الضيقة سبب للرجوع إلى الله
ليست كل الضيقات التي تصيبنا من نوع واحد:
فهناك ضيقات تصيب الإنسان، كصليب يحمله لأجل الله، وينال إكليله، كما حدث للرسل ورجال الإيمان (عب 11: 36، 37).
وضيقات أخري تكون لاختبار الإيمان، أو لتعلمنا الصلاة (يع 5: 13). أو لنقدم بها مثالًا للصبر كما حدث لأيوب (يع 5: 11).
وهناك ضيقات هدفها أن يشعر الإنسان بضعفه، فيتضِع كما حدث للقديس بولس "لئلا يرتفع من فرط الإعلانات" (2 كو 12: 7).
وهناك ضيقات أخري تأتي من تخلي النعمة بسبب خطايانا..
وعن هذا النوع أود أن أكلمكم اليوم.. (أُلْقِيَت هذه المحاضرة في الكاتدرائية مساء الجمعة 19/8/1977 م).
"ارجعوا إلي، أرجع إليكم" (ملا 3: 7).
فإن رجع الإنسان إلي الله بالصلاة والصوم والتذلل، وإن رجع إليه بالتوبة الصادقة. حينئذ يرجع الله إلي هذا التائب، وتعود النعمة إليه كما كانت في القديم، وتنتهي فترة التخلي، فتنتهي الضيقة تبعًا لذلك، إذ قد زالت أسبابها.
وما أكثر الأمثلة التي توضح ذلك، في سفر القضاة..
يقول الكتاب "فعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، وعبدوا البعليم. وتركوا آبائهم.. وساروا وراء آلهة أخري من آلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها.. تركوا الرب، وعبدوا البعل وعشاروت. فحمي غضب الرب علي إسرائيل، فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم، وباعهم بيد أعدائهم حولهم. ولم يقدروا علي الوقوف أمام أعدائهم.." (قض 2: 11-14).
لم يقدروا علي الوقوف، لأن يد الرب لم تعد معهم..
لما كانت يد الرب معهم، شق لهم البحر الأحمر، وأغرق فرعون وجنوده. وفجر لهم من الصخرة ماء. وضرب عوج ملك بشان، وسيعون ملك الأموريين، ولك شعوب الأرض..
في هذه المرة، دفعهم إلي أيدي أعدائهم، فلم يقدروا عليهم. ووقف أمامهم قول الرب: "ارجعوا إلي، أرجع إليكم".
وكانوا حينما يصرخون إلي الرب، يسمع بكائهم، ويخلصهم..
ومن أعمق حنو الرب، حتى في فترة تخليه. إذ يقول عنه الكتاب إنه عاد "وخلصهم من أيدي أعدائهم.. لأن الرب ندم من أجل أنينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم" (قض 2: 18).
إذن في كل ضيقاتك، لا تقل: ماذا أفعل بأعدائي الذين قدروا علي؟ إنما قل: هل يد الله معي أم لا؟
هل أنا تركت الله، فتركتني نعمته، كما كانت معي في القديم؟ وانصت إلي قول الرب "ارجعوا إلي، أرجع إليكم". وبسرعة ارجع إلي الرب، تجد المعونة الإلهية قد رجعت إليك، وجعلتك - كما حدث لإرميا - "مدينة محصنة، وعمود حديد، وأسوار نحاس.. فيحار بونك، ولا يقدرون عليك. لأني أنا معك - يقول الرب - لأنقذك" (أر 1: 18، 19).