رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب في فَنِيئيلُ «وأَشرَقَت لَهُ الشَّمسُ إِذ عَبَرَ فَنوئِيلَ. وَهُوَ يَخمَعُ علَى فَخذِهِ» ( تكوين 32: 31 ) كان يعقوب في هذا الوقت قد نيَّف على المئة سنة بعد أن قضى عشـرين سنة منها في خدمة خاله لابان؛ ذلك الرجل الجشع المُتقلِّب. وبلغ يعقوب، وهو عائد إلى أرض مولده، أن عيسو قادم للقائه، وأربَعُ مئَة رَجُلٍ معه «فخَافَ يَعقُوبُ جِدًّا وضَاقَ بِهِ الأَمرُ». لقد استولى عليه الخوف إذ كان شعوره بالذنب ما زال يُثقل ضميره. وبدلاً من الصلاة للرب، والرجوع لمواعيد الله الصادقة له بالحماية ( تك 28: 15 )، أراد أن يتخلَّص من هذه الأزمة بتدبيراته البشـرية، فأرسل أمامه مجموعات من المواشي كهدايا، تتلو الواحدة الأخرى، لكي يسترضي أخاه. لكن الله لم يكفّ عن ملاحقة يعقوب «فبَقِيَ يَعقُوب وحدَهُ، وصَارَعَهُ إِنسَانٌ حتى طلُوعِ الفَجرِ». « لم يكن يعقوب البادئ في الصـراع، بل الله، لكن يعقوب قاوم بشدة. وظن يعقوب أنه يستطيع النجاة من هذا المأزق الجديد كما كان يفعل في الماضي، لكن الضغط عليه تزايد واشتد. وما أخطر أن يُقاوم الإنسان إلهًا يريد أن يُبارك! ولمَّا رأى الله إصرار يعقوب على المقاومة، «ضرَبَ حُقَّ فَخذهِ فانخَلَعَ»، فأصبح أعرج، وظلت آثار تلك المُجابهة الرهيبة ترافق يعقوب طوال حياته. وعندما غُلب يعقوب على أمره، أمسَك بكِلتا يديه بذلك الذي صارعه، وأبى أن يتركه إلا بعد أن ينال بركته. وظهر يعقوب كأنه هو الذي يرغب الآن في البركة، مع أن الله هو الذي كان يسعى ليُباركه طوال سني حياته. ‫ كان لا بد ليعقوب، قبل الحصول على البركة، أن تنكمش أنانيته وتنهار. كان يجب عليه أن يواجه – بشجاعة – الخطية والعار المُحيطين بشخصيته. ويسأله الله: «مَا اسمُكَ؟»، فيُجيب: «يَعقُوبُ». المُغتصب المُحتال، يعترف الآن باغتصابه واحتياله، وقد أصبح تائبًا منكسر القلب، وكان اعترافه الخلاصة المُقطَّرة لحياة كلها فشل. والصِدق والإخلاص يُبشـران دائمًا بمجيء البركات. ويعقوب يقف الآن على أرض ثابتة ليواجه الله، وبالنسبة إليه فإن ”فَنِيئيل“، وتعني ”وجه الله“ كانت تعني أيضًا الاعتراف بخطيته وضعفه الكُليين. كان لسان حاله في تلك الساعة الرهيبة: «نظَرتُ اللهَ وجهًا لوَجهٍ، ونُجِّيَت نَفسي» (ع30). لكن في ”فَنِيئيل“ أيضًا نال يعقوب وعدًا ببركة جديدة: «لاَ يُدعَى اسمُكَ فِي ما بَعدُ يعقُوبَ بل إِسرَائيلَ» - أي أميرًا لدى الله - «لأَنَّكَ جاهَدتَ معَ الله والنَّاس وقَدِرتَ» (ع28). انتصـر يعقوب عن طريق التسليم. استطاع الله أن يكسـر قساوته. ويقول هوشع: «جاهَدَ معَ المَلاكِ وغلَبَ. بكَى واستَرحَمَهُ» ( هو 12: 4 ). |
|