2ــ في مَثَل الزوان فإن "الحقل" يشير للعالم وليس للكنيسة كقول السيد المسيح في تفسيره للمَثَل: "اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ. وَالْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالزَّوَانُ هُوَ بَنُو الشِّرِّيرِ" (مت 13 " 37، 38)، وهدف المَثَل توضيح صبر اللَّه على الأشرار ومنحهم الفرصة كاملة، وليس هدف المَثَل ترك الأشرار يرعون في الكنيسة، فإن الكتاب حضَّ على تجنب المصّرين على شرهم: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخًا زَانِيًا أَوْ طَمَّاعًا أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّامًا أَوْ سِكِّيرًا أَوْ خَاطِفًا أَنْ لاَ تُخَالِطُـوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هذَا" (1 كو 5: 11). ويقول "القديس أغسطينوس": "إن كان أحد المسيحيين وهو ثابت في الكنيسة قد أُخذ في خطية من نوع يستحق أن يُحرَم من الكنيسة، فليتم هذا: تجنب حدوث إنشقاق، بمعالجة الأمر بالحب فتصحح عوضًا أن تقتلع، فإن لم يأت إلى معرفة خطأه ولم ينصلح بالتوبة يُطرَد، ليقطع بإرادته من شركة الكنيسة، لأن قول الرب "دعوهما ينميان كلاهما معًا" قد أضيف إليه السبب وهو "لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان" مقدمًا تفسيرًا واضحًا، أما هنا فالسبب غير موجود، فبقطعه لا يوجد قلق على سلامة الحنطة متى كان جريمته واضحة ويظهر لكل واحد أنه ليس من يدافع عنه أو على الأقل أنه ليس له مدافعون يسبّبون إنقسامًا" (925).
3ــ عندما قال السيد المسيح عن بذار الخردل: "وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُور" قصد أنها أصغر جميع البذار التي يستخدمها الفلاح اليهودي والمعروفة في أرض فلسطين فقط، وجاء في "الكتاب المقدَّس الدراسي": "أصغر البذور.. ليست حبة الخردل أصغر الحبوب المعروفة اليوم، ولكنها كانت أصغر الحبوب التي استعملها المزارعون والبستانيون آنذاك في تلك البيئة. وفي ظل ظروف مؤاتية يمكن أن يصل ارتفاع الشجرة إلى أكثر من ثلاثة أمتار. تصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتبيت في أغصانها" (926). ولأن حبة الخردل أصغر البذار التي عُرِفت في تلك المنطقة لذلك ضُرِب بها المَثَل دليل على الصغر، فقال السيد المسيح: "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل.." (لو 17: 6)، وقال اليهود: "كسر للشريعة في نقطة صغيرة كحبة الخردل"، وجاءت بنفس المعنى الدال على الصغر في القرآن: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ" (الأنبياء 21: 47).. " يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّه إِنَّ اللَّه لَطِيفٌ خَبِي" (لقمان 33: 16).
وتبلغ شجرة الخردل نحو 3,3 مترًا، وطيور السماء مثل العصافير أو اليمام يضعن أعشاشهن فيها، ولم يقل السيد المسيح أنها أطول جميع الأشجار، لأن هناك أشجارًا طويلة جدًا تبلغ أضعاف شجرة الخردل، ولذلك قال عنها السيد المسيح: "وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا" (مت 13: 32). ويقول "الأب متى المسكين" أن السيد المسيح: "اختار حبة الخردل التي يتعامل معها الفلاح، وشجرتها الصغيرة التي يراها أمامه كل يوم. ولكن سر اختيار المسيح لهذه الشجرة الصغيرة بالذات هو نموها السريع الظاهري أحيانًا، بحيث يمكن أن يراقبها الفلاح كل يوم وهيَ تنمو أمامه وتكبر. حتى تبلغ طولها الكامل الذي قد يصل أحيانًا بحسب خبراء كثيرين الثلاثة أمتار.. فلو قسَّمنا عمر الشجرة الذي لا يزيد عن أربعة أشهر على طولها الذي يمكن أن يكون 300 سم نجد أن نموها اليومي يبلغ حوالي 3 سم مما يمكن أن تلحظه عين الفلاح بسهولة، وهكذا استطاع المسيح أن يطبع على عقلية السامعين معنى وكيفية نمو الملكوت وحده دون عوامل بشرية، كبذرة الخردل التي يستيقظ الفلاح كل يوم فيجد أنه استطالت ونمت بوضوح. وهذا درس لا يستهان به لنفوس البسطاء في كيفية نمو ملكوت السموات" (927).