه لا ينبغي ليسوع المسيح أن يتصل بالخاطئين، فحاولوا أن يردُّوا الأعمى عن يسوع. لكن الأعمى ألحَّ ودعا يسوع، ويسوع لا يردُّ أحداً خائبا يطلب الرحمة بإلحاح. فدعاه أن يأتي إليه؛ ألم يقل يسوع "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم" (متى 11: 28). وهكذا وقف الأعمى أمام النور، فامتلأت عيناه نوراً. طلب الرحمة بإلحاح من يسوع الذي يعطي الإنسان مراده من سعة رحمته. وهذا ما نعبر عنه في صلواتنا الكنسية عندما نطلب الرحمة الإلهية أولاً ومن ثم حاجاتنا قائلين: "ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك، نطلب منك، فاستجب وارحم". كان برطيماوس ضريرًا، ولكنّ قلبه ظل بصيرًا، حيًّا ينبض بالرغبة في النور، في الصدق والحقّ. وفي عمق ألمه وضيقه آمن بيسوع، بقدرته العظيمة على فهم واقعه ووجعه، وبرغبته في التضامن معه. إنّها خبرة روحيّة عميقة، بدأت بسماع برطيماوس عن يسوع وعن محبّته للمرضى والخطأة والمتألّمين، ففهم مقدار المحبّة التي تملأ يسوع، وعليها وضع رجاءه وأمله، ولذا خرجت صرخة برطيماوس قويّة، مدوّية، كلّها ثقة وعزم وتصميم. 2) صرخة وضوح ظهرت صرخة الوضوح في جواب الأعمى ليسوع عندما سأله: ((ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟)) قال له الأعمى: ((رابُوني، أَن أُبصِر (مرقس 10: 51). فلماذا يطلب يسوع من الأعمى ((ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟))، وهو يعرفُ كلَّ ما يحتاجُ إليه قبلَ أن يسألَه؟ قد نستغربُ ذلك، إلا إذا فهِمْنا أنَّ يسوع لا يريدُ أن يَعرِفَ منّه ما يرغبُ فيه، فهو لا يجهلُ ذلك، فهو يعرفُ حاجته، لكن ينبغي على الأعمى أولا أن يحدِّدَ بوضوح طلباته لنفسِه فيعرفَها ويصبِرَ عليها أمامَ يسوع. فقد قالَ بولس الرسول: "لِتكُنْ طَلَباتُكم معروفةً لدى الله" (فيلبي 4: 6). لقد طلب الأعمى بوضوح من يسوع البصر، وليس الصدقة بالرغم من كونه شَحَّاذ فقير عْمى جالِساً على جانِبِ الطَّريق (مرقس 10: 48). فلمّا سُئل أجاب أنه يطلب البصر لعينيه، أزال كل تشويش وأظهر للجميع إيمانه بالمسيح. وثانيا يريدُ يسوع أن يزدادَ الأعمى شوقًا إليه من خلالِ صرخة صلاته، حيث أنه بها يعدَّ نفسَه لإدراكِ وقبولِ ما يريدُ أن يمنحَه إياه. لأنَّ هبتَه كبيرةٌ جدًّا، أكبرُ ممّا يقدرُ أن يُدرِكَ. ولهذا قال لنا بولس الرسول: "افتَحُوا قُلُوبَكُم" (2 قورنتس 6: 13). وإنَّه يزدادُ كفاءةً لتقبُّلِ ما يطلبه بقدرِ ما يزدادُ فيه صدقُ إيمانِه، وثباتُ رجائِه واضطرامُ شوقِه. صلَّى الأعمى بصرخة شديدة واضحة لينبَّه نفسه بهذه الصلاة الخارجية وليحثَّ نفسه على الصلاة. لقد صلَّى بصرخة يُسندها الإيمان والرجاء والمحبة. وفي هذا الصدد قالَ الرسول بولس: "لا تَكُفُّوا عَنِ الصلاة" (1 تسالونيقي 5: 17). أخيرا نبّه الأعمى نفسه بصرخة صلاته إلى ما يرغب فيه في داخله، خوفا من أن تبرد الرغبة التي بدأت فيه ثم تنطفئ بالفتور ما لم تؤجج بصرخة أشد " فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح" (مرقس 10: 48). لقد كان الأعمى صاحب ثقة يستبعد كل همّ وكل خوف وكل حاجز (لوقا 12: 22 -32). الجدير بالذكر أن الأعمى لم يطلب الشفاء مباشرة بل هتف قائلا "رُحْماكَ، يا ابنَ داود!". ولم يتوقف الأعمى عن طلب الرحمة رغم زجر أُناس كثيرين له لِيَسكُت. الإنسان يطلب الرحمة عندما يعي أن كل ما يلقاه هو عدل. الرحمة تتجاوز العدل وطلب الرحمة يفترض توبة ومن أهم عناصرها الإقرار بالخطيئة. 3) صرخة إيمان لم تكن صرخة الأعمى صرخة تصميم ووضوح بل كانت صرخة إيمان أيضا كما تبيّن من كلمات يسوع: "اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ" (مرقس 10: 52). الإيمان وحده يكفي للخلاص. آمن برطيماوس بيسوع، ابن داود، الذي " بِوُسعِه أَن يَرْفُقَ بِالجُهَّالِ الضَّالِّين لأَنَّه هو نَفْسُه مُتَسَربِلٌ بِالضُّعْف" (عبرانيين 5: 2). عاش يسوع مع البشر ووسطهم، عرف مشاعرهم، وآمالهم وأوجاعهم، كما قال صاحب الرسال إلى العبرانيين "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة " (عبرانيين 4: 15). وبعكس الجمع، هذا الأعمى يرى بأعين الإيمان. وبفضل هذا الإيمان يملك توسّله قوّة فعّالة. إيمانه فتح له درب الخّلاص ووجد نفسه وسط العديد من الذين نزلوا إلى الطريق لرؤية يسوع. وقف ابن طيماوُس الأعمى أمام ابن داود فامتلأ كيانه نعمة وبرا ونورا. لقد أبصر الأعمى، لأنه آمن بيسوع لا شافياً للأمراض وصانع المعجزات فحسب، إنما أيضا أن يسوع هو ابن داود مخلص العالم. ولذلك فإن إعادة البصر إلى الأعمى لم تكلف الأعمى أكثر من إيمانه بانَّ يسوع هو ابن داود. لقد خاطب برطيماوس الأعمى يسوع بلقب من القاب المسيح: بقوله "رُحْماكَ، يا ابنَ داود!" (مرقس 10: 48) وهو أول من صرَّح بذلك في إنجيل مرقس. وهذا اللقب هو لقب شعبي خاص بالمسيح المخلص. ومناداته ليسوع صدى لمناداة المرأة الكنعانية التي التجأت إلى يسوع لشفاء ابنتها وهي تصرخ "رُحْماكَ يا ربّ! يا ابنَ داود" (متى 15: 22). فما معنى هذا اللقب؟ يُشير لقب ابن داود أن يسوع هو متأصل في شعب الله حيث أنَّ يوسف خطيب مريم هو ابن داود بصفته من نسل داود وقد قبل يسوع في سلالته مع كون يسوع مولودا من عذراء (متى 1: 18) كما تبنا أشعيا النبي "ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ آبناً وتَدْعو آسمَه عِمَّانوئيل" (أشعيا 7: 14). وقد أكد بولس الرسول هذا القول في عظته لليهود في مجمع أنطاكية بقوله على لسان الله " وَجَدتُ داودَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً يَرتَضيه قَلْبي وسيَعمَلُ بِكُلِّ مما أَشاء. ومِن نَسْلِه أَتى اللهُ إِسرائيلَ بِمُخَلِّصٍ هو يسوع، وَفقًا لِوَعدِه." (أعمال الرسل 13: 22) وذلك تحقيقا لنبوءة أشعيا " ويَخرُجُ غُصنٌ مِن جذعِ يَسَّى وَينْمي فَرعٌ مِن أُصولِه " (أشعيا 11: 1)، ويظهر ذلك خاصة في هتاف الجموع ليسوع لدى دخوله منتصرا إلى اورشليم "هُوشَعْنا لابنِ داود! تَباركَ الآتي بِاسمِ الرَّبّ! هُوشَعْنا في العُلى!" (متى 21: 9). وبعبارة أخرى، إن يسوع "وُلِدَ مِن نَسْلِ داوُدَ بِحَسَبِ الطَّبيعةِ البَشَرِيَّة" (رومة 1: 3). أمَّا بحسب الروح فانه إله كما جاء في تعليم بولس الرسول " وهو فَوقَ كُلِّ شيءٍ: إِلهٌ مُبارَكٌ أَبَدَ الدُّهور" (رومة 9: 5). وهكذا لما تمَّ الزمان، دُعي المسيح "ابن داود" (متى 1 :1). ويسوع لم يرفض هذه التسمية ولكنها لا تعبّر تعبيراً كاملاً عن سر شخصه. ولذلك فيما أن يسوع جاء ليتمم الوعود التي قُطعت لداود، فهو يعلن في مجادلاته مع الفرّيسيين أنه أعظم من داود، إنه ربه (متى 22: 42-45). فيسوع ليس فقط " داود العبد " وراعي شعب الله (حزقيال 34: 23-24)، بل هو الله نفسه الذي جاء ليرعى شعبه ويخلّصهم (34: 15-16). لقب "ابن داود" هو لقب المسيح المنتَظر الذي سيأتي ليخلصَ شعبه. فقد نظر رؤساء اليهود وكهنتهم إلى يسوع إلا أنهم لم يروا فيه المسيح بل حكموا عليه كمجرم في حين أن العميان عرفوه. أما أعمى أريحا الذي لا يبصر فقد عرفه. هذا دليل على أن الرؤية الحقيقية إنما هي بعين الإيمان. فكانت صرخات الأعمى: "يا يسوع ابن داود" تعلن إيمانه به أنه المسيح المنتظر، الموعود به. إنه ابن داود الذي تترقبه الأجيال وعليه ينطوي هذا اللقب. آمن الأعمى أن يسوع هو الكلمة بكونه الله تنازل بإرادته ليُولد حسب الجسد من عذراء مقدسة، فاقترب منه صارخا "رُحْماكَ، يا ابنَ داود! ". ولقد شهد أيضًا لمجده بجوابه "رابُوني، أَن أُبصِر". وإعادة البصر عمل لا يقوم به سوى الله وحده. أمن بقدرة يسوع فتحققت معجزة الشفاء، وهذا الإيمان بيسوع وحِّد بينه وبين الأعمى الشحاذ وجعله يشترك في سر شخصه. بشفائه الأعمى، يؤكد يسوع ضمناً انه ابن داود، محققاً ما سبق فقيل عنه: " روحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَليَّ لِأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَني وأَرسَلَني لِأُبشِّرَ الفقراء وأَجبُرَ مُنكَسِري القُلوب " (أشعيا 61: 1). ولكون هذه المعجزة آخر المعجزات قبل الدخول إلى أورشليم، فهي تُعدّ لهذا الدخول وتمهّد له بتشديدها على لقب ابن داود، هذا اللقب الذي لن يكتمل معناه في يسوع إلاّ بالآلام والموت. 4) صرخة إتباع يسوع "أَبصَرَ مِن وَقتِه وتَبِعَه في الطَّريق" (مرقس 10: 52). آمن أعمى أريحا وأبصر وتبع المسيح علما أن من تعوّد على تلقي الهبات من الناس ينسى أحلامه وكرامته، يفضّل البقاء على الهامش بدلاً من الخوض في معترك الحياة. طلب برطيماوس أن تبصر عيناه لأنّه آمن بيسوع الذي يأخذه في طريق الحياة الحقيقيّة، وانفتح قلبه على الرغبة في الحياة. يجب أن نرى يسوع لنتبعه. أراد أعمى أريحا أن يرى، ولهذا طلب من يسوع بإلحاح. وتمَّت المعجزة دون أية حركة. وحين شُفي الأعمى تبع يسوع في الطريق التي تقود إلى اورشليم، مدينة الآلام والقيامة. وهذا أمر لم يفعله اعمى بيت صيدا (مرقس 8: 26) ولم يستطيع فعله الشاب الغني (مرقس 10: 22). ومن هذا المنطلق، فإن برطيماوس الأعمى هو نموذج التلميذ الذي لا يستطيع بنفسه أن يتبع يسوع؛ انه بحاجة إلى يسوع لكي يشفه ويُنير عقله فيستطيع أن يتبعه. وقد كانت الحياة لهذا الأعمى لا في بصر العيون فحسب بل في بصيرة القلب أيضا. فوجد معنى حياته وجمالها وفرحها في إتّباع يسوع. واتباع يسوع معناه السير في طرق الله، لذلك تجرد الأعمى من كل ما يملك؛ وتخلى عن كل شيء فألقى عنه رداءه وما فيه من مال، وتبع يسوع في الطريق على خطى الرسل " ترَكْنا نَحنُ كُلَّ شيءٍ وتَبِعناك" (متى 19: 27). فإتّباع المسيح يعني الإيمان به إيماناً كاملاً بناء على آيات خارجية (يوحنا 4: 42)، إذ التقى الأعمى بيسوع وسمعه وخاطبه وعَلِم انه ابن داود المسيح المخلص فتبعه. وبكلمة أخرى، إتّباع يسوع يعني اتباع نور العالم واتخاذه رائداً له كما جاء في تعليم يسوع "أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" (يوحنا 8: 12). ويعلق البابا فرنسيس" أن معرفة يسوع ليست كعدم معرفته، وأن السير معه ليس كالسير تلمسا على غير هدى، وأن محاولة بناء العالم بإنجيله ليست كالعمل على بنائه بعقلنا. إننا نعرف جيدا أن الحياة معه تصبح أكثر امتلاء، ويسهل إيجاد معنى لكل شيء" (فرح الإنجيل 266). واتباع يسوع يعني أيضا أن يبصر المرء علما أن كل إنسان يعاني شيئا من العمى. إن لم يكن عماه في عينه وبصره، يكون في قلبه وبصيرته؛ ولا يردَّ البصر سوى المسيح. ومن هنا أهمية أتباع يسوع، فإنه نور الحياة. فالدرس من شفاء اعمى أريحا هو انفتاح عين الأعمى الذي رأى يسوع، عكس الذين تبعوه ولكنَّهم ظلوا عميان وقساة القلوب. وهكذا تحوّل أعمى أريحا من متسوّل إلى تلميذ، وهذه هي طريقنا أيضًا: جميعنا متسوّلون ونحتاج دائمًا للخلاص! بحاجة أن نتحوّل من متسوّلين إلى تلاميذ. لنسمح نحن أيضًا ليسوع بأن يدعونا ويشفينا ويغفر لنا ولنتبعه ممجّدين الله متشببين بالأعمى صارخين "رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع! "، طالبين أن يكشف عن بصيرتنا فننظر وندرك قوة أقوالك فنبصر ونؤمن ونتبعك في طريق الملكوت، فأنت نور العالم، أنت نور الحياة. آمين الخلاصة كان بَرطيماوُسرجل اعمى في أريحا، سمع ضجة المسافرين من الحجاج وهو جالس يتسوَّل على جانب الطريق حيث كان يسوع خارجا من أريحا؛ وأخبروه أن يسوع الناصري هو مجتاز من تلك الطريق، فاستعطى منه رحمة وبصراً. فآمن وأبصر، وتبع المسيح. فالبحث عن يسوع يقود إلى النضوج في الإيمان الذي يمكّن من السير في طريق الصليب. وهكذا أصبح هذا الأعمى مثال للتلمذة التي بدأت مع الإنجيل. كان بَرطيماوُس اعمى فرأى من وقته، كان جالسا فأصبح من أتباع يسوع، وكان جانب الطريق فأصبح في الطريق يسر مع يسوع الذي هو الطريق والحق والحياة. شفاء اعمى أريحا الشفاء الأخير الذي يُجريه يسوع في إنجيل مرقس. وعندما فتح يسوع عيني الأعمى فتح أيضا له قلبه وجعله يتبعه في الطريق. كان العمى يعتبر لعنة من الله لأجل الخطيئة، لكن يسوع دحض هذه الفكرة عندما جاء ليشفي العميان وقد سبق أن تنبأ أشعيا بقدرة يسوع على شفاء العميان " وفي ذلك اليَومِ يَسمعُ الصُّمُّ أقْوالَ الكِتاب وتُبصِرُ عُيونُ العُمْيانِ بَعدَ الدَّيجورِ والظَّلام "(أشعيا 29: 18). لذلك هذا الشفاء له معنى مسيحانياً. شفى يسوع اعمى أريحا استجابة لصلاته المتكرّرة "رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع!" (مرقس 10: 47، 48). لقد خاطب يسوع بلقب من القاب المسيح ابن داود". واستخدام هذا اللقب المسيحاني ينطوي على إيمان قوي، في حين اكتفى الناس بالقول "يسوع الناصري". لهذا الشفاء أهمية خاصة، فمن جهة أنه تمّ في الطريق حيث كان السيد المسيح متجها نحو الصليب، وكأنه أراد أن يعلن غاية آلامه تفتيح عيون البشرية الداخلية أي بصيرتها القلبية، لمعاينة أمجاد ملكوته القائم على صلبه وقيامته. ومن جهة أخرى، جاء هذا العمل يعلنه الإنجيلي بعد رفض الشاب الغني التبعية للمسيح وانشغال التلاميذ بالمراكز الأولى والمراتب العليا ومناصب الشرف. وكان طريق الأعمى صعب يحتاج إلى عمل إلهي ليهب النفس استنارة داخلية، فتتعرف على ملامح الطريق وتسلك فيه. هذا هو هدف الإنجيليّ مرقس في رواية حدث أعجوبة شفاء الأعمى برطيماوس: يدعونا لنقتدي به والدخول في سرّ آلامه وموته وهو الّذي قال: "لأنّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم جماعة النّاس" (مر10/45). دعاء أيها الآب السماوي، نسألك باسم يسوع ابنك الوحيد، نور العالم، أن نتعلم من أعمى أريحا، كيف نبحث عن وجه يسوع بصرخة تصميم ووضوح وإيمان"رُحْماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع! كي يشفينا ويضئ عيوننا وبصائرنا فنراه ونتبعه في الطريق فنصل إلى الحق والحياة. آمين. الأب لويس حزبون - فلسطين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لأنّ أعمى أريحا ترك رداءه وتبع المسيح |
إفرحوا أيّها المسيحيّون لأنّ أعمى أريحا ترك رداءه وتبع المسيح |
فكِّر وصَلِّي... |
أعمى أريحا |
أعمى أريحا (مرقس 10: 46 – 52) |