عفوا سيدي المواطن.. أنا لست حلالك

[Mary Naeem]

عفوا سيدي المواطن.. أنا لست حلالك



كنت في ثالثة كلية ، رايحة الجامعة بالأتوبيس المكيف الساعة واحدة الظهر، معايا كشكول المحاضرات وشوية ورق فى الشنطة.
ماشية فى الطرقة متجهة ناحية الباب لأن الأتوبيس قرب من الجامعة، وراء السواق كان في شاب في حدود الثلاثين كده. كان بيبصلي أوي وبدأ يتحرش بي بنظره.
عملت نفسي مش واخدة بالي وبصيت قدامي، مستنية الأتوبيس يقف علشان أنزل بسرعة وأهرب من نظراته اللي حسستني إني واقفة عريانة !
وفي لحظة تحول من استخدام حاسة النظر في التحرش إلى استخدام حاسة اللمس !
وكانت أول مرة فى حياتي يتم التحرش الجسدي بي.
صرخت بصوت عالي أوي وقلتله " إنت حيوان" بصلي بمنتهى البرود وقالي : " فيه إيه ؟"
السواق فرمل جامد ووقف الأتوبيس وسألني وهو مخضوض : "مالك يابنتي؟ إيه اللى حصل" قلت له " إسأل الحيوان اللي وراك"..... قلتها وأنا بعيط ونزلت جري من الأتوبيس.
مكنتش فاهمة اللي حصل... جسمي كله كان بيترعش وقلبي بيدق جامد ... كنت خايفة ومهانة ... كنت حسة إنه إنتهك آدميتي وإعتدى علي.
مقدرتش أضربه ولا ألم الناس عليه.. مقدرتش أجيب حقي .. مكنش في مخي حاجة غير إني عايزة أهرب منه وأستخبى بعيد. كنت ضعيفة ومقهورة ولا حول لي ولا قوة .
مقدرتش أمشي ولا خطوة بعديها وكلمت واحدة صاحبتي تخدني من عند باب الجامعة . دخلت جوة وعيط كتير أوي أوي . البنات إتلموا علي يشوفوا إيه اللي جرالي ولما حكتلهم كان أول سؤال سألوه " هو إنت أول مرة يحصلك كدة ؟؟!!"
المتحرش ده جبان وخواف أكتر منك، هو بس كان متعود إنه يتحرش ومحدش يعمل له حاجة
أول مرة ؟ يعني إيه أول مرة ؟ هو ده عادي ؟هو ممكن يحصل تاني ؟
وبدأت الحكايات ومشاركات البنات. تقريبا كل البنات اللي كانوا واقفين تم التحرش بيهم قبل كدة ولو مش بيهم شخصيا فكان بأمهاتهم أو أخواتهم أو صحباتهم.
سمعت في اليوم ده قصص غريبة جدا، تبدأ من أطفال في إبتدائي في أولى محاولاتهم للتحرش وتصل إلى رجالة فوق الستين بيسلوا وقتهم ويستعيدوا شبابهم على حساب البنات الغلابة. كان هدف كل القصص إنهم يقولوا لي " إنتي مش لوحدك ، كلنا مرينا بالموقف ده قبل كده.... معلش.. هما الرجالة كدة !!!!"
فضلت مدة طويلة بخاف أركب مواصلات وبخاف أمشي في الشارع لوحدي.
كان جوايا إحساس كبير بعدم الأمان وكنت حاسة إنه لو تم التحرش بي تاني هتبقى غلطتي أنا إني ماشية في الشارع أصلا!!!
إبتدى الحديث عن موضوع التحرشات يزيد أوي، في الجرايد والتلفزيون وحتى وسط الأصدقاء في الخروجات. وسمعنا كتير عن التحرشات الجماعية وهي إن مجموعة من الولاد يتلموا على بنت ويتحرشوا بيها... في الشارع .. وسط الناس.. ومحدش بيوقفهم... الناس اللي معدية يا إما بيبصوا ويكملوا طرقهم عادي، ياإما يشتركوا في التحرش.
وبقى التعيلق اللي بسمعو من ولاد كتير: " ما هو لبس البنات اللي بيخلي ده يحصل"
وفيه اللي يقول " أصل ده بسبب المشاكل الاقتصادية.. الراجل من دول مبيبقاش عارف يفتح بيت ويتجوز. هيعمل إيه يعني؟"
ولما حد يتحرش بواحدة في الشارع والبنت تصوت بيبقى رد فعل الناس "خلاص يا آنسة.. هو جرى إيه يعني ؟؟" أو " حصل خير يا أستاذة، ماهو إعتذرلك أهو، متوجعيش دمغنا بقى !!!" وردود كده إن دلت على شيء تدل على انعدام المسؤولية.
أنا رجعت أمشي في الشارع تاني لأني ببساطة بحب أمشي في الشارع ولوحدي كمان... ولأن الشارع ده بتاعي ومن حقي أمشي فيه براحتي ومش من حق أي حد إنه يهني ويتعدى على حريتي وعلى مساحتي الشخصية. مش هسمح لحد إنه ينتهك كرامتي ولا يخليني الشماعة اللي بيعلق عليها شهوته وجبنه وقلة شهامته ونخوته.
مش هاسمح لحد يقول إن ده بسبب لبس البنات: مينفعش تدي لنفسك مبرر.... زي ما مينفعش تقول أنا سرقت علشان الفلوس كانت قدامي ولا أنا قتلته لأنه فعلا خلاني فقدت أعصابي، مينفعش برضو تقول أنا إتحرشت لأن هي لبسها مش كويس... إنت مش من حقك أصلا تبص على أي بنت وتقرر إذا كان لبسها مناسب ولا مش مناسب بالنسبة لك ولو طلع مش مناسب من وجهة نظرك تمد إيدك عليها.
ده طبعا غير إن كتير جدا من البنات اللي بيتم التحرش بيهم بيكونوا محجبات وساعات كمان منقبات .. يعني الموضوع مالوش علاقة باللبس لكن له علاقة بعينك القذرة. ومتنساش إن من كام سنة فاتت البنات كانوا بيلبسوا قصير ومنغير كمام ومحدش كان بييجي جنبهم.. دلوقتي البنات عمالين يلبسوا أطول وأوسع ويغطوا جسمهم أكتر والتحرشات عمالة تزيد أكتر وفي الأخر يتقال أصل لبس البنات ملفت !!!!!
مش هاسمح لحد يقولي إن ده بسبب المشاكل الاقتصادية: أنا مش مسئولة عن فشل السياسات الاقتصادية للبلد ومش مطالبة أتحمل نتائجها... مش معنى أنك مش معاك فلوس، إن عقلك المريض يخيل لك إن جسم البنت اللي ماشية قدامك ده حاجة مباحة وببلاش، متقدملك على طبق من ذهب علشان تمارس فيه شهواتك غصب عنها.. ده مش حقيقي.. جسم المرأة مقدس ومش من حقك تتعدى عليه ولو حتى بالنظر مهما كانت الظروف.
ولما يحصلي أو يحصل قدامي تاني حادثة تحرش مش هقبل أسمع إنه حصل خير ولا إنه خلاص.. لأنه محصلش خير ومش خلاص واللي شايف غير كدة أعتقد إنه محتاج يراجع تعريفه للرجولة من تاني.
أنا سكت كتير أوي... وفي بنات كتير ساكتة وخايفة وياعيني بيعتبروا وصولهم للبيت أو الشغل من غير ما حيوان يتحرش بيهم جسدياً ده إنجاز كبير.
إنما التحرش بالنظر أو بالألفاظ فده بقى للأسف جزء أليم من حياتهم.. زيه زي التلوث، زي الزبالة، زي زحمة المرور.... ويحمدوا ربنا إنه موصلش لمد الإيد !!
مش هاينفع نسكت تاني...
ربنا وهبني الحرية والحياة والكرامة ومش هسمح لحد ياخدهم مني. خلقني إنسانة فمش هسكت لحد ينتهك إنسانيتي
أنا مش هاقول للولاد إسترجلوا، أصل الرجولة دي ياإما تيجي من جوة ياإما مابتجيش خالص.
أنا هاقول للبنات بجد متسكتوش.. محدش هايفهم اللي بتحسي بيه غيرك ، محدش هيقدر حجم الإهانة اللي إتعرضتلها قدك.
لو حد مد إيده عليكي متسبيهوش إجري وراه وهاتيه من قفاه، متستنيش حد يجبلك حقك.. خليكي متأكدة إن المتحرش ده جبان وخواف أكتر منك، هو بس كان متعود إنه يتحرش ومحدش يعمل له حاجة، متعود إن البنات هتسيب حقها لأن المجتمع هيلومها هي مش هيلوموه هو.. والمفهوم ده لازم يتغير!! متخافيش وإضرابيه، ولو ضربتيه بالألم هيفكر 1000 مرة قبل مايمد إيده على بنت تانية.
لو ماشية ومعاكي ولد وشفتوا حد بيتعدى على بنت في الشارع متخليهوش يقول ملناش دعوة وياخدك ويمشي.. خديه إنتي وروحوا دافعوا عنها، لو هو مش راجل خليكي إنتي راجل (افتكري إنه مفيش أي علاقة بين الذكورة والرجولة.. مافيهاش حاجة إنك تبقي أرجل منه)
المتحرش ده إنسان إختار يتخلى عن آدميته وكرامته ويسيب قذارته وشهواته يتحكموا فيه، فإتحول لحيوان !!
لكن إنت إنسانة عندك كرامة فحافظي عليها وإحميها.. إنت مش مسئولة عن إختياره ده.
مش معنى إنه إختار يبقى حيوان إنه يعاملك إنت كمان كحيوانة .........