مطران في الجحيم
في إحدى جلسات مجلس كنائس الشرق الأوسط سمعت قصة رواها أحد المطارنة عن الأدب القبطي النسكي هزت أعماقي، ولا تزال تشغل كل كياني.
التحق شاب بديرٍ فسلمه رئيس الدير إلى شيخٍ تقيٍ وقور ليتلمذه. بدأ الشيخ يهتم بالشاب من جهة حياته الروحية موجهًا نظره إلى الالتصاق باللَّه كمخلصٍ وصديقٍ يلهب القلب بالحب.
يبدو أن الشاب كان متراخيًا إلى حد كبير، وكان الشيخ يحثه على الجهاد، ويدفعه نحو طريق الحب العميق لا الاتكال على شكليات وتداريب بدون روحٍ.
فجأة مات الشاب، فحزن عليه الشيخ جدًا، إذ يعرف ما له من رخاوة في جهاده، وإذ كان يبكيه وتئن نفسه من جهته رآه يومًا ما في حلم. كان واقفًا ونيران الجحيم قد بلغت قدميه.
إذ رأى الشيخ المنظر بكى بمرارة على هذا الابن، أما الابن فتطلع إلى الشيخ وهو يقول: "لا تبكي يا أبي عليّ، فإني واقف على كتفي مطران!"
قام الشيخ من نومه منهارًا... وجلس مع نفسه أيامًا يتأمل أعماقه، متسائلًا: إن كان هذا هو حال مطران متهاونٍ، فماذا يكون حالي؟ إن ثوب الرهبنة لا يشفع في المتراخين!
ربما كانت هذه القصة رمزية يرويها الأدب القبطي النسكي لحث المؤمنين على التركيز على أعماق النفس الداخلية لا التوقف عند ممارسة التداريب الروحية بدون روحٍ!
مناجاة فتى!
· لك اشتكي نفسي يا مخلصي!
أقرأ الكتاب المقدس بانتظام،
لكنني في غباوة لا أراك خلف الحروف!
أصلي كل صباحٍ ومساءٍ،
لكنني لا أعرف كيف أتحدث معك في علاقة شخصية!
أمارس الكثير من العبادة، لكن أعماقي متحجرة!
· علمني كيف أدخل إلى العمق،
التقي بك خلال كلمتك المكتوبة،
وأتحاجج معك في صلواتي،
وأري صليبك مشرقًا عليّ في توبتي،
وأتمتع بالثبوت فيك عند تناولي من أسرارك،
أدخل كما إلى السماء وأنا في كنيستك!
· لتمسك يمينك نفسي،
ولتدخل بها إلى حجالك المفرح،
فأتهلل بك يا شهوة قلبي!
أمتلئ رجاءً لا يقدر أن يحطمه الموت!
وأنعم بملكوتك الذي لا تقوى عليه أبواب الجحيم!
نعم لست أتكل على برٍ ذاتيٍ، ولا على مركزٍ كنسي،
وإنما على فيض غنى نعمتك!