القس بيشوي فايق
5- كيف يأمر الله بتحريم أريحا أي: بقتل كل إنسان وحيوان، وتدمير الممتلكات، ولماذا يأمر الله بقتل عاخان بن كرمي، بسبب أخذه بعض الأمتعة، التي كانت ستحرق؟
كيف يأمر الله بتحريم أريحا أي: بقتل كل إنسان وحيوان، وتدمير الممتلكات، ولماذا يأمر الله بقتل عاخان بن كرمي، بسبب أخذه بعض الأمتعة، التي كانت ستحرق؟
الإجابة:
إن مَنْ يريد أن يُدرك مقاصد الله الصالحة في تلك العصور عليه أن يدرس طبائع، وحياة تلك الشعوب وثقافتهم بدقة، ثم يدرس من خلال نصوص الكتاب المقدس رسائل الله (كما أراد أن نفهمها) من وراء الأحداث، ومَنْ يحاول قراءة الأحداث بمفاهيم اليوم متغافلًا هذه الأمور الهامة؛ فلن يدرك ما أراده الله من وراء تلك الأحداث.
فيما يلي نتناول بالشرح ذلك، ثم نشرح مقاصد الله من تحريم مدن بأكملها، وأخيرًا نوضح استحقاق عاخان بن كرمي للعقاب:
أولًا: قراءة الأحداث بمفهوم عصور حدوثها:
· الأسلوب المناسب للتعامل مع البشر:
التواصل مع البشر يحتاج لمعرفة اللغة، التي يفهمها مَنْ نريد أن نتواصل معه، وأيضًا معرفة ثقافته، ومدى معرفته وعلمه. إن هذه الحقيقة تسري أيضًا على طريقة تعامل الله، وتواصله مع بني البشر، فالله لا يتجاهل طبيعة البشر الضعيفة؛ بل يتنازل ويتعامل معهم مِن حيث ما يدركونه، ويبدأ من حيثما وصلوا إليه من معرفة وفهم وثقافة. إن ما يؤكد ذلك استخدام الرب يسوع الأمثال في تبسيطه، وشرحه عن أسرار ملكوت السماوات كقوله: "هذَا كُلُّهُ كَلَّمَ بِهِ يَسُوعُ الْجُمُوعَ بِأَمْثَال، وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (مت13: 34- 35). وفيما يلي نؤكد هذه الحقيقة من خلال ما سجله الكتاب من معاملات الله:
-المجوس: أعلن الله للمجوس (الذين كانوا علماء في علوم الفلك) عن ولادة الرب يسوع المسيح ابن الله ملك اليهود، ومكان ميلاده بواسطة ظهور نجمٍ فريدٍ ذي طبيعة منيرة بحسب قول الكتاب: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ" (مت2: 1- 2).
-الضربات العشر في مصر:
أعلن الله عن سلطانه في عصور العهد القديم بإظهاره ضعف الآلهة الوثنية المصرية؛ فعلى سبيل المثال ضرب موسى النبي نيل مصر الذي قدسه المصريون كمعبود فصار ماؤه دمًا نتنًا، وضرب أيضًا الرب ماشية مصر بالوباء، لأن المصريين كانوا يعبدون العجل (الإله أبيس)... أما الظلام الدامس، الذي غطى جميع أرض مصر -ما عدا أماكن إقامة العبرانيين- فكان ضربة قاسمة لإله الشمس رع... وهكذا نجد الله يعلن عن ذاته، وفي نفس الوقت عن ضلال الآلهة، والعبادات الوثنية بهدمه مفاهيم تلك الشعوب عن آلهتهم الضعيفة.
· مثال معاصر:
نستحسن جميعنا بضمير مستريح قيام قوات الأمن في أي دولة بتصفية بؤرة، أو معقل للإرهابيين، أو مافيا للمخدرات، وقد تدكه قوات الأمن بالطائرات من السماء، أو تدكه قذائف المدفعية عن بُعد، ومع أن ذلك بالطبع يتسبب في هلاك ودمار شامل لتلك الأماكن بمن فيها؛ إلا أننا نقدر للسلطات عظم صنيعها.
إننا نتفهم جيدًا خطورة تلك الجماعات، أو العصابات مع أن هذا الحادث بعينه قد لا يتفهمه البعض في جيل آخر.
· أحكام الله بالطرد لسكان كنعان:
إن طرد الله للأشرار من أرض كنعان في تلك العصور، كان إشارة ودليلًا على قداسة الله، وسلطانه على الأرض كلها. أما تحريم بعض البلاد فكان إشارة لشناعة خطايا الناس، التي جعلتهم في حالة فساد لا علاج لها، أو موت روحي لا قيام منه، وأظهرت أيضًا خطورة الشر، وضرورة التخلص منه، ومدى حرص الله على عدم انتقال عدوى الشر إلى شعوب أخرى.
ثانيًا: ضرورة التحريم: