رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
افرحوا في الرب دومًا
أَيّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء، يَبدأُ يسوعُ حياتَهُ العَلَنيّة بمشهَدِ حُضورِه واشتراكِهِ في عُرس. هذا الحضورُ لِهُ عِدَّةُ اعتباراتٍ ودلالاتٍ، أَوَدُّ وإيّاكُم أن أَتَطَرّقَ لِبعضٍ مِنها: أوّلًا: حضورُ يسوع للعُرسِ أَعطى الزّواجَ قُدْسِيّةً خَاصّة ومكانةً بارِزة، بَلْ أَصبحَ سِرًّا من أَسرارِ الكنيسة، لَهُ طُقوسُهُ وَشَأنُه السَّامي الرّفيع. ذلك أَنّ فئاتٍ ضالّة من المسيحيّين، ظَهَرت خلالَ التّاريخ، كَانت تُنادي بمحاربةِ الزّواج، وَتنبِذُ الارتباطَ الزّواجي. وَهو ما رَفَضتُه الكنيسة في مُمارَسَتِها وَتَعليمِها وَأَسرارِها. فالزّواجُ سِرٌّ عَظيم مُقَدّس، وَوسيلة شَرعيّة أَقرّها الله لاستمرارِ النّوعِ البشري بِشكلٍ سَليم، ذلكَ أنْ: "يتركُ الرّجلُ أباهُ وأُمَّهُ ويلزمُ امرأتِهُ، ويصيرُ الاثنانِ جَسدًا واحِدًا... فَما جَمَعهُ الله، فَلا يُفرِّقنَّه الإنسان" (متّى 5:19-6). ثانيًا: يبدو أَنَّ العُرسَ كانَ لأحدِ الأقاربِ والْمَعارِف. لأنَّ لأمِّ يَسوع، كَما يَظهر مِنَ النَّص الإنجيلي، دورًا هامًّا في إدارةِ شؤونِ هذا العُرس، وهي تَقومُ بِدَورٍ إشرافي لِتضمَن سَيرَ الاحتفالِ كَما يجب. وَنراها عِندَمَا نَفَذت الخمر، تُخبِرُ يسوعَ بذلِك. ما لفتَ انْتِبَاهي هُنا هو تَيقّظُ مريم، والتفاتها إلى التّفاصيل. فَعَينُها كانت تَلحَظُ كلّ شَيء. وعندما شَعَرَت بِأنَّ أمرًا ليسَ على ما يُرام، سارَعت إلى إخبارِ يسوع، إذ كَانَت على ثِقةٍ ويَقين تَامَّين، بِأنَّهُ سيصنعُ شيئًا يَحولُ دُونَ حُلولِ فَضحيةٍ تَلحق بأهلِ العُرس. ويُمكِنُنا كَشَرقيّين أن نُدرِكَ جَيِّدًا معنى كلمة (فضحية)، عِندما يتعلّق الأمر بطعامٍ أو شَراب في مناسبة عامّة، لَيس على المستوى المأمولِ والْمَطلوب/ سواد وجه. تَيقّظ مريم كان سببًا في تدارُكِ الأمر وعِلاجِ الخطأِ قبل استفحالِه وانتشارِه، بل وفي توفير الأجودِ والأفضل. ألا نحتاجُ يا أحبّة في حياتِنا، في كَنيستِنا، في مجتَمعاتِنا، في مؤسّساتِنا، إلى أشخاصٍ على مِثال مريم: مُتيقّظين، ساهرين، مُنتَبِهين ومُنبِّهين، يِتداركونَ الأخطاء، وَيسعون لإيجادِ حلولٍ للمشكلاتِ وتَخطّي العقبات، وتوفير الأفضل للصّالح العام؟! وفي نَفسِ الوَقت، نَأسفُ وَنتألّم عندما نرى أشخاص، يحارِبونَ الخير، وَيبثّونَ روحًا سلبية، وانتقاداتٍ وافتراءاتٍ جارِحة، مُثَبِّطة للعزائم تهدُم البُنيان، وتُسهِم في خلقِ جَوٍّ من التّوتر وَاسْتِفحَالٍ لِلبَلبَلةِ والفوضَى. والأنكى تَبخيسُ قيمةِ الخير، وَوَضعُ العُصيّ في الدّولاب، الأمر النّابع مِن غيرة وحسد. التَّيقّظ يَا أَحِبَّة فَضيلةٌ روحية، ريتَنا كُلُّنا نمتلِكها كَمَريم، نَلتفِتُ من خلالِها لحاجاتِ الآخرين، نهتمُّ بشؤون المحتاجين معنويًّا ومادِّيًا أيضًا، نخرجُ من قَوقَعتِنا لِنُعاين الدُّنيا من حولِنا، ننظرُ إلى بعضِنا البعض لا بعينِ الحسدِ والانتقاد، بل بعين الرّحمة والافتِقاد. مُساهِمين في مَسيرةِ الإنماءِ والإصلاحِ، لا في بلاءِ الإفسادِ والتّخريب. أَخيرًا: يقولون الفرحُ يخص والحُزنُ يعم. وهذا نِسبيًّا صحيح. فَعِند الأعراسِ والأفراح هناك بطاقاتُ دعوةٍ وَمدعوّون بالاسم. حتّى أنّ الكورونا قَد خَلقت واقِعًا جَديدًا، فَقَلَّصَت كثيرًا من دائرةِ المدعوين وَحَلقِةِ الْمُقرّبين. أَما في الْمَآتِم والأتراح فلا بطاقاتٌ ولا مدعوّون، فالكلُّ مَدعو والكلُّ يُعزّي، القريب والغَريب. لِماذا الفرحُ يَخص؟ أَلَم يَكُن حَدثُ الميلادِ المجيد، بُشرى فَرحٍ للأرضِ وساكِنيها، من أَقصاها إلى أَقصاها؟! على الأقل نحنُ في الكنيسة وفي الرّعية، نَفرح مَعًا كَعَائِلَة مع أفراحِ الفَرِحين، ولا نَكتَفي فقط بالبكاءِ مع أوجاعِ الْمُتألّمين والمحزونين. أسبابُ البُكاءِ كثيرة، فالأوجاعُ كثيرة، والأحمالُ ثَقيلة، وسيفُ الأحزانِ نِفذَ في القلبِ واخترَقَهُ من شِدّة حِدّتِه! نَبكي ترويحًا عن النّفسِ ووسيلةً للتّفريغ، نَبكي بحثًا عن سَنَدٍ ودعمٍ ومواساةً وتعاطُف. نَبكي قَهرًا من ظلمٍ وجورٍ وتغوّل وتوغّل. نبكي عندما نَضعُف، نبكي عند انسدادِ الأُفق، نبكي عندَ الشّعور بالضّياع والإهمال، نبكي عند الشّعورِ بالوحدة والخُذلان. هنيئًا لكلِّ شخصٍ يُجيدُ فنَّ البُكاء! فمع أنَّ الإنجيل هو إنجيل عُرسٍ، أي فرحٌ وانبساط، ولكن هنيئًا لكلّ شخصٍ لا يجدُ اليوم سببًا لِكي يَفرح، وَلَكنَّهُ على الأقل يَبكي عَلَّهُ مع دموعِه، يجِدُ فَرجًا وتعزيةً وراحةً وهدوء بَال. |
|