منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 11 - 2021, 07:58 PM
الصورة الرمزية بشرى النهيسى
 
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بشرى النهيسى غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

القس بيشوي فايق






1- يتساءل البعض قائلين ما ذنب عيسو الذي أبغضه الله، ولم يحبه كيعقوب أخيه؟ ولماذا لم يقبل الله توبته حينما تاب؟ ولماذا فضل الله عليه أخاه يعقوب وهما في رحم أمهما بحسب قول الكتاب: "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا:«إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ»." (رو 9: 13)
السؤال الأول

يتساءل البعض قائلين ما ذنب عيسو الذي أبغضه الله، ولم يحبه كيعقوب أخيه؟ ولماذا لم يقبل الله توبته حينما تاب؟ ولماذا فضل الله عليه أخاه يعقوب وهما في رحم أمهما بحسب قول الكتاب: "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا:«إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ»." (رو 9: 10- 13).



الإجابة:

حاشا لله أن يكون له هوى، فَيحُب أحدًا ويكره أحدًا بحسب مزاجه أو هواه، فالله ليس له هوى أو مزاج كالبشر، بل هو يحُب الجميع ويريد خلاصهم بحسب قول الكتاب: "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ." (1تي 2: 4). إن الله ليست عنده محاباة، وهو يريد قبول جميع البشر إليه كقول معلمنا بطرس الرسول: "فَفَتَحَ بُطْرُسُ فَاهُ وَقَالَ: «بِالْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ الْوُجُوهَ. بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ" ( أع: 10: 34-35).



ولكن دعونا نُفَنِد عدم صحة هذا الفهم الخاطئ:

أولًا: الخلاص ليس مقصورًا فقط على فئة من الناس بل كل إنسان مدعو للخلاص:
لم يَقصرُ الله الخلاص على المختارين من الآباء مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا على نسل بني إسرائيل فقط. لقد كان اختيارهم بهدف تكوين كنيسة الله (التي تحمل للبشرية كلها دون محاباة أو تعصب نعمة وخلاص الله). وفيما يلي بعض الأدلة على ذلك:

· لم يخلص كل شعب إسرائيل، أي المولودين بحسب الجسد من إبراهيم، ولا كل المولودين من إسحاق أو من يعقوب، ولم يحسب الله كل المولودين منهم أولادًا له كقول الكتاب: "... لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ..." (رو9: 6- 7). وأيضًا قول الرب يسوع: "أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: «أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ!" (يو8: 39).

· حُسب شعب إسرائيل (كنيسة العهد القديم) كشجرة مباركة تحمل النعم والبركات ومنها أتى الرب جسديًا، لكن الأغصان غير الصالحة في هذه الشجرة (الأشرار غير المؤمنون) قُطعت، وأيضًا طَعَّم الله في هذه الشجرة التائبين المؤمنين من خارج هذه الشجرة كقوله: "فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا!». حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا" (رو11: 19- 21). فأين إذًا المحاباة ليعقوب أو لبني إسرائيل؟!

· لم يكن هناك أي مانع من قبول الأمم، أو الوثنيين التائبين المؤمنين بالله ضمن رعوية شعب إسرائيل، فقد صاروا ضمن رعوية إسرائيل، وهم الذين لقبهم الكتاب المقدس باللفيف أو بالدخلاء، والدارس للكتاب يعلم أن هناك مصريون خرجوا من مصر مع بني إسرائيل كقول الكتاب: "وَصَعِدَ مَعَهُمْ لَفِيفٌ كَثِيرٌ أَيْضًا مَعَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ، مَوَاشٍ وَافِرَةٍ جِدًّا. " (خر12: 38)، إذًا لم يكن هناك مانع من انضمام عيسو، أو نسله تحت مظلة أخيه يعقوب لينال البركات، ولكن ذلك كان مشروطًا بإيمانه، وتوبته.


ثانيا: موضوع الحديث في الأصحاح التاسع من الرسالة إلى أهل رومية:
· السياق العام:
يتبين لنا أن معلمنا بولس الرسول أراد أن يؤكد مبدأ مهمًا، وهو أن بركات الله تُعطىَ على سبيل نعمة، وليست لاستحقاق متلقيها، ودليل ذلك قوله قبل ذلك في نفس الأصحاح: "بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ". أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا. " (رو9: 7- 8). وكلمة الموعد يَعني بها الرسول (الذين ولدوا بوعد من الله، بعدما استحال على إبراهيم وسارة الإنجاب لشيخوختهما، أو لعجزهما).

ثالثًا: عبارة: "لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار":
· المعنى المقصود:
متفقٌ مع مضمون سياق حديث الرسول، وهو أن عطايا الله تُعطى على سبيل نعمة، لا على سبيل استحقاق، ودليل ذلك قوله بعد ذلك مباشرة: "ليس من الأعمال بل من الذي يدعو" فالسبب إذًا هو رحمة الله الذي يَعدُ الإنسان، أو يدعوه ليكون لنعمة خاصة، وليس السبب أعماله.



· كلمة الاختيار:
الله له كامل السلطان في تدبير خليقته بحسب حكمته، ومن هو الذي له الحق أن يلومه أو يناقض حكمته؟! وإن كان مجرد اعتراض من إنسان بسيط لمخترع سيارة ذات ماركة شهيرة على أسلوب تصميمه لسيارته من المتوقع أن يلاقي استنكارًا من ذلك المخترع، والذي سيكون لسان حاله ردًا على ذلك الاعتراض هو: "هل تفهم حكمتي؟"، أو أظنه سيقول له: "لقد صنعت أنا مخترعي بهذه الطريقة فإن كان يمكنك أن تبدع مثله فصمم أنت كما يحلو لك".

رابعًا: استهتار عيسو وشره منع عنه البركات:
· اختيار الله حسب صلاحه:
ليس من المعقول أن يختار الله الأشرار، وغير التائبين ليهبهم بركاته ونعمته، وإلا يكون الله في هذه الحالة مُشَجِعًا على الشر بمكافأته للأشرار على شرهم بالبركات. إن اختيار الله هو للأفضل دائمًا، وأيضًا اختياره بحسب ما يتفق مع طبيعته الخيرة، وإن كنت أنا كإنسان أختار الأفضل دائمًا، فهل يفترض عاقل أن الله كلي الصلاح وكلي الحكمة يختار ما هو دون؟! لقد ترجمت كلمة الاختيار في اللغة الإنجليزية بـ(election)، أي الانتخاب، وهو ما يتفق مع مبدأ أن الله يختار الأفضل.



· شر عيسو:
كان عيسو شريرًا بحسب شهادة الكتاب القائل: "لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ." (عب 12: 16).


خامسًا: شر عيسو وعدم تأهله لنوال البركات:
يدعي البعض أن عيسو قدم توبة، ولكن الله رفضها، مستندين لقول الكتاب: "فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ.". بالتدقيق في هذا العدد من سفر العبرانيين نلاحظ أن هذا لم يحدث ودليلنا ما يلي:

1. رفض عيسو من وراثة البركة لما أرادها (بحسب النص)؛ فليست توبته هي التي رُفِضت لأن كلمة رفض تأتي بعد" أراد أن يرث البركة"، وعلى ذلك فالرفض يخص البركة وليس التوبة.

2. كلمة لم يجد مكانًا للتوبة تؤكد أنه لم يتب، فالتوبة لم يكن لها مكان في قلبه.

3. ما طلبه عيسو بدموع هو البركة وليس التوبة، بدليل ما سجله الوحي الإلهي من تفاصيل هذه الحادثة بقوله: "فَقَالَ عِيسُو لأَبِيهِ: "أَلَكَ بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أَيْضًا يَا أَبِي". وَرَفَعَ عِيسُو صَوْتَهُ وَبَكَى." (تك27: 38). لم يسجل الوحي الإلهي مطلقًا: أنه رفع صوته وقال: "قد أخطأت " فأين هذه التوبة إذًا؟!

4. أكد الوحي الإلهي إصرار عيسو على مخالفة الله وأبويه، وذلك بزواجه وارتباطه بالأشرار -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وهذا بخلاف أخيه يعقوب كشهادة الكتاب القائل: "فَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى فَدَّانَ أَرَامَ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً، إِذْ بَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلًا: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ» وَأَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَ أَرَامَ،. رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ فِي عَيْنَيْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ، فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائه." (تك2
8: 6- 9). فأين توبته إذًا، ومتى رفضها الله.

سادسًا: هل حقيقةً أن الله يحابي يعقوب؛ فيحبه أكثر من عيسو؟
· النص المشار إليه: "أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الْبَرِّيَّةِ؟ لأَنَّ أَدُومَ قَالَ: قَدْ هُدِمْنَا، فَنَعُودُ وَنَبْنِي الْخِرَبُ. هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ. وَيَدْعُونَهُمْ تُخُومَ الشَّرِّ، وَالشَّعْبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ الرَّبُّ إِلَى الأَبَدِ" (ملا1: 2- 4).

· يُفهم من النص أن المقصود بيعقوب أو بعيسو ليس مجرد اسمي شخصين، ولكن الوحي قصد بذلك تسمية أمتين؛ هما أمة يعقوب (بني إسرائيل)، وأمة عيسو (آدوم).

· حديث الله عن حُبِه ليعقوب وبُغضِهِ لعيسو كان بمناسبة اتهام بني إسرائيل لله بأنه لا يُكافئ، أو يبارك الذين يصنعون خيرًا، وأنه أيضًا لا يفرق بين الأشرار والأبرار، وهذا واضح بحسب قوله لهم في الأصحاح الثالث من سفر ملاخي: "قُلْتُمْ: عِبَادَةُ اللهِ بَاطِلَةٌ، وَمَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ أَنَّنَا حَفِظْنَا شَعَائِرَهُ، وَأَنَّنَا سَلَكْنَا بِالْحُزْنِ قُدَّامَ رَبِّ الْجُنُودِ؟ وَالآنَ نَحْنُ مُطَوِّبُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَيْضًا فَاعِلُو الشَّرِّ يُبْنَوْنَ. بَلْ جَرَّبُوا اللهَ وَنَجَوْا»" (ملا3: 14- 15).

· بالتدقيق في النص نرى أن المقصود بـ"أبغضت" هو عدم رضاه على آدوم وعدم مباركتهم، وليس المقصود مشاعر البغضة، والمقصود بـ"أحببت" هو مباركة الله لنسل يعقوب (أمة بني إسرائيل).

· سبب البغضة لعيسو أو عدم مباركتهم هو شرهم، وتحديهم لله، ولذلك هم يحصدون ثمار أفعالهم.

· أحب الله بني إسرائيل بسبب تقواهم، ولكنه حذرهم في الأصحاح الثاني من سفر ملاخي بما سيأتي عليهم بسبب احتقارهم لوصية الله قائلًا: "إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ." (ملا2: 2).

أخيرًا:
لا يسعنا غير أن نعطي الله المُحب، والعادل مجدًا لعظمته؛ فهو لا يُحابي أحد، ولن يحابي أحد بحسب إيماننا بصدق الكتاب القائل: "وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ" (1بط1: 17).

رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:00 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

2- ينسب الكتاب المقدس لله صفات بشرية كالغضب، أو الندم والأسف. ألا يُعتبر ذلك لونًا من الضعف، الذي لا يليق بالله الخالق العظيم؟


السؤال الثاني

ينسب الكتاب المقدس لله صفات بشرية كالغضب، أو الندم والأسف. ألا يُعتبر ذلك لونًا من الضعف، الذي لا يليق بالله الخالق العظيم؟

الإجابة:

إن الغضب والندم أو ما شابه ذلك من الألفاظ التي نُسبت في الكتاب المقدس لله هي بالفعل تُناسب البشر الجسدانيين المتقلبين في طبيعتهم الفسيولوجية والنفسية، ولا تتناسب مع الله إطلاقًا، ولكن الكتاب نسبها لله للتبسيط والتشبيه، والمقصود بأمثال هذه الألفاظ ليس المعنى الحرفي للكلمة، ولكن المقصود معانٍ أخرى، وسنتابع بالشرح من خلال النقاط التالية ذلك تفصيلًا.



أولًا: المفهوم البشري للغضب:
· تعريف الغضب: هو ثورة داخلية، وفقدان لتحكم الإنسان في طريقة تفكيره وتصرفاته (عدم تحكمه في أعصابه). يصاحب الغضب (في أغلب الأحيان) تهور يؤدي إلى أخطاء في الكلام والأفعال.

· الغضب ضعف: إن الغضب ضعف في الإنسان، وكلما نضج الإنسان وتهذب كلما قل انفعاله، وتحكم في تصرفاتهم.

· الغضب غالبًا ما يتبعه الندم: بعدما يهدأ الإنسان من ثورة غضبه يندم على ما بدر منه من جهالة وتهور.

· الغضب كنتائج وتوابع: كثيرًا ما يتعرض الإنسان لأمر مفاجئ غير معتاد (ليس على هواه)، أو يقع في مأزق أو شدة. أو يتعرض لإساءة، حينئذ إذا لم يجد مخرجًا من ضيقه يقع في حيرة واضطراب، فيخرج من هدوءه وتعقله ليثور ويغضب. إن الغضوب في حال غضبه لا يحسب عاقبة أفعاله، فيزيد من أخطاءه، لذلك علمنا الكتاب المقدس أن غضب الإنسان لا يصنع بر الله. لقد فوجئ موسى النبي بشعبه يرقصون ويعبدون تمثال العجل الذهبي كقول الكتاب: "... صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ". (خر32: 8). لم يحتمل النبي الحليم عدم إيمان شعبه، فألقى اللوحين المكتوبين بأصبع الله وكسرهما.

· نار الغضب تشتعل في الجسد الإنساني: تُفرز الغدد الصماء في حالة الانفعال بالغضب مادتيّ الأدرينالين Adrenaline والنورأدرينالين Noradrenaline، واللتين تُحدثان تغيرات فسيولوجية في وظائف الأعضاء، مثل ارتفاع ضغط الدم، وزيادة عدد ضربات القلب، و...، و... كل ذلك كمقدمة لأفعال الغضب الشديدة والحادة، كالصياح، أو العنف الجسدي، أو...، أو...، ويؤثر الغضب أيضًا على المزاج العام للشخص، وعلى طريقة تعاملاته وقت غضبه.

· الغضب رذيلة بشرية: إن أسوأ ما في الغضب هو تعدي الإنسان على وصايا الله، وما يسببه الغضوب لنفسه أو لغيره من إيذاء. لقد حذر الكتاب من خطورة الغضب قائلًا: "أنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ." (يع1: 20)، ولهذا يُطالب يعقوب الرسول الإنسان بالتروي، وتجنب الغضب قائلًا: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ،" (يع1: 19).



· الاستنتاج:
1. إن غضب الإنسان هو رذيلة وضرر للإنسان الغضوب، ولمن حوله، وهو غير مضمون العاقبة، وبالطبع هذا لا يتفق مع طبيعة الله القدوس.

2. أشد أو أقوى فعل شرير يمكن أن يحدثه الإنسان هو ما يفعله وقت غضبه.

ثانيًا: استحالة غضب أو ندم الله بحسب مفهوم البشر:
بعدما أوضحنا مفهوم الغضب كما نراه في بني البشر؟!! لعلنا نتساءل هل يمكن أن يغضب الله كالبشر؟!! وإن كان ذلك مستحيلًا، فما هو المقصود بغضب الله أو ندمه؟ إن هذا ما سَنوضُحه في النقاط التالية.

· الله هو الكامل في صفاته: الله لا يشوبه شر أو ضعف. وليس من المعقول أن يكون معنى قول الكتاب المقدس: "حمي غضب الرب" هذه المفاهيم البشرية الضعيفة التي ذكرناها قبلًا عن غضب البشر. فيما يلي ما يؤيد ذلك:

1. كمال الله مُعْلَن في الكتاب المقدس بوضوح، ومثال ذلك قوله: "مَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ طَرِيقَهُ، أَوْ مَنْ يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرًّا؟ اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ الَّذِي يُغَنِّي بِهِ النَّاسُ" (أي36: 23- 24).

2. الله روح، وليس له جسد فكيف يغضب الروح؟!!! (كما أشرنا في نقطة سابقة)، وأيضًا مراحم الرب، ورأفاته، وكثرة إحساناته وغفرانه لا تدع مجالًا، أو احتمالًا لغضبه. لقد أكد الكتاب ذلك صراحة واصفًا الله قائلًا: "... الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ" ( خر34: 6- 7). إن كلمة بطيء الغضب -في النص السابق- مقصود بها أنه لا يغضب إطلاقًا، لأن بطيء الغضب تعني أنه حليم وليس غضوبًا. وإذا وصفت السائل العزيز (فرضًا) بهذه الصفات السابقة، ثم ختمت كلامي بأنه بطيء الغضب، ألا أكون قد أكدت أنه ليس غضوبًا على الإطلاق؟!

3. الله غير قابل للتقلبات ولا يتغير من حالة إلى أخرى، ولا يفاجأ بأمر غير متوقع، لذلك فهو لا يغضب ولا يندم. لقد وصف الكتاب ثبات الله وعدم تقلبه قائلًا: "... الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ." (يع1: 17). أما الإنسان فيتغير مزاجه عندما يسمع خبرًا سيئًا لا يوافق هواه ويثور ويغضب.



· الله هو الكامل في معرفته:
ليس عند الله مستقبل، بل الكل حاضر عنده، وماثل أمامه كقول سفر أعمال الرسل: "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ." (أع15: 18). وإن كان الله يعلم ويخبرنا بما سيأتي علينا في المستقبل، في صورة نبوات، تتم بدقة في الوقت، الذي حدده أنبياؤه القديسون، فهل يفاجأ الله بأمر يجعله يحتار ويضطرب ويغضب؟!! إن افتراض ذلك أمر مضحك. لقد دلل إشعياء على ألوهية الله بمعرفته للمستقبل قائلًا: "مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلًا: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي.( إش46: 10).



· الندم ضعف لا يخص الله إطلاقًا بل البشر فقط:
الندم أو الأسف هي مشاعر سلبية نتيجة قرارات الإنسان الخاطئة بسبب جهله. فهل يندم الله كالبشر لأنه اتخذ قرارًا دون معرفة (بجهل)؟! بالطبع حاشا لله أن يندم كقول صموئيل النبي: "وَأَيْضًا نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لاَ يَكْذِبُ وَلاَ يَنْدَمُ، لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانًا لِيَنْدَمَ». (1صم15: 29). وأيضًا قول الكتاب: "لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟" (عد23: 19).



· إعلانات قضاء الله المسبوقة والمحتومة يعلنها الله للإنسان في حينها:
إن أمور البشر جميعها معروفة لله مسبقًا (كما أشرنا سابقًا). فإذا توانى شعبه إسرائيل مثلًا، وصَّلَّبَ قلبه أمام كثرة مراحمه يعلن لهم بفم أنبيائه عن غضبه أي أنه سيعاقب، فإذا لم يستجيبوا يقع عقابه عليهم بالفعل. أما إذا تراجع الشعب عن شره وتاب، يعلن لهم عن ندمه أي قبولهم وشفقته عليهم. إن الله يعلن حكمه أو قضاءه (المعروف لديه منذ الأزل) لشعبه على أساس تفاعلهم، إذًا من تراجع هم الشعب، وليس الله. لقد شرح إرميا النبي ذلك قائلا: "تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ." (إر18: 7- 10).

ثالثًا: لماذا استخدم الكتاب هذه الألفاظ؟:


· هي لغة البشر المفهومة:
لا بُد أن يكلمنا الله بلغة نفهمها، وإلا فلن يكون هناك تواصل مع الله، ولن نفهم مقاصده، بل، لن نتمكن من معرفته أبدًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لقد عَلَّمنا القديس بولس الرسول ضرورة التكلم بلغة مفهومة لكي ينتفع السامعون قائلًا: "فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَى الْبُوقُ أَيْضًا صَوْتًا غَيْرَ وَاضِحٍ، فَمَنْ يَتَهَيَّأُ لِلْقِتَالِ؟ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تُعْطُوا بِاللِّسَانِ كَلاَمًا يُفْهَمُ، فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا تُكُلِّمَ بِهِ؟ فَإِنَّكُمْ تَكُونُونَ تَتَكَلَّمُونَ فِي الْهَوَاءِ!" (1كو14: 8- 9)؛ فحينما يقول الكتاب غضب الرب نفهم أنه سيعاقب، وحينما يقول ندم الرب نفهم أنه سيسامح استجابة لتوبة البشر، وطلبهم لمراحمه.



· هو تنازل واتضاع وحب الله:
الله عظيم جدًا في طبيعته وفي أفكاره وتدبيراته، ومن المحال إدراك ذلك، ولهذا فهو يتباسط ويتضع ليتكلم معنا بلغة مبسطة مفهومة لنا. وبغير ذلك لن يكون هناك تواصل بيننا وبين الله. إن مثال ذلك اتضاع الآباء وتنازلهم أمام أطفاهم الصغار مستخدمين نفس المصطلحات التي يطلقها أطفالهم على الأشياء كالطعام مثلًا أو الماء، أو النار،... أو...، أو...، ومع ذلك لا يرى الآباء في ذلك عيبا.ً إنه الحب الذي يدفعهم لضرورة التواصل مع أحبائهم الصغار سعيًا وراء منفعتهم، ولكن هؤلاء الآباء لا يتكلمون مع ابنائهم بهذه المصطلحات البسيطة حينما يُجيد الأبناء اللغة ويفهمون معانيها.



الخلاصة: ماذا قصد الكتاب بإلصاقه بالله صفات تناسب البشر فقط مثل الغضب أو الندم؟:
· بعض أمثلة من الشواهد التي تتكلم عن غضب الله.

1. "وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ. وَسَمِعَ الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ، فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ." (عدد11: 1)

2. "فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَأَقْسَمَ قَائِلًا: لَنْ يَرَى النَّاسُ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ مِصْرَ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُونِي تَمَامًا" (عدد 32: 10- 11).

· الله لا يغضب بمفهومنا الإنساني لكنه يستخدم لغتنا لِيُبين عدم رضاه عن الشر: أن معنى كلمة حمي غضب الله في الآيات السابقة هو: أن قرار الله بعقاب بني إسرائيل صار وشيكًا وأكيدًا، وكما أن غضب الإنسان لابد أن يتبعه فعل شديد - على العاقل أن يتجنبه - فبالحري على البشر تجنب غضب الله، أو عقابه الشديد. لقد نصح الحكيم بعدم الدخول في المخاصمات التي تنتج الغضب، وما يتبعه من أفعال سيئة مشبهًا الغضب بالماء الذي إذا انطلق لن يمكن التحكم فيه قائلًا: "اِبْتِدَاءُ الْخِصَامِ إِطْلاَقُ الْمَاءِ، فَقَبْلَ أَنْ تَدْفُقَ الْمُخَاصَمَةُ اتْرُكْهَا." (أم17: 14). وأيضًا نصح داود النبي بتجنب غضب الله لسوء ما ينتج عنه قائلًا: "قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ." (مز2: 12). المقصود إذًا الخوف من شدة عقاب الله. وهكذا...



· بعض أمثلة لآيات تتكلم عن ندم الرب و معانيها:
1. "وَحِينَمَا أَقَامَ الرَّبُّ لَهُمْ قُضَاةً، كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي، وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ كُلَّ أَيَّامِ الْقَاضِي، لأَنَّ الرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ وَزَاحِمِيهِمْ." (قض2: 18).

2. "وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ، لأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ. وَالرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ." (1صم15: 35).

كلمة ندم الرب في الآية الأولى تدل على شفقة الرب عليهم بسبب كثرة معاناتهم واضطهاداتهم، ولذلك يذكر نص الآية أن الله كان مع القاضي (رئيسهم) أي ساندهم وخلصهم، وفي الآية الثانية تعبر عن عدم رضا الرب على شاول، وحزنه على ما وصل إليه من كثرة شره، وهذا يُبين اهتمام الله ببني البشر وحزنه على شرورهم، وهل يُنكر أحد على الله أن يتفاعل مع بني البشر كشخص. لقد أكد المرنم في المزمور تفاعل الله مع شعبه كشخص، مقارنةً بآلهة الأمم (الجماد) قائلًا: "يَا رَبُّ، اسْمُكَ إِلَى الدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ." (مز135: 13- 17).

أخيرًا:
لا بُد لنا أن ندرك أن طبيعة الله تختلف عن طبيعة البشر المادية، ولا يمكننا أن ندركها، لكننا نؤمن أن الله يتفاعل معنا كأبناء محبوبون.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:01 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

3- هل يظهر تناقض في كلام ربنا يسوع المسيح؛ إذ قرر في إنجيل القديس متى: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ." (مت 5: 22). وفي إنجيل القديس لوقا وصف الرب تلميذي عمواس بالغبيان قائلًا: "فَقَالَ لَهُمَا: أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لو24: 26). كما وبخ الرب الكتبة والكهنة والفريسيين في الإنجيل واصفًا إياهم بالرياء أو بالعمى أو.. أو... ألا يُعتبر ذلك نوع من الشتيمة والتي تنهي عنها وصايا الإنجيل؟


هل هناك تناقض؟:

أولًا: هل يظهر تناقض في كلام ربنا يسوع المسيح؛ إذ قرر في إنجيل القديس متى: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ." (مت 5: 22). وفي إنجيل القديس لوقا وصف الرب تلميذي عمواس بالغبيان قائلًا: "" فَقَالَ لَهُمَا:«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ " (لو24: 25- 26).

ثانيًا: وبخ الرب الكتبة والكهنة والفريسيين في الإنجيل واصفًا إياهم بالرياء أو بالعمى أو.. أو... ألا يُعتبر ذلك نوع من الشتيمة والتي تنهي عنها وصايا الإنجيل؟


الإجابة:

الجزء الأول من السؤال:



أولًا: لا تناقض بين النصين، وذلك لما يلي:
· اختلاف موضوع الحديث في كلا النصين:
لا ينطبق كلام الرب في الحالة الأولى في إنجيل القديس متى على حديثه مع تلميذي عمواس في إنجيل القديس لوقا؛ وذلك لأن موضوع كلام الرب مختلف في الحالتين: ففي الموعظة على الجبل في إنجيل القديس متى ينهى الرب عن الغضب باطلًا، أي بدون وجه حق؛ لأن ذلك شر ينشأ عن خطايا حب الذات والأنانية، ويَنتُج عنه الإهانة والتحقير والازدراء بالآخر. أما الغضب على الشر فهو من أجل الله، ومن أجل الحق ويُسَمىَ بالغيرة المقدسة، وهذا لم يُحَرِمَهُ الله بل قال عنه : "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ." (أف4: 26). أما موضوع حديث الرب في إنجيل القديس لوقا فهو توبيخ تلميذي عمواس، والتوبيخ لازم ومطلوب في أحيانٍ كثيرة. إن التوبيخ واجب من الأكبر نحو الأصغر؛ نظرًا لفائدته؛ وذلك لتوجيهه، أو تأديبه. وقد أرسل معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاؤس يطلب منه ألا يتهاون في توبيخ المخطئين قائلًا له: "اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْف" (1تي 5: 20).



· الرب هو السيد والمعلم الذي له حق التوبيخ والتعليم:
كان كلام الرب في نص بشارة القديس متى صادرًا من الأخ، وإلى الأخ. أما في بشارة القديس لوقا فما قاله السيد الرب بعد صلبه وقيامته من الأموات، وهو صادر من الرب المعلم إلى تلميذيه، وبالطبع تختلف لغة الحوار عندما تصدر من الرب، أو من المعلم، أو من السيد، أو من الأب عنها عندما تصدر من الأخ، ومن غير اللائق بالأخ أن يأخذ منصب المعلم فيوبخ إخوته بشدة؛ لأنه هو أيضًا مُعَرض للخطأ كإخوته، وقد حذر الوحي الإلهي من التعالي على الإخوة قائلًا: "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!" (يع3: 1). أما الرب فهو السيد والمعلم الكامل والقدوس، وأيضًا هو الديان العادل العالم بكل شيء، ولذلك له كل الحق في توبيخ خليقته. فكيف ينكر أحد عليه حقه هذا!

لقد أرسل معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاؤس، الذي كان أسقفًا ومعلمًا لشعبه يأمره، ويشجعه، لكي لا يتراخى في استعمال سلطانه في التعليم، وذلك بتوبيخ المخالفين لتعليمهم قائلًا: "اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ" (2تي4: 2). أما إن أراد الأخ أن يُحَذر، أو يُنذر أخاه على خطأٍ ما فَليُظهر له وداعة وحبًا له كقول معلمنا بولس الرسول لأهل تسالونيكي: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُطِيعُ كَلاَمَنَا بِالرِّسَالَةِ، فَسِمُوا هذَا وَلاَ تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ، وَلكِنْ لاَ تَحْسِبُوهُ كَعَدُو، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ." (2تس 3: 14- 15).

ثانيًا: عدم منطقية كسر الرب لهذه الوصية:
· لم يشتم الرب أبدًا ولم يعرف فمه خطيئة بحسب شهادة الكتاب القائل: "الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل" (1بط2: 23). وإن كان الرب لم يشتم، وهو يعاني مرارة الألم (أثناء صلبه)، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل -كما شهد معلمنا بطرس الرسول- فكيف يشتم السيد القدوس تلميذيه.

· تحدى الرب اليهود قبل آلامه وصلبه قائلًا: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يو8: 46). فماذا يجعله يتراجع عن ذلك بعد قيامته المجيدة، وهو في جسد القيامة الممجد النوراني الكامل؟! وكيف يفعل ذلك وهو الذي أوصى بذلك في الموعظة على الجبل؟!

ثالثًا: ما هو تعريف السب أو الشتم في قواميس اللغة؟ وما تعريفه بحسب قانون الأحوال المدنية ؟
· الشتيمة في قواميس اللغة هي إلصاق صفة قبيحة بإنسان دون سند واقعي، وقد جاء في تعريف السب وعقوبته في المادة 306 من قانون العقوبات المصري ما يلي: "كل سب لا يشمل على إسناد واقعة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشًا للشرف والاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".



· تطبيق عملي

مما سبق يتضح أن السب يكون بغرض الإهانة، والتحقير للغير، والازدراء به، وأنه لا يستند على دليل يؤيد اتصاف الشخص المعتدى عليه بهذه الصفة القبيحة، ولذلك لا تعتبر أمثال الحالات الآتية سبًا أو شتمًا:

1. عندما يصف الأب ابنه موبخًا بالجهل؛ وذلك لأنه يحثه على الاستنارة بالعلم.

2. عندما يصف القاضي المتهم بأنه سارق، أو زانٍ، أو يتهمه بأنه وحش غادر، أو ذئب بشري؛ لأنه يستند في وصفه للمتهم على جرم فعلي قام به الجاني.

3.عندما يخبر الطبيب مريضه بنقصه بأنه أعمى، أو أعرج أو.. أو..).

4.أيضًا يمكن للمعلم أن يوبخ تلميذه، أو الرئيس مرؤوسيه. وهكذا...

رابعًا: شرح قصد قول الرب لتلميذي عمواس بحسب سياق الحديث:
لم يسخر الرب، ولم يزدر بالتلميذين، ولم يتهمها بالغباء، أو التخلف العقلي، والدليل على أن توبيخ الرب لهما لفائدة، وليس لازدراء أو الإهانة هو مايلي:

1. ترجمت كلمة الغبيان في ترجمة أخرى هكذا: "يا قليلي الفهم"

2. حدد الرب هذا الغباء في: بطء الفهم في الإيمان فقط فيما تكلم به الأنبياء عن شخصه، ولم يلصق الرب بهما صفة الغباء عمومًا، وذلك بحسب قوله: "أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!"، وهذا يعني عدم فهمهما للأحداث بسبب عدم تصديقهما النبوات.

3. لقد كان تقصيرهما في الفهم عيب يستحق التوبيخ لعلهما ينتبهان لخطئهما، ودليل ذلك قول الرب: "في جميع ما تكلم به الأنبياء"، وهذا فيه إشارة إلى أنهما لم يفهما نبوة واحدة من نبوات جميع الأنبياء الكثيرة، والسبب هو عدم الإيمان.

4. يؤكد الرب تقصيرهما في فهم النبوات التي تشهد أنه كان ينبغي أن تتم الأحداث هكذا كما حدثت بحسب نبوات الأنبياء قائلًا: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟"؛ فكلمة ينبغي تكشف أنهما لو درسا النبوات بإيمان لكانا قد اكتشفا ذلك بسهولة.

الجزء الثاني من السؤال:



الويلات للكتبة والفريسيين والصديقين المرائين:
بالقياس وتطبيق ما أوضحناه في الجزء الأول من السؤال لا يكون هناك تناقض، أو شيء يعيب توبيخ الرب لرؤساء الكهنة لما يأتي:

· الرب هو السيد والمعلم، الذي تكلم بكل الحق، وله الحق في توبيخ هؤلاء المعلمين الفاسدين.

· أسند الرب مع كل ويل من هذه الويلات دليلًا من واقع معاملات هؤلاء المُعَلِمينَ الفاسدين مع رعيتهم، وعلى سبيل المثال نعرض بعض نصوص هذه التوبيخات:

1. «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ،.."

2. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامل، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ.

3. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا."

كانت هذه بعض من الويلات الكثيرة، التي أعطاها الرب للكتبة الفريسيين، ونلاحظ أن كل واحدة منها ملحق بها صفة ذميمة، وهي الرياء وأيضًا سبب استحقاق ذلك الويل.

فأين هذا التناقض المزعوم؟!
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:02 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)


4- لماذا أهان الرب المرأة الكنعانية عندما شبهها بالكلاب قائلًا: "فَأَجَابَ وَقَالَ: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب" (مت15: 26).؟


السؤال الرابع

لماذا أهان الرب المرأة الكنعانية عندما شبهها بالكلاب قائلًا: "فَأَجَابَ وَقَالَ: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب" (مت15: 26)؟



الإجابة:

لم يوجه الرب إهانة لشخص المرأة الكنعانية، بل بالعكس مدحها وقدرَّها لإيمانها قائلًا لها:"حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ." (مت15: 28). إن دليل تقديره لها هو استجابته لطلبتها، وذلك بشفائه ابنتها. وسنوضح في النقاط التالية هذا تفصيلا:



أولًا: ما قاله الرب لها كان على سبيل المثل وليس الإهانةً:
· لقد كان ذلك مثلًا معروفًا: إن ما يؤكد أن ذلك كان مثلًا، وليس شتيمة لهذه المرأة هو ما يأتي:

1. استخدام المرأة لنفس تشبيهات المثل في ردها على الرب؛ ولذا تؤكد إجابتها معرفتها للمثل بقولها: "... نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" (مت 15: 27). لقد كانت هذه المرأة فينيقية سورية من منطقة صور، وكان هذا المثل مفهومًا في بيئة هؤلاء الأممين الوثنيين، الذين اعتادوا أن يدللوا ويربوا الكلاب في منازلهم، وهذا بعكس اليهود، الذين كانوا يعتبرون الكلب حيوانًا ينجس من يلمسه.

2. يوجد في اللغة اليونانية - التي كُتب بها الإنجيل - أكثر من كلمة تدل على الكلب كحيوان، لكن الكلمة المستخدمة، التي نطقها الرب تعني جروًا أو كلبًا صغيرًا يُرَبىَ في البيوت، وهذا اللفظ يتوافق مع معنى المثل.

· المقصود هو المعنى: جرى العرف في حالة التكلم بالأمثال أن المقصود هو المعاني وليست الكلمات في حرفيتها.

مثال: عندما نقول لأم: "القرد في عين أمه غزال" أنت لا تعني أن تشتم الأم بوصفك لابنها بأنه حيوان، أو قرد، ولكنك تقصد قيمة هذا الطفل الثمينة في عيني أمه، أو قد تقصد أيضًا التلميح بأن الطفل ليس جميلًا بدرجة كبيرة، ولكنه له تقدير عظيم في عيني أمه لسبب حبها له، وهكذا...



· معنى مثل الرب يسوع: لقد قصد الرب يسوع أن يُبين ما يلي:

1. من المفترض والطبيعي أن يكون اليهود أبناء أب الآباء إبراهيم هم المستحقون، والأجدر بالبركات والنعم قبل غيرهم، لأن الله تعهدهم بالرعاية لأجل إيمان الأتقياء منهم (كإبراهيم أبيهم). لقد أعدهم الله للبركات على مدى أزمنة كثيرة، فأرسل لهم الأنبياء ليعرفهم ناموسه، وكشف لهم عن تجسده وفدائه، و.. و.. لقد أئتمنهم على معرفته كقول معلمنا بولس الرسول: "إِذًا مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟ كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلًا فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ." (رو3: 1- 2). لقد قصد الرب أن يعلن للجموع تلك الحقيقة، وهي أن اليهود هم الأجدر بالنعمة؛ لأنهم مُهَيَئُونَ لقبولها أكثر من الأمم (ولكنهم للأسف تهاونوا ولم يؤمنوا به). لقد فهمت المرأة المعنى تمامًا، وأكدت وصدقت عليه بطلبها من الرب الفتات الساقط من مائدة الأبناء (أي اليهود).

2. هناك إشارة لعدم استحقاق من يحيا في نجاسة للبركات، وذلك لأن الكلب عمومًا من الحيوانات غير الطاهرة كما هو معروف في الناموس. إن الكلاب ترمز إلى العيش بالشهوات. والنجاسات. وقد مارس شعب هذه المرأة الفينيقية النجاسات كطقوس ضرورية لعبادتهم إرضاءً لآلهة الخصوبة. لقد كانت هذه المرأة نجسة بحكم عبادتها لآلهتها

ثانيًا: القول هو تقرير لحقيقة قدسية الله، وطهارته:
· الله قدوس، ولذا فهو حريص على قداسة شعبه. لقد علم الله شعبه مفهوم القداسة والنجاسة من خلال الطبيعة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالحيوانات الطاهرة هي التي تجتر ومشقوقة الظلف. أما غير الطاهرة فهي المفترسة وهي أيضًا ذات الصفات الذميمة. إن ما أراده الله من استخدام هذه الأمثلة المعروفة في البيئة الطبيعية هو التأمل في صفات هذه الحيوانات سواء طاهرة أم نجسة، والامتناع عما بها من صفات دنيئة. فالحيوانات الطاهرة عمومًا هي آكلة للحشائش أي لا تتغذى على غيرها، وهي أيضًا التي تجتر أي تخرج ما تختزنه من طعام في حويصلة بمعدتها؛ لتعيد مضغه مرة أخرى، وهذا يشير للهج والتأمل الدائم في كلمة الله. أما عن شق الظلف في الحيوانات الطاهرة: فهو يشير لعدم الاهتمام بالأمور الدنيوية؛ وذلك لأن الأظافر أو الظلف في الحيوانات قد تقص أو تقطع دون أن يسبب ذلك ضررًا لها، بل لفائدة ما. إن ذلك يشير لوجوب عدم الاستجابة لشهوات أو أهواء الجسد التي يجب الامتناع عنها كقول معلمنا بولس الرسول: "وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ." (غل5: 24).



· استخدام اللفظ في الكتاب المقدس: استخدم الكتاب المقدس لفظ الكلاب كتعبير، أو مصطلح يدل على النجاسة وذلك بناء على تعليم الكتاب عن الحيوانات الطاهرة، وغير الطاهرة. لقد أطلق الكتاب هذا اللفظ على فئات من الأشرار ليشير إلى كثرة شرهم، وعدم طهارتهم، وصفاتهم البغيضة، وبدراسة كيفية استخدام هذه الكلمة نجد أن المقصود بلفظ الكلب ليس دناءته لأنه حيوان، ولكن المقصود تحقير ما في الناس من الصفات الذميمة لهذا الحيوان، ويمكننا التأكد من ذلك في قول معلمنا بطرس الرسول: "قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِي الْمَثَلِ الصَّادِقِ:«كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ»، وَ«خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ». (2بط2: 22). إن ذلك اللفظ في الكتاب المقدس يُستخدم كثيرًا كاصطلاح (expression) يشير لمدلول روحي توارثته الأجيال اليهودية وهو: النجاسة، وليس المقصود المعنى الحرفي للكلمة. وكمثال لذلك قول سفر الرؤيا: "لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا." (رؤ22: 15). من الآية السابقة نلاحظ أن الوحي الإلهي وضع الكلاب ضمن فئات كثيرة من الأشرار ليُشير إلى صفات أو شرور معينة لهذه الفئة من الأشرار أنهم سيدانون لأجل تلك الشرور. هم تمثلوا في شراهتهم للنجاسات والشهوات بهذه الحيوانات التي لا تَشبَع من أكل الجيف الميتة، ولحس الدماء.


ثالثًا: المثل لا يمثل سب أو شتيمة في حق هذه المرأة حسب الأعراف المتفق عليها:
الشتم أو السب هو وصف الشخص بصفات ذميمة دون إسناد واقعي (نرجو الرجوع لإجابة السؤال السابق). لقد كانت هذه المرأة تمارس النجاسات من خلال عبادتها الوثنية؛ ولذا صدّقت ولم تعترض على وصف الرب مؤكدة استحقاقها للتوبيخ. إن كلام الرب يدخل تحت بند التوبيخ على عدم الكف عن الشهوات، وممارسة النجاسات.


رابعًا: أراد الرب إظهار عظمة إيمان هذه المرأة:
لقد أراد الرب أن يعلن قيمة الإيمان، الذي يتخطى كل الصعاب، وينتصر بجدارة. لقد انتصر إيمان هذه المرأة عندما تأنى الرب عليها، ولم يجبها بكلمة واحدة، ولكنها لم تتوقف عن الصراخ إليه حتى أن التلاميذ طلبوا منه أن يصرفها بحسب قول معلمنا متى الإنجيلي: "وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!». (مت15: 22- 23). ظلت المرأة متمسكة بإيمانها، وهنا أجاب الرب تلاميذه قائلًا: "... لمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» (مت 15: 24). بعد ذلك فاح عبير الإيمان العظيم لتلك المرأة بسجودها له، ثم بتمسكها به كمخلص، وثقتها في محبته وقدرته، وأيضًا بإعترافها بنجاستها، وعدم إستحقاقها كشهادة الكتاب القائل: "فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». فَقَالَتْ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». (مت15: 25- 27). إنها حكمة الرب التي أظهرت إيمان هذه المرأة فإستحقت لإيمانها أن تُضَم لبنوية أولاد الله كقول معلمنا يوحنا الحبيب: "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ." (يو1: 11- 13).
الخلاصة:
لقد سقط الأبناء من بنوتهم لله بسبب عدم إيمانهم، وإرتفعت الخاطئة لتفوز بنعمة التبني. لقد أعطى الرب الجميع -يهودًا وأممًا من خلال تدبيره وحكمته في التعامل مع هذه المرأة- درسًا عن كيفية الفوز بنعمة التبني له. كشف الرب عن عظمة إيمان الكنعانية، وإستحقاقها لنعم الله بجدارة أكثر من كثيرين من البنين، الذين جاء لهم خصيصًا ولكنهم لم يؤمنوا به فَرُفِضوا.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:03 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

5- هل يصح أن يلعن إليشع النبي صِبْية صغار لأنهم هزأوا به، ألا ينم ذلك عن قساوة شديدة؟ ولماذا استجاب له الله، وأرسل دبتين من الوعر فافترستا منهم إثنين وأربعين ولدًا؟!


السؤال الخامس

هل يصح أن يلعن إليشع النبي صِبْية صغار لأنهم هزأوا به، ألا ينم ذلك عن قساوة شديدة؟ ولماذا استجاب له الله، وأرسل دبتين من الوعر فافترستا منهم إثنين وأربعين ولدًا؟!


الإجابة:

الشاهد الكتابي للواقعة:
" ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ. وَفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ فِي الطَّرِيقِ إِذَا بِصِبْيَانٍ صِغَارٍ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَسَخِرُوا مِنْهُ وَقَالُوا لَهُ: «اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ! اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ!». فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَائِهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الْوَعْرِ وَافْتَرَسَتَا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَدًا" (2مل2: 23- 24).



تُظهر الدراسة المتأنية بوضوح أن النبي تعرض فعلًا لمحاولة قتل متعمد، وليست الواقعة مجرد استهزاء لبعض الأطفال اللطفاء. لقد كان هؤلاء الصبية قادرين على القتل. إن تبعية ما حدث لهم من مقتل اثنين وأربعين منهم تقع على آبائهم بسبب التربية الخاطئة لأبنائهم. أما لعن النبي لهؤلاء الصبية فما هو إلا طلب النجدة من الله لإنقاذه. وفيما يلي نشرح ما يؤكد ذلك تفصيلًا:



أولًا: حقائق دراسية لا يمكن إغفالها:
· تعريف كلمة صِبْية: إن كلمة صبي في اللغة العربية تنطبق على من لم يبلغ بعد مرحلة البلوغ، ويتضح هذا من جرأتهم، ومشاغبتهم، وعدم اكتراثهم بكبار السن أمثال أليشع النبي، فكيف يكون هذا تصرف أطفال أبرياء لطفاء؟!

· مدينة بيت إيل: هي مركز للعبادة الوثنية، حيث كانت عبادة الله محتقرة هناك، وأنبياؤه مكروهين، ويمثلون هدفًا ليس للاستهزاء فقط، بل للقتل أيضًا، وقد أعلن إيليا (النبي السابق لإليشع) عن شدة اضطهاد الوثنيين لشعبه بقتلهم أنبياء الله، وهدم مذابحه المقدسة، حتى ظن أنه أصبح المؤمن الوحيد بالله، في ذلك الزمان، ولكن الله طمأنه قائلا: "وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ» (1مل 19: 18).

· مكان الواقعة: لقد حدثت الواقعة في الطريق المؤدي إلى البلدة ولم تحدث في نادٍ، أو ساحة في المدينة معدة للهو البريء المنظم، لكن الصبية خرجوا خصيصًا، وليس مصادفةً لملاقاة النبي خارج مدينتهم. فما هو غرضهم من خروجهم إليه إلا الاعتداء عليه؟!

· أعداد الصبية: لقد كان عدد الصبية المجتمعين على النبي كافيًا للإيذاء، الذي قد يصل إلى القتل بدليل قول الكتاب: أن الدبتين قتلتا منهم اثنين وأربعين صبيًا. فترى كم كان إجمالي عدد هؤلاء الصبية؟


ثانيًا: الاستنتاج المنطقي:
لم تكن هذه الواقعة مجرد لعب بريء، بل كان النبي هدفًا للاعتداء المتعمد من أهل تلك المدينة، وفيما يلي بعض الدلائل على ذلك:

· لم يكن هؤلاء الصبية أطفال لطفاء صغار العمر كأطفال الحضانة الأبرياء (رياض الأطفال أو.K.Gs) كما يظن البعض، لكنهم كانوا صبية في سن أولاد النصف الأخير من المرحلة الابتدائية، أو سن المرحلة الإعدادية.

· كان هؤلاء الصبية مهيئين لعمل أي شيء بدءًا من الإهانة والسخرية من النبي، وانتهاءً إلى الإيذاء البدني والقتل، وذلك حتى وإن افترضنا جدلًا أنهم لم ينووا ذلك، ومن منا يمكنه التنبؤ بما كان ممكنًا أن يحدث من هؤلاء الصبية المندفعون بأحقادهم وطيشهم؟! فيما يلي نذكر بعض الدلائل على ذلك:

1. توفر لديهم عامل الأكثرية بالمقارنة بخصمهم، الذي هو ذلك النبي الغريب الوحيد في الطريق، ومن المعروف أن توفر الأكثرية يؤثر على مزاج ونفسية المتجمهرين، فيشجع ويساعد جدًا على حدوث الشغب، بل والبلطجة أحيانًا، وعدم الانضباط أيضًا، وقد شهد الكتاب عن موقف مماثل لذلك أثناء خدمة بولس الرسول في مدينة أفسس قائلًا: "وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ الشَّعْبِ، لَمْ يَدَعْهُ التَّلاَمِيذُ. وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَسِيَّا، كَانُوا أَصْدِقَاءَهُ، أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَشْهَدِ. وَكَانَ الْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ، لأَنَّ الْمَحْفِلَ كَانَ مُضْطَرِبًا، وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا!" (أع19: 30- 32).

2. طبيعة الصبية في هذه السن تجعل الأغلبية منهم يميلون إلى الصلف، والاستهتار بالآخرين، خصوصًا من لم يحظَ منهم بتربية سليمة، فيصبح من السهل عليه الانسياق للأهواء الدنيئة بطيش وحماقة، وقد عبر سليمان الحكيم في سفر الأمثال بدقة عن تصرفات أمثال هؤلاء الصبية بقوله: "... وَالصَّبِيُّ الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ. إِذَا سَادَ الأَشْرَارُ كَثُرَتِ الْمَعَاصِي، أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَيَنْظُرُونَ سُقُوطَهُمْ" (أم 29: 15، 16).

3. العدائية والبُغضة الشديدة، التي تملكت قلوب هؤلاء الصبية، نتيجة لنشأتهم في وسط وثني يشجع على الفجور والعنف والازدراء بالآخر، وقد شهد الكتاب عن أمثال هؤلاء الصبية ذوي القلوب المملوءة بغضةً قائلًا: "اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ، وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوب" (أم 10: 12).



مثال عملي:
مازالت ذاكرتنا تحتفظ بذكريات كثيرة مؤلمة حدثت أثناء ثورتي بلادنا الحبيبة مصر (25 يناير و30 يونيو)، والتي بثتها شاشات وسائل الإعلام المرئية عن الكثير من المشاهد العدائية الكثيرة، والمؤلمة لتجمعات معظم محتشديها من الصبية المنتمين لجماعات إرهابية، وغيرهم من صبية ضالة، وهم يحرقون الممتلكات العامة، بل وحتى المتاحف الأثرية مستخدمين القنابل الحارقة، ويقذفون الحجارة بطريقة عشوائية، وينهبون المحلات والممتلكات العامة والخاصة، ويعتدون على الأبرياء، ويسخرون من النساء في الشوارع، ويسيئون إليهم لا لشيء سوى أنهم نساء، بل أكثر من هذا يعتدون بالقتل على كل من لا يتفق مع عقيدتهم، ذلك لأنهم رضعوا الكراهية في صغرهم كاللبن من أمهاتهم، ثم أُطلقوا لهواهم ليعتدوا على الآخرين بحجة أن كل مختلف عنهم فهو كافر.
ت

ثالثًا: التخيل المنطقي لأحداث الواقعة:
بحسب التخيلات البسيطة، والمنطقية للواقعة يكون تسلسل الأحداث لهذه الواقعة كما يلي:

· أن البعض رأوا النبي في طريقه إلى المدينة، فأبلغوا، -من رأوه من سكان المدينة- أن النبي يسير وحيدًا في الطريق.

· اندفع هؤلاء الصبية بعدما سمعوا الخبر بدافع الكراهية والعدائية، التي تسلموها من آبائهم من مكان لهوهم المعتاد بداخل المدينة إلى خارجها، وقد سبقوا آبائهم الذين كان بعض منهم خلفهم في الطريق.

· تزايدت أعدادهم أثناء خروجهم إلى النبي، فليس من المنطقي أن يكون عددهم بهذه الكثرة أثناء لهوهم في بادئ الأمر (فما هي اللعبة التي يشترك فيها اثنان وأربعون صبيًا مصادفة، دون أن ينظمهم قائد أو مشرف؟!)، بل أتخيل أنهم كلما ساروا في الطريق التف حولهم صبية آخرون؛ نتيجةً لهتافهم وضجيجهم ضد النبي، فقد اعتبر الآخرون صراخهم دعوة لانضمامهم لهم، حتى وصلوا إلى حيث كان النبي، وقد كونوا شبه مظاهرة تفوق الخمسين فردًا على أقل تقدير.

· ابتدأ النبي يصرخ لله ويستجير به، وهنا طلب من عدالة السماء أن توقف هذا الشر عنه ولعنهم.

· استجاب الله بحسب وعده القائل: "لأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْمَسْكِينِ، لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ." (مز 109: 31). فأرسل هاتين الدبتين فتفرق هؤلاء المعتدين في رعب، وحدث ما حدث.


رابعًا: موقف النبي:
1. كان الموت يقترب من أليشع النبي، فهو لا يعلم ما سَيُسْفر عنه تجمهر هؤلاء الصبية المطلقين دون ظابط أو رابط، ومن المعروف أن رجال الدين اليهود كانوا يغطون رؤوسهم بغطاء، فكيف انكشف غطاء رأس النبي دون أن يقترب منه أحد هؤلاء الصبية، ويشتبك معه، وينزع غطاء رأسه على سبيل الاستهزاء؟! وبالطبع من المنطقي أن هؤلاء الصبية ليس لديهم مانع من قذف النبي بالحجارة، ولما لا يكون أحدهم قد أمسك بالحجارة فعلًا لقذفه بها وقلده باقي الصبية؟

2. كان أليشع النبي في ضيقة حقيقية، وكان ينتظر الموت بين لحظة وأخرى، بل كل لحظة كانت تمر عليه وكأنها قد صارت دهرًا، لذا لعنته لهؤلاء الأشرار هي بمثابة لجوء إلى لله لطلب عدالته، لإنقاذه، وهل يستهتر أحدنا إذا رأى عقربًا يقترب منه بحجة صغر حجمه؟! أم يُقَدِر الموقف بمدى الخطورة الناشئة عنه فيستجير في فزع طالبًا النجدة؟

3. هل من المنطقي أن يلام النبي، مع أنه لم يَعتَدِ على أحد، بل هو المُعتَدىَ عليه، فهو لم يفعل شيئًا سوى اللجوء لله؟ وهل من العدالة أن يدّعي أحد أن هؤلاء الأشرار قلة من الأطفال الصغار اللطفاء الظرفاء يتفكهون مع النبي لبعض الوقت ببعض الفكاهات المضحكة... عجبًا...؟

4. ما الغرابة في لعن نبي لبعض الأشرار؟ فوظيفة النبي هي التنبؤ بالبركة والخير للأبرار، والتنبؤ باللعن أي الشر القادم على الأشرار، وذلك كقول الله لإرميا النبي: "اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ» (إر1: 10).


خامسًا: موقف آبائهم وشرورهم:
أن أعظم مثال شاهد على شر آباء هؤلاء الصبية هو ما يحدث الآن في زماننا الحالي من جماعات إرهابية: فأحيانًا نراهم على شاشات وسائل الإعلام، يُعطون ابناءهم سكينًا ليذبحوا به أحد الأبرياء، فهل إن استجاب الله لصراخ الضحية، فخرج دب وافترس مثل هذا الصبي يأتي مَن يلوم الله بسبب صِغَر عمر القاتل وبراءته؟ إن آباء أمثال هؤلاء الصبية يتحملون المسؤولية كاملة عن ما حدث. لقد شعرت المدينة كلها بهرولة هؤلاء الصبية، وهياجهم، وخروجهم للقاء النبي، وهل من المعقول أن يدعي أحد أن آباءهم لم يشعروا بكل ما حدث؟! بالطبع لا، إلا إذا كان خروجهم قد تم في هدوء ونظام محكم، وإنه من الطبيعي، بل من المؤكد خروج بعض من كبارهم وراءهم، وهم الذين دفعوهم، وشجعوهم على الاعتداء على النبي. نعم إنهم المسئولون عن تصرفات أبنائهم، وإلا لماذا لم يقم كبير أو حكيم لينتهر هؤلاء الصبية، أو الأطفال الأبرياء (بحسب ظن المعترضين)؟

سادسًا: موقف الله القدير، والقاضي العادل:
1. كانت هذه الشعوب تعتقد بقوة آلهتها، ولذلك كانت الحروب في اعتقادها حروبًا بين الآلهة، فإن كان هذا النبي (فرضًا) قد قُتِلَ، ففي هذه الحالة تكون آلهتهم الوثنية قد انتصرت على الله، أما إن أظهر الله قوته، وانتقم بِعدلٍ من هؤلاء الأشرار، فتلك ضربة لهذه الآلهة الشريرة، وعقاب لهؤلاء الصبية الأشرار ولآبائهم الذين يتبعون آلهة شريرة، والتي هي في الواقع شياطين شريرة تحركهم، وليست فقط أصنامًا أو حجارة كقول الكتاب: فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ، أَوْ إِنَّ مَا ذُبحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ ِللهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ" (1 كو 10: 19، 20).

2. إن افترضنا جدلًا أن الله بقي ساكنًا، ولم يتحرك ليُجِير النبي، فهل لا يأتي من ينتقد الله لأنه لم يقض للنبي؟ وهل لا يتساءل معترضًا قائلًا أين دور الله كقاضٍ عادل وإله يُظِهر حبه لخادمه ونبيه، الذي كرس نفسه لأجله؟! وألا يتساءل أحد أيضًا عن وعده الصادق القائل: "لأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْمَسْكِينِ، لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ." (مز 109: 31). ؟! وألا يستدعي ذلك في هذه الحالة التعجب، لأن الله لم يستجِب لنبيه الذي قد بدأ عمله كنبي منذ زمن حديث، ولكن الله تركه مع أول تجربة يتعرض لها؟!

3. تدخل الله لإنقاذ خادمه فيه إعلان، وتكريم لخدامه بحسب قول الكتاب: "وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ، فَاخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْفُضُوا التُّرَابَ الَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْك الْمَدِينَةِ» (مر 6: 11). وهذا مطلوب لكي يعطي الله أمثال ذلك النبي مهابة في عيني شعبه، ومخافة في قلوب المناقضين، والمخالفين المستهزئين الساخرين، لعلهم يدركون الحقيقة ويتوبون عن شرهم وافتراءاتهم، وليكونوا عبرة أيضاُ لأشرار كثيرين غيرهم، وشهادة لعظمة الله الذي قال: "... فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ" (1صم2: 30).

4. على من لا يدركون حقيقة أن الله مُنتقم من الأشرار أن يدركوا ذلك، ويخافوه، فالنبي لم ينتقم لنفسه، بل طلب هذا من الله الذي له حق الانتقام للأبرياء، حينما شاء، وحسبما شاء، بحسب وعده القائل: "لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاءُ. فِي وَقْتٍ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ. إِنَّ يَوْمَ هَلاَكِهِمْ قَرِيبٌ وَالْمُهَيَّآتُ لَهُمْ مُسْرِعَةٌ" ( تث 32: 35).

أخيرًا:
لقد خلص الله النبي من الموت بهذه الأعجوبة، وأظن أنه لولا ظهور هاتين الدبتين لكان هذا النبي قد تعثَّر، وسقط على الأرض، فانهال عليه الصبية يقذفونه بالحجارة حتى الموت. فهل في هذا الوقت سيظل قول المعترضين بأن هؤلاء القتلة صبية صغار يلهون؟! أم سيتغير القول ليصبح "لماذا لم يفرقهم الله بأي وسيلة أخرى".

وعلى ذلك يجب القول: أنها أحكام الله المملوءة حكمة، فقد تكون هذه الواقعة قد ألقت المخافة في قلوب الكثيرين، وقد تكون سببًا لإظهار كرامة هذا النبي، وإعطائه هيبة في أعين شعب إسرائيل كسابقه إيليا النبي، وقد تكون... وقد تكون... وقد تكون... فما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقة عن الاستقصاء.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:05 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

6- لماذا ضرب الرب عُزَّةُ وأماته عندما مد يده ليسند تابوت العهد خوفًا عليه من السقوط؟ ألم يكن خوف عُزَّةُ على التابوت يعبر عن نية حسنة، ويحسب له على سبيل التكريم لتابوت عهد الله؟


السؤال السادس

لماذا ضرب الرب عُزَّةُ وأماته عندما مد يده ليسند تابوت العهد خوفًا عليه من السقوط؟ ألم يكن خوف عُزَّةُ على التابوت يعبر عن نية حسنة، ويحسب له على سبيل التكريم لتابوت عهد الله؟


الإجابة:

الله هو القدير ذو المجد والسلطان الأعظم، وهو مستحق التقدير والمهابة من خلائقه. ولا يتحقق ذلك دون الخضوع لما وضعه الله من أحكام وقوانين وشرائع. أما من يعتدي على أحكامه فلا حق له في التضرر لما وقع عليه من عقاب استحقاقًا لتعديه، وفيما يلي بعض النقاط الهامة التي توضح ذلك بالتفصيل:



أولا:ً هيبة الله ضرورة ملازمة لعظمته وسلطانه:
الهيبة هي تقدير واحترام ومخافة ذو السلطان في أعين الناس، وهي تنشأ نتيجةً وتأثرًا بعظمته ومجده وقدرته، وكلما زادت عظمته زادت هيبته، وأعظم مثال يوضح ذلك هو اختلاف هيبة رؤساء الدول بحسب عظمتهم، فرئيس دولة عظمى له هيبة أعظم مقارنةً برؤساء الدول الصغيرة، وأيضًا لا يمكننا أن نقارن ما يتمتع به ملك، أو رئيس دولة من هيبة في قلوب رعاياه بمن يشغل منصبًا بسيطًا. أما الله فهو العظيم القدير والقدوس، الذي بيده السلطان، وهو الخالق الذي يضبط الكون كله، وكافة الخليقة، ولا حدود لقوته، أو عظمته، فلابد أن يكون له مهابة وقدسية عظيمة من ملائكته وخليقته كقول سفر الرؤيا: وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ:«عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ! مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ" (رؤ 15: 3- 4).

لقد أعلن الكتاب المقدس عن هيبة الله وأيضًا عن ضرورة مراعاة الإنسان لتلك الهيبة، وفيما يلي نعرض لذلك بالشرح:



· الإعلان عن هيبة الله:
1. نزول الله على جبل سيناء كان مهيبًا، فالجبل كان يرجف ويحترق بالنار، والدخان يتصاعد منه، وهو محاط بسحاب ثقيل وصوت بوق يدوي حتى ارتعب الشعب، وطلبوا من موسى أن يتكلم مع الله كوسيط بين الله وبينهم.

2. تجلت مظاهر عظمة وقداسة الله عندما رأى إشعياء النبي عظمة مجده فصرخ حينئذ قائلًا: "... «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». (إش6: 5).

3. رآه يوحنا الحبيب فوقع عند رجليه كميت، لأنه لم يحتمل الصمود أمام هيبة مجد الله، وقد سجل ذلك في رؤياه قائلًا: "فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلًا لِي:«لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ." ( رؤ1: 17- 18).

4. قدس البشر الله وهابوه حتى أنهم قدسوا الأماكن التي رأوه فيها، فيعقوب -أب الآباء- عندما رآه في حلم، وهو هارب من وجه أخيه قال عن ذلك المكان: "... «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!». وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». (تك28: 16- 17). وموسى النبي خلع نعل رجليه بأمر الرب عندما رآه في العليقة المشتعلة بالنار، والتي لم تحترق لأن ذلك المكان تقدس بحضور الرب، وهكذا...

● ضرورة مراعاة الإنسان لهيبة الله: لابد أن يتعامل الإنسان مع الله من منطلق عظمة قداسته، فهو القدوس الذي لا يدنو منه شر، وهو يشاء أن يطهرنا، ويهبنا من قداسته إن قدسناه في قلوبنا كقول معلمنا بطرس الرسول: "بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ،... " (1بط3: 15)، ولذلك عَلّم الله شعبه كيف يَعبِده باتضاع، وفي خشوع ومهابة فهو القدوس، وهذا واجب ومنطقي جدًا، فإن كانت الدول تضع البروتوكولات المعقدة للتعامل مع ملوكها ورؤسائها ليحافظوا على هيبة عظمائهم. ألا يقدس البشر الله، ويحفظوا مقدساته (كتابوت عهد الله)، ولا يقتربوا منها إلا بحسب ما وَضَعَ الله لهم من ترتيب ونظام (طقوس) ؟

لقد علمنا الكتاب المقدس ذلك في مواضع كثيرة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

1. " فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ، وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ" (مز2: 10- 11).

2. " الْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ أَمَامَهُ. الْعِزَّةُ وَالْبَهْجَةُ فِي مَكَانِهِ. هَبُوا الرَّبَّ يَا عَشَائِرَ الشُّعُوبِ، هَبُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَعِزَّةً. هَبُوا الرَّبَّ مَجْدَ اسْمِهِ. احْمِلُوا هَدَايَا وَتَعَالَوْا إِلَى أَمَامِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ." (1 أخ 16: 27- 29).

3. "يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ، قُدُّوسٌ هُوَ" (مز 99: 3)، وهكذا..
ثانيًا: تابوت عهد الله القدوس:
● تابوت العهد يعلن عن حضور الله وسط شعبه:
أعطى الله شريعته مكتوبة لموسى النبي على لوحين من الحجارة، وقد أحاط الله استلام لوحي العهد بجو من المهابة الشديدة له، ولكلمته المكتوبة فيهما؛ لأنهما يعتبران من أهم المقدسات الإلهية في العهد القديم، وهما يمثلان حضور الله وسط شعبه، ولذلك أمر الله موسى النبي قبل صعوده للجبل ليستلم لوحي الوصايا قائلًا: "انْحَدِرْ حَذِّرِ الشَّعْبَ لِئَلاَّ يَقْتَحِمُوا إِلَى الرَّبِّ لِيَنْظُرُوا، فَيَسْقُطَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ. وَلْيَتَقَدَّسْ أَيْضًا الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إِلَى الرَّبِّ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِهِمِ الرَّبُّ" (خر19: 21- 22).



· طريقة، وطقس (برتوكول) التعامل مع التابوت:
وضع الله مقدساته (تابوت العهد) ليحيا البشر من خلالها حياة سامية مقدسة، ومثال ذلك في العهد الجديد التناول من الأسرار الإلهية. لقد كانت قدسية الله ممثلة في قدسية هذا التابوت، ولذلك حدد الله نظامًا معينًا للتعامل معه كالتالي:

1. الكهنة (بني هارون) هم وحدهم الذين يغطون التابوت عند نقله بأغطية معينة، ولا ينظره أحد غيرهم، حتى اللاويين من عشيرة القهاتيين المكلفين بحمله كقول الكتاب: "وَلاَ يَدْخُلُوا لِيَرَوْا الْقُدْسَ لَحْظَةً لِئَلاَّ يَمُوتُوا». (عد4: 20).

2. كلف الله اللاويين بني قهات بحمل التابوت على أكتافهم، وليس على عربة قائلًا: "وَمَتَى فَرَغَ هَارُونُ وَبَنُوهُ مِنْ تَغْطِيَةِ الْقُدْسِ وَجَمِيعِ أَمْتِعَةِ الْقُدْسِ عِنْدَ ارْتِحَالِ الْمَحَلَّةِ، يَأْتِي بَعْدَ ذلِكَ بَنُو قَهَاتَ لِلْحَمْلِ وَلكِنْ لاَ يَمَسُّوا الْقُدْسَ لِئَلاَّ يَمُوتُوا. ذلِكَ حِمْلُ بَنِي قَهَاتَ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. " (عد4: 15)...

وهكذا رسخ الله مهابته، وقدسيته في أذهان كل الشعب، وأصبح ذلك معلومًا للجميع بل أيضًا للشعوب الغريبة مثل الفلسطينيين الذين عندما استولوا على التابوت، وأرادوا الاستهانة به ضربهم الله بالأمراض، حتى اضطروا أن يعيدوه لشعب بني إسرائيل مكرمًا، ومعه تقدمات من الذهب إكرامًا لله.
ثالثًا: الممنوع الذي لا سماح فيه:
هناك أمور لا يَسمح ذو السلطان بانتهاكها، أو حدوثها نهائيًا، ولا مبرر ولا عذر لحدوثها، ولا استثناء في ذلك ولو لمرة واحدة، وذلك بسبب أهميتها وقدسيتها، أو لخطورتها الشديدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكمثال لذلك لا يُسمح بالاقتراب من المواقع العسكرية، وما يخص أمن أي دولة من معلومات مُحاطًا بالسرية التامة، ولا سماح بالوصول إليها أو الاطلاع عليها، وأيضًا غير مسموح بالاقتراب من أماكن تواجد الملوك والعظماء بدون الالتزام ببروتوكولات محددة للقائهم، وهكذا أيضًا مقدسات الله لا سماح بالتعامل معها دون الالتزام بشرائع وأنظمة حددها الله مُسبقًا، ولكن قد يتساءل أحد: وماذا لو حاول أحد أن ينتهك أو يخترق الممنوع ؟ والإجابة بالطبع معروفة من خلال الأمثلة السابقة وهي: أن ذي السلطان لن يسمح بذلك، حتى ولو أدى الأمر لاستخدام القوة للمنع، فالممنوع هو ما لا سماح فيه أبدًا.

رابعًا: كيف وصل التابوت لبيت عٌزَّةُ؟:
· زاد شر إسرائيل في فترة كهنوت عالي الكاهن، فأسلمهم الله ليد الفلسطينيين لشرهم، فتمثلوا بالوثنيين وحملوا التابوت، وذهبوا ليحاربوهم، ولكنهم انكسروا أمامهم، واستولى الفلسطينيون على تابوت الله.

· استهتر الفلسطينيون بالتابوت ووضعوه في هيكل إلههم داجون كعلامة على انتصار إلههم على الرب.

· ضرب الرب الفلسطينيين بالأمراض، ثم بعدما تأكدوا أن السبب هو إهانتهم للتابوت، قرروا إعادته بحسب قول الكتاب:" فَثَقُلَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَى الأَشْدُودِيِّينَ، وَأَخْرَبَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِالْبَوَاسِيرِ فِي أَشْدُودَ وَتُخُومِهَا. وَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أَشْدُودَ الأَمْرَ كَذلِكَ قَالُوا: «لاَ يَمْكُثُ تَابُوتُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عِنْدَنَا لأَنَّ يَدَهُ قَدْ قَسَتْ عَلَيْنَا وَعَلَى دَاجُونَ إِلهِنَا». (1صم5: 6- 7) ملحوظة: هذا العقاب كان مُخَففا،ً لأن الله لم يعلن لهم عن عظمته ومجده كما أعلن لبني إسرائيل.

· أرجع الفلسطينيون التابوت بعد ثلاثة أشهر، وذلك بعدما نفَذوا بدقة مشورة حكمائهم القائلة لهم: "فَالآنَ خُذُوا وَاعْمَلُوا عَجَلَةً وَاحِدَةً جَدِيدَةً وَبَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يَعْلُهُمَا نِيرٌ، وَارْبِطُوا الْبَقَرَتَيْنِ إِلَى الْعَجَلَةِ، وَأَرْجِعُوا وَلَدَيْهِمَا عَنْهُمَا إِلَى الْبَيْتِ. وَخُذُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَاجْعَلُوهُ عَلَى الْعَجَلَةِ، وَضَعُوا أَمْتِعَةَ الذَّهَبِ الَّتِي تَرُدُّونَهَا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ فِي صُنْدُوق بِجَانِبِهِ وَأَطْلِقُوهُ فَيَذْهَبَ" (1ص6: 7- 8)، فلما فعلوا كذلك انطلقت البقرتان المرضعتان في طريقهما إلى بيت شمس (أول حدود إسرائيل)، ولم تهتما برضيعيهما، فتأكد الفلسطينيون أن ما حدث لهم لم يكن أمرًا عارضًا بل بسبب تابوت الرب.

· تجمهر أهل مدينة بيت شمس اليهودية،ولم يوقروا التابوت المقدس كما ينبغي كما تأمرهم شريعة موسى النبي، بل نظروا ما بداخله، مخالفين بذلك أوامر الرب: بألا ينظر أحد التابوت غير الكهنة فضرب الرب منهم الكثيرين.

· صعد أهل قرية يعاريم التي هي بعل يهوذا، وأصعدوا تابوت عهد الرب إلى بيت أبيناداب، وقدسوا (كرسوا) ابنه إليعازار للحفاظ على التابوت المقدس.

· مكث التابوت في بيت أبيناداب، الذي تربى فيه عُزَّةُ وأخوه (حفيدي أبيناداب) حوالي سبعين عامًا.

  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:06 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)


خامسًا: هل أخطًا عُزَّةُ عندما أمسك بالتابوت؟:
الواقعة بحسب نص الكتاب هي: "فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ الْجَدِيدَةَ. فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ اللهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ التَّابُوتِ، وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ. وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ." (2صم6: 3- 6).

بالتدقيق، والبحث يمكننا أن نجزم بخطأ عُزَّةُ مما يلي:

· شهادة الكتاب القائل: "إن غضب الرب حمي على عُزَّةُ "، وليس معقولًا أن الرب غضب على عُزَّةُ دون أن يخطئ.

· يقول الكتاب لأجل غفلهِ، وليس لأجل غفلة، وهذا يعني أنه كان يعلم أن فعله هذا ممنوع، وغير مسموح انتهاك حرمة تابوت الله تحت أي ظرف من الظروف، ولا عذر يبيح ذلك كما أشرنا سابقًا، ولكنه تغافل عن ذلك واللفظ في الترجمات الإنجليزية (his error or his temerity) يعني أخطأ أو تجاسر أو تهور.

· من المفترض أن عُزَّةُ تعلم، واستلم من إليعازار المكلف بحراسة تابوت الله (قد يكون أباه أو عمه) قدسية هذا التابوت وحرمته، وأنه رجع إلى أسفار موسى النبي، ودرس كل ما يتعلق بتابوت الله لأنه من سبط لاوي، وهو أقرب مايكون من تابوت الله ومن المفترض أنه خلال سنوات عمره قد سمع من أهله كيف ضرب الرب الفلسطينيين بالأمراض، وكيف أرجعوا التابوت مكرمًا ومعه تقدمات، وكيف ضرب الرب أهل بيت شمس، لأنهم خالفوا وصايا الله في التعامل معه.

· من المفترض أن يكون عُزَّةُ قد تدرب أن لا يقترب من التابوت أبدًا مهما كان الأمر، حتى أصبح ذلك عقيدة تلقائية لا يمكنه نسيانها، لكن يبدو أنه قد تعود على الاستهتار، واقترب من التابوت مرات كثيرة قبل ذلك، وقد يكون إمساكه بالتابوت نوعًا من الاستعراض أمام الجمع.

· ألم يفكر عٌزَّةُ عندما انشمصت الثيران أن هذا قد يكون غضبًا من الله، خصوصًا أنه يعلم أمر البقرتين المرضعتين، اللتين وضع عليهما الفلسطينيون التابوت، وكيف تركتا رضيعيهما، وسارتا دون أي مقاومة إلى بيت شمس دون أن يميلا يسارًا أو يمينًا. لقد كان واجب عليه أن يوقف العربة، ولا يحاول أن يكمل المسير، لأنه بحسب نص الكتاب كان أخوه أخيو يسير أمام التابوت وهو يسوق العجلة الجديدة الحاملة للتابوت، ولكنه على ما يبدو أنه استدار للخلف ليمسك بالتابوت بدلًا من أن يتوقف. فحمي غضب الرب عليه.


أخيرًا: لماذا لم يتساهل الله مع عُزًّةُ؟:
· أولًا: لو تساهل الله ولم يأخذ موقفًا مثل هذا مع عُزَّةُ أمام هذا الجمع لكان هذا بمثابة تصريح علني من الله بانتهاك المقدسات، ومخالفة وصايا الله ونواهيه، ولضاعت حينئذ هيبة الله، وقدسية مقدساته تحت مبرر أنه تجوز المخالفة لحسن النية.



· ثانيًا: لنفترض جدلًا أن عُزَّةُ صنع ذلك بنية طيبة، لكنه كان لابد أن يموت بحسب القانون الالهي، الذي شرعه الله بخصوص التابوت، وذلك كما يحدث عندما يموت إنسان سقط سهوًا من على جبل عال بسبب قانون الجاذبية الأرضية. وفي كلتا الحالتين لن يعاقبهما الله في الأبدية، لأن ذلك كان حادثًا عرضيًا، لا ذنب لهما فيه، لكنهما كانا لابد أن يموتا طبقًا لقانون الله الخالق، ولا استثناء في ذلك.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:07 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

7- لماذا التركيز على خطية يهوذا، واعتباره خائن؟ ألا تُعتَبر خطية بطرس الرسول مثل خطية يهوذا؟ ولماذا نتغنَّى بتوبة بطرس الرسول بينما لا نُقَدِّر توبة يهوذا وندمه الشديد؟


السؤال السابع

لماذا التركيز على خطية يهوذا، واعتباره خائن؟ ألا تُعتَبر خطية بطرس الرسول مثل خطية يهوذا؟ ولماذا نتغنى بتوبة بطرس الرسول بينما لا نقدر توبة يهوذا وندمه الشديد؟


الإجابة:

إجابة الجزء الأول: الفرق بين خطيئة بطرس الرسول وخطيئة يهوذا الإسخريوطي:

إن ظن البعض بالتشابه بين خطيئة معلمنا بطرس الرسول، وخطيئة يهوذا الإسخريوطي يخالف الحقيقة، ذلك لأن أفعال الإنسان يجب ألا تُقاس بظواهرها كما علمنا الرب بقوله: "لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا». (يو7: 24). ولهذا علينا أن نغوص في تحليل أقوال، وتصرفات كل منهما بعمق. إن الدراسة المتأنية للبشائر الأربع تظهر بوضوح فرقًا شاسعًا بين خطأ الاثنين. وفي النقاط التالية نعرض بعض هذه الاختلافات:



أولًا: الاهتمامات القلبية للإنسان تحدد مصيره:


● كنز الإنسان قلبه:
القلب كنز يدخر فيه الإنسان ما يحبه، وما يهتم به كثيرًا، أو ما يشغل باله. وما يحبه الإنسان ويحتفظ به في قلبه له قيمة عظمى عنده (سواء كان خيرًا أم شرًا). ولهذا سمى ربنا يسوع المسيح القلب بالكنز قائلًا:"اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ." (لو6: 45). إن قول الرب: "كنزه" يعبر عن المعنى السابق، وهو أغلى شيء عند الإنسان، وبالطبع هذا يَشغل الإنسان ويأخذ منه كل اهتمام، ويلهيه عن باقي أموره، ومن السهل عليه أن يضحي بأي شيء لأجله.



● القلب هو مركز ومصدر الفضائل، أو الرذائل:
أكد الرب أن الشرور تنبع من القلب قائلًا: "لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ" (مت 15: 19)، ولذلك علمنا الوحي الإلهي أهمية حفظ الإنسان لنقاوة قلبه قائلًا: "فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ" (أم4: 23). يعتمد خلاص الإنسان على اهتماماته القلبية، فإن كانت تتجه نحو الله يفوز بخلاص نفسه، أما إن كانت تتجه نحو الجسد، والمادة فلن يخلص.


ثانيًا: اهتمامات وأولويات كل من قلب بطرس الرسول، وقلب يهوذا:


· بطرس الرسول:

اتجه بطرس الرسول بقلبه للرب، وما يلي يؤكد ذلك:

§ شهادة الرب له: لقد أحب بطرس الرب من قلبه بصدق، واشتاق لمعرفته، فأعلن له الآب عن ألوهية ابنه (الرب يسوع). لقد مدحه الرب يسوع لاشتياقات قلبه الصادقة نحوه، وشهد له قائلًا: "فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت16: 17).

§ مشاعره الصادقة نحو الرب: أحب بطرس الرب بشدة، وعندما أعلن الرب لتلاميذه عن آلامه وصلبه انتهره بطرس بحماس قائلًا: "... «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!" (مت16: 22). ولما وبخه الرب على قوله، لم يوبخه لأنه غير صادق، بل، لأنه لا يهتم بما لله (مشيئة الله) قائلًا له: "فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ". (مت16: 23).


§ تَعَلُقه واتكاله التام على الرب: أكد الرب للجموع ضرورة أكل جسده، وشرب دمه الأقدسين، ولكن الكثيرين تركوه، ولم يعودوا يتبعوه. عندئذ التفت الرب إلى الإثنى عشر تلميذًا متسائلًا إن كانوا يريدون أن يمضوا هم أيضًا، ولكن القديس بطرس استنكر ذلك بشدة مؤكدًا حبه له، واشتياقه لتبعيته قائلًا: "فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ،" (يو6: 68).

§ تبعيته للرب في آلامه: كان معلمنا القديس بطرس يشاء أن يتبع الرب إلى الصليب، وبالفعل ذهب وراءه إلى دار رئيس الكهنة، وهذا بعكس الكثيرين من التلاميذ الذين تفرقوا عنه.

§ تأثره بنظرة الرب إليه: بعد إنكاره للرب استجاب في الحال لنظرة واحدة من الرب له، بحسب قول الكتاب: "فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ.. فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّ" (لو22: 61- 62). لقد خرج مسرعًا وكأنه استيقظ من كابوس مخيف لا يحتمل أن يعيشه ولو للحظة، ولذا خرج سريعًا نافضًا عنه ضعفه.



· يهوذا الإسخريوطي:

اتجه يهوذا بكامل قلبه نحو المال، فأعطاه أولوية حياته، حتى صار المال هدفه الأعظم. لقد تحقق فيه قول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ." (1تي6: 10). وهذا ما يتضح مما يلي.

§ شهادة الكتاب المقدس: سجل معلمنا يوحنا الإنجيلي هذه الشهادة عن يهوذا في بشارته قائلًا: "فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعط للفقراء قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ" (يو12: 4- 6).

§ استعبد لشهوة المال بجنون: لقد أحب يهوذا المال جدًا، ولم يهمه ماذا سينتج عن هذه المحبة الخاطئة. لقد صار حبه للمال سببًا لعنته، وهلاكه بحسب تعبير النبوة القائلة: "وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ. وَلَبِسَ اللَّعْنَةَ مِثْلَ ثَوْبِهِ، فَدَخَلَتْ كَمِيَاهٍ فِي حَشَاهُ وَكَزَيْتٍ فِي عِظَامِهِ" (مز109: 17- 18). صورت النبوة السابقة تملك شهوة حب المال على قلبه، وكأنها قد أحاطت به تمامًا من كل ناحية كثوب لبسه فغطاه، واخترقت أعماقه الداخلية كما تدخل المياه في الأحشاء لتملأها، وأيضًا كالزيت الذي يتسرب إلى مسام العظام الصلبة لتملأها تمامًا.

لقد كان يهوذا مستعبدا لشهوة حب المال بشدة، ودليل ذلك هو:

1. الثمن الزهيد الذي خان لأجله الرب دليل على أن القليل من المال كان له تأثير خطير عليه.

2. لم يرسل رؤساء الكهنة أحد عملائهم للتفاوض معه في أمر تسليم الرب لهم، لكنه ذهب بنفسه ليتمكن من التفاوض معهم على المزيد.

3. كان جريئًا في شره أو سرقته للصندوق، بدليل أنه لم يخش أن يُكتشف أنه صاحب مصلحة خاصة في جلب الأموال لصندوق الفقراء، بل وبخ مريم أخت لعازر طالبًا أن يضع الناس المال في الصندوق.

4. تجرده من حب صديقه، وعدم تقديره له، وذلك بعكس ما فعلته مريم أخت لعازر، وغيرها من النساء اللواتي سكبن طيبًا غاليًا على الرب يسوع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولكن استنكار يهوذا لما فعلته مريم يعبر عن عدم حبه لسيده، وأيضًا عدم تقديره له. لقد كان الأجدر به أن يخجل من الاعتراض على ما صنعته مريم إن كان في قلبه شيء من الحب، أو التقدير لمعلمه. إن سكب الطيب في زمن الرب يسوع كان يعبر عن مشاعر الحب والتقدير والإكرام. أما هو فلم يكن لسيده حبًا في قلبه.

5. انفصاله عن جماعته بسهولة. لقد قضت محبته للمال على انتماءه لجماعته وأصدقائه، فلم يعتد بأحد منهم. لقد خرج من وسطهم يوم العيد مسرعًا لئلا تفوته صفقة بيع سيده بحسب قول الكتاب: "فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ " (يو 13: 2).



· فرق شاسع بين الاثنين: لا يمكننا أن ننظر لكل الخطايا من جهة بشاعتها من منظور واحد. فخطيئة يهوذا تختلف تمامًا عن خطيئة معلمنا بطرس الرسول، وفيما يلي نذكر بعض هذه الاختلافات:

1. الدافع للخطية: الدافع لخطية معلمنا بطرس الرسول هو الخوف والضعف، ولكن القلب كان ممتلئًا بحب الرب. أما يهوذا فقد كان الدافع لخطيته هو حب المال.

2. كيفية حدوثها: خطية معلمنا بطرس الرسول عارضة، ولدت في لحظة. أما يهوذا فقد وجدت الخطيئة في قلبه أولًا كشهوة، وظل جنينها ينمو في قلبه لفترة زمنية غير قصيرة، حتى اكتمل وأصبح لا مفر من ولادتها كقول الكتاب: "ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا" (يع1: 15). هي خطية إرادية مع سبق الإصرار.

3. المشاعر المصاحبة للخطية: خيانة يهوذا صاحبها عمى بصيرة أدت به إلى هلاك أبدي، وصَاحَبتها أيضًا بلادة وقساوة، وفقدان في الحس، حتى أنه لم يلتفت لما سَيُسَبِبَهُ ذلك من ألم لمعلمه وصديقه. أما بطرس الرسول فقد وجد نفسه أمام خطر فتملكته مشاعر الخوف بسبب ضعفه، لكن داخله كان مملوءًا بمشاعر الألم لأجل ما أصاب سيده.

إجابة الجزء الثاني: الفرق بين توبة معلمنا بطرس الرسول، وتوبة يهوذا:
· التوبة هي الرجوع لله: التوبة هي رجوع الإنسان بكل القلب لله كقول الكتاب: وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْح، وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ" (يؤ2: 12- 13). ولكن ليس كل ندم على فعل الخطية هو توبة؛ لأن الإنسان قد يندم تأثرًا لنتائج الخطية لكنه في نفس الوقت قد لا تكون لديه رغبة صادقة في الرجوع لله.

· موقف بطرس ويهوذا من التوبة: لم يقدم يهوذا توبة، لأنه لم يرجع لله بقلبه حسبما أوضحنا سابقًا، ودليل ذلك أنه لم يبحث عن الرب الحبيب المتألم ليقدم له ندمه، أو ليتأسى على آلامه. ولم نسمع أنه ذهب ليبحث عن تلاميذ الرب، ليشاركهم ذكريات حب الرب لهم، أو ليشاركهم حزنهم، أو حتى ليؤكد انتماءه لجماعة الرب، فيا ليته فعل ذلك لكان الرب قد لاقاه في العلية، ولكان قد سمع صوت الرب الحاني يقول له ولبطرس: "أتحبني...ارع غنمي".

· الحب أعظم ضمان للتوبة: إن أعظم ضمان للتوبة، والرجوع إلى الله عند الخطأ هو مقدار رصيد الحب في القلب. لقد كانت المحبة الشديدة لشخص الرب هي السر وراء عدم تمادي بطرس الرسول، وتوبته القوية. جذبه الحب المتمكن من قلبه للعودة لوضعه الأصلي (حضن الله) مرة أخرى. أما يهوذا فقد اضمحل الحب من قلبه، وهذا هو سر عدم توبته ويأسه، بل وهلاكه.



· هل هي حقًا توبة؟
إن رجوع يهوذا لرؤساء الكهنة لا يُحْسَب له توبة، بل هو محاولة للتخلص من الثلاثين قطعة من الفضة دليل خطيئته. لقد توهم أنه برده لثمن خيانته قد غسل يديه من الخيانة، ولكن هذا لم يكن ممكنًا إلا بالرجوع للرب، الذي تضرع إليه داود النبي قائلًا: "طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ." (مز51: 7). لقد خرج يهوذا من دار رئيس الكهنة؛ فوجد شيطان الخيانة في إنتظاره مرة أخرى يطارده حيثما يمضي، ويُعَيره ويُحَقره. أغلق الشرير أمامه كل سبيل حتى الموت والهلاك.

· أراد أن يخلص ذاته فأهلكها: بذل يهوذا قصارى جهده لإسعاد ذاته، وتأمينها بحبه للمال فخان سيده، وعندما أخطأ لم يحتمل على ذاته -التي كان يحبها لدرجة العبادة- أن يراها خائنة، وساقطة في الحضيض. لقد سبق الرب وحذر من الحب الخاطئ للذات قائلًا: "فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهذَا يُخَلِّصُهَا" (لو9: 24).

أخيرًا لعلنا نتساءل هل تحسب له مثل هذه توبة يقبلها الله؟!!
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:08 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

8- لماذا حكم الرب على يهوذا مُسلمه مسّبقًا بالويل؟ ولماذا يلام يهوذا مع أن الرب قد اختاره ليتمم به الفداء عندما أعطاه اللقمة، وقال له ما أنت فاعله، فافعله سريعًا؟


السؤال الثامن

لماذا حكم الرب على يهوذا مُسلمه مسّبقًا بالويل؟ ولماذا يلام يهوذا مع أن الرب قد اختاره ليتمم به الفداء عندما أعطاه اللقمة، وقال له ما أنت فاعله، فافعله سريعًا؟


الإجابة:

كشف الوحي الإلهي بدقة مسئولية يهوذا التامة عن شره قائلا: "وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ" (مز109: 17). من خلال النقاط التالية نشرح ذلك تفصيلًا:



أولًا : لم يحكم الله على يهوذا مسبقًا:
لم يُعطِ الرب شخص يهوذا ويلًا، أو حكمًا مسبقًا إنما لِحُبِه له حذره، وأنذره كراعٍ صالح مما سيأتي عليه في حالة تمسكه بشره، ودليل ذلك قوله: "ويل لذلك الرجل الذي".. وليس "الويل لك" كما جاء بحسب بشارة القديس مرقس القائلة: "... وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». (مر14: 21).


ثانيًا: لم يختر الرب يسوع يهوذا ليسلمه:
هذا الافتراض غير منطقي كلية، وحاشا لله أن يفعل هذا، لأن الله هو الخالق القدير كلي الحكمة المُدبر كل ما في السماء، وما على الأرض. لقد شهدت العذراء أنه هو الصانع عظائم قائلة: "لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ،" (لو1: 49). وإنه لمن السذاجة أن يَتهم عاقل الرب بأنه كان يتحين فرصة ليدفع يهوذا لخيانته، حتى يتمكن من إتمام الفداء. قد يكون هذا افتراض منطقي لإنسان ضعيف مثلي، ومثلك يقتنص الفرص ليصل إلى ما يريد. أما بالنسبة لله فهذا غير معقول، لأنه لا يعسر عليه أمر كقول إرميا النبي: ".هأَنَذَا الرَّبُّ إِلهُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ. هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَا؟" (إر32: 27).


ثالثًا: صلاح الله:
الله هو الراعي الصالح بحسب قوله عن نفسه: "... أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ." (يو10: 10- 11)، وهذا يعني ما يلي:

● الله كامل في كل طرقه ومعاملاته، ولا يغوي أحدًا كقول الكتاب: "بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ." (119: 137). وأيضًا قول الوحي الإلهي على فم أليهو صديق أيوب: "لأَجْلِ ذلِكَ اسْمَعُوا لِي يَا ذَوِي الأَلْبَابِ. حَاشَا ِللهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ. لأَنَّهُ يُجَازِي الإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ." (أي34: 10- 12).

● لا يفرط في أحد من رعيته، كما أشار هو في مَثل الخروف الضال، عندما ذهب ليبحث عن خروف واحد ضال من مائة خروف. وهذا ما أكده الرب في ساعة القبض عليه في بستان جثسيماني بحرصه على سلامة تلاميذه كقول معلمنا يوحنا الحبيب: "أَجَابَ يَسُوع: "... فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ». لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: «إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا" (يو18: 8- 9). فكيف يحكم الرب على تلميذه المحبوب يهوذا مسبقًا، أو يتمنى شرًا أو ويلًا له؟!

● الراعي الصالح يُعلم ويُرشد ويُنذر ويُحذر، ولا يَغوي أحدًا، بل يُعلم الخطاة أيضًا، كما الأبرار (إن هم قبلوا) كقول المرنم: "اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذلِكَ يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ." ( مز25: 8). فكيف يدفع الرب يهوذا لخيانته مع أن هذا ضد طبيعته الصالحة. وهناك الكثير من الأمثلة التي لا حصر لها عن تحذيرات الله للبشر قبلما يخطئوا. نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:

1. تحذيره لقايين قبلما يقتل أخاه هابيل، وحثه له لكي لا يُتَمِم شره.

2. تحذيره لبلعام بن بعور بمجيء ملاك الرب له؛ ومعجزة تكلم حماره، لكي لا يخطئ ويلعن بني إسرائيل، الذين كانوا مباركين من الرب في ذلك الوقت.

3. تحذيره لبيلاطس البنطي في حلم لامرأته، لكي لا يمد يده بسوء للرب يسوع المسيح البار.

4. تحذيره لبطرس كي لا يُخطئ، ويُنكر الرب، وإعطاؤه علامة لتذكيره، وهي صياح الديك.

وهكذا حذر الرب كثيرًا أورشليم لرفضهم له، ومازال الرب يُحَذر كل نفس بحب، لكي لا تخطئ، ولسان حاله يخاطب عناد البشر قائلًا: "أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ:«طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ" (رو10: 21). كانت إرادة الرب أن يستجيب يهوذا، ولكن شره عماه وأهلكه.


رابعًا: أمسك الرب به إلى النهاية، ولكنه لم يقبل حتى النهاية أيضًا:
لو كان الله -فرضًا- يُريد أن يدفع يهوذا ليُسَلمه، لماذا حذره كثيرًا؟ لقد حذره الرب بطريقة واضحة دون أن يجرح مشاعره بكلمة واحدة، ودون أن يسمح لأحد من التلاميذ أن يُسيء إليه، ولكنه لم يقبل تحذيرات الرب له. لقد كانت النتيجة سيئة جدًا، أخذ قلبه يتقسى، وبصيرته تظلم أكثر فأكثر مع كل مرة يرفض فيها التحذير حتى عمي تمامًا، ودخله الشيطان. حينئذ أتى الشيطان ليقوده إلى الهلاك وهو في خضوع تام له. وفيما يلي تخيل لتسلسل تحذيرات الرب المتوالية له على مائدة العشاء الأخير من خلال ما كتبه البشائر الإنجيليين:

● ربط الرب جلوسهم على المائدة لأكل الفصح، والعشاء الرباني بنبوة المزمور القائل: "...اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ." (يو 13: 18)، وكأنه أراد أن يَرجِع يهوذا بالذاكرة للمزمور الذي يحكي بالتفصيل ما سيعانيه من هلاك لعله يرتدع.

● كشف الرب لهم في حزن أن أحدهم سيسلمه قائلًا: "... الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي». فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ:«هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟» (مت 26: 21- 22).

● أجاب الرب وقال بوضح قائلًا: "...الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي!" (مت 26: 23) & (لو22: 21).

● أدرك التلاميذ تمامًا مشاعر الرب، وذلك بدليل حزنهم واضطرابهم وسؤال كل منهم للرب: "هل أنا يا سيد".

● اضطر يهوذا أن يُظهر حزنًا وإضطرابًا مُصْطَنعين، وكأنه قد انفجع لقول الرب مثل باقي التلاميذ، فسأل هو أيضًا الرب قائلًا: "هل أنا هو يا سيد"؛ فأجاب الرب صراحة أمام الجميع: "أنت قلت"، وسكت يهوذا، ولم يُجب بشيء، ولم يجرؤ على إظهار حبه للرب (كبطرس)، ولم يستنكر أيضًا ذلك كباقي التلاميذ. .

● كان التلاميذ مُتَشَككين، ومُتحيرين فيمن يكون هذا الخائن، لذا طلب معلمنا بطرس الرسول من معلمنا يوحنا حبيب الرب أن يَسأل الرب صَراحةً عمن يكون الخائن، فأجابه الرب قائلًا: "هوذا الذي أغمس اللقمة وأعطيه"، ثم غمس الرب اللقمة، وأعطاها ليهوذا الإسخريوطي، ولم ينطق يهوذا بعدها.

● استمر الرب في تحذيره له للمرة الأخيرة مُظهرًا نبرة عتاب رقيقة؛ لعله يَفيق من غفلته قائلًا له: "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" (يو 13: 27).

● خرج بعدما أخذ اللقمة لأن الشيطان دخله ليقوده للهلاك، ولكن لرقة الرب، وعذوبة أسلوب حديثه لم يدرك أحد من المتكئين معنى قول الرب له، لقد ستر الرب عن تلاميذه شر يهوذا، لئلا يسيء إليه أحدهم إذا عرفوا شخص الخائن. (يو 13- 29- 30).

خامسًا: فداء الرب كان سيتم دون تدخل يهوذا:
· لم يكن الفداء الذي سيصنعه الرب يحتاج أن يُسلمه تلميذ من تلاميذه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بحسب قول الرب: "وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!" (لو 22: 22). فهل كان فداء الرب يعيبه أن يقبض أعوان رؤساء الكهنة على الرب يسوع دون وساطة يهوذا؟! إن فداء الرب كان سيتم سواء سلم يهوذا الرب أم لا. لقد كان شر رؤساء كهنة اليهود، ورؤساء تلك الأمة نحو الرب لا مثيل له. لقد تشاوروا لقتل الرب بعدما أَعادَ البصر للمولود أعمى، وأفتوا بأن ذلك خير لأمتهم حتى لا تزيد شعبية الرب يسوع المسيح، بل أصدروا أمرًا صريحًا بالقبض عليه حسب قول البشير:" فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلاَنِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْكُورَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْبَرِّيَّةِ... وَكَانَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ." (يو11: 53- 57).

· كان احتياج رؤساء الكهنة، وقادة اليهود ليهوذا هو للقبض على الرب منفردًا عن الجموع من أحبائه؛ وذلك لخوفهم من رد فعل الجموع، وهذا لم يكن بالأمر الصعب لو لم يقم به يهوذا، فلو أرسلوا جواسيس يترقبونه، لكانوا قد نجحوا في الوصول لغرضهم دون يهوذا. ولكنها خيانة يهوذا الذي زج بنفسه في هذا الوضع الصعب ليحصل على بعضٍ من الفضة، وهو غيرَ مُبالٍ بما سيعانيه صديقه من جراء خيانته.

سادسًا: لم يكن يهوذا في حاجة إلى غواية لأنه كان شريرًا :
● لم يحتاج يهوذا لغواية ليتمم جريمته فالشر كان يملأ قلبه بحسب شهادة الكتاب عنه، وفيما يلي بعض من شهادات البشائر الأربع عنه:

1- كان لصًا بحسب قول الكتاب عنه: "فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ :"لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ "قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ." (يو12: 4- 6).

2- أنانيًا لا يلتفت لبؤس الفقراء بحسب شهادة معلمنا يوحنا الرسول السابقة.

3- دَاوَمَ على هذه التصرفات الشاذة لفترة ليست بقصيرة بدليل قول معلمنا يوحنا الرسول: "إنه كان يأخذ ما يُلقىَ في الصندوق".

4- لم يعرف الخجل، حتى أنه باستهتار وبخ مريم أخت لعازر، لأنها انفقت كثيرًا من الدينارات من أجل الرب، ولم يخجل أن يُحسَب هذا عليه عدم تقدير لسيده.

5- جريئًا في شره أو سرقته للصندوق، بدليل أنه لم يَخشَ أن يُكتشف أنه صاحب مصلحة خاصة في جلب الأموال لصندوق الفقراء.

6- قد اعتاد على السرقة بجرأة بسبب محبته للمال بشدة، حتى أنه لم يبال بحرص الرب على الستر عليه بل واصل سرقاته.

● نبعت الغواية من داخل يهوذا، ولم يدفعه أحد للخيانة. بدليل ذهابه مسبقًا كما هو مكتوب في بشارة القديس لوقا إلى رؤساء الكهنة قبل الفصح، وتفاوضه معهم، واتفاقه على تسليم الرب لهم وذلك كقول الكتاب: "وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ... فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ." (لو22: 1- 6).


الخلاصة:
رفض يهوذا محبة الرب، ولم يقبل تحذيراته الكثيرة، ومع كل رفض لحب سيده له أو تحذيره كان قلبه يتقسى أكثر فأكثر، وبصيرته تُظِلم أكثر فأكثر،... وهكذا إزداد قساوة قلب، وظُلمةٍ حتى عَمِيَ تمامًا، وعندئذ دَخَله الشيطان ليقوده، وهو خاضع له تمامًا، وغير مُدرك لما هو مقبل عليه من مصير وهلاك. إن عَمَىَ الأعين المادية لا يؤدي للهلاك. أما العَمَىَ الروحي وما يتبعه من هلاك أبدي فهو النهاية المفجعة لعناد الإنسان، وعدم قبوله لعمل نعمة الله العاملة فيه.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 11 - 2021, 08:11 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عندي سؤال (الجزء الثاني)

9- كيف يحاسب الله مَن ولد، وتربى في وسط شرير؟ وما ذنبه في هذا الشر الذي وجد نفسه فيه دون إرادته؟


السؤال التاسع

كيف يحاسب الله من ولد، وتربى في وسط شرير؟، وما ذنبه في هذا الشر الذي وجد نفسه فيه دون إرادته؟


الإجابة:

إن الله هو القاضي العادل، بل هو العدالة ذاتها، وحاشا لله أن يظلم أحدًا وإن كنا كبشر نبحث عن العدالة ونتكلم عنها ليل نهار، فما بالنا الله الذي خلقنا، وجعل عدالته في قلوبنا. أنه هو مصدر كل عدالة عرفها البشر. في النقاط التالية نعرض لملامح من صفات عدل الله بحسب شهادة الكتاب المقدس:



أولًا: عدل الله يقتضي تطبيق روح العدالة :
أي قاض عادل له اعتبارات كثيرة يحكم بمقتضاها، فليس من العدل أن يجازي القاضي كل من أخطأ بنفس العقاب، دون النظر لأي اعتبارات، أو ظروف تخص المتهم مثل سنه، أو غرضه أو دوافعه من جريمته، أو حالته النفسية وقت وقوع الجريمة أو... أو.. إن عدالة الله تقتضي أن يدين الله الناس طبقًا لاعتبارات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:



دينونة الله ليست نمطًا واحدًا:
إن من لم يصل إليه نور تعاليم الرب يسوع المسيح نهائيًا، قد يسأل عما وضعه الله في قلبه من طبيعة خيرة مثلًا، أو ما عرفه، أو وصل إليه من خلال المجتمع المحيط به، ومن وصلت إليه الكرازة والبشارة، ولم يقبل نورها لا يتساوى مع من لم تصل إليه. لقد أكد معلمنا القديس بولس الرسول ذلك قائلًا: "لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ. وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ... لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، " ( رو2: 12- 15). دينونة الله للناس على ما ارتكبه كل منهم من خطأ شخصي: من أهمل سَيُحَاسب على إهماله الشخصي، ومن تقسى سَيُحَاسب عن قساوته. كل على خطئه الشخصي، وسَيُدان من لم يستجب لصوت الله الذي ناداه به الله مرارًا وتكرارًا، ولن يقدر أحد يوم الدينونة أن يُنكر معاملات الله معه، أو رفضه وعدم تجاوبه لصوته، لأن الله سَيُحاسب البشر بأحكام لا لبث فيها، وهكذا... وقد شهد الكتاب بذلك قائلًا: "بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ. " (إر31: 30). وأيضًا قوله:"الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ." (رو2: 6). علل صاحب الوزنة الواحدة (في مثل الوزنات) عن إهماله - متهمًا سيده بالقساوة - قائلًا: "... يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ. فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا" (مت25: 24-27). واضح في المثل أن السيد يطالب العبد بعمل بسيط كان بإمكانه فعله بسهولة. الدينونة بحسب الإمكانيات الموهوبة للإنسان: دينونة الله للبشر تختلف من شخص لشخص، وذلك بحسب ما ناله الإنسان من إمكانيات، وما أُعْلِنَ له من معرفة. فمن أعطي كثيرًا سَيُحَاسب بأكثر، لأن إمكانياته أكثر. وللتقريب للذهن نتساءل هل امتحان الصف الخامس الابتدائي في مادة العلوم يصلح كإمتحان لطلبة كلية العلوم؟! بالطبع لا. إننا أولاد الله الذين أئتمننا على أسرار ملكوت الله فلابد أن نكون حريصين أكثر، لأننا سندان على نفس الخطايا التي قد يفعلها غيرنا ممن ليس لهم معرفة روحية بأكثر صرامة كقول الكتاب: "وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. وَلكِنَّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلًا. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لو12: 47- 48).

ثانيًا: الله ليس عنده محاباة في أحكامه إطلاقًا:


مواهب وعطايا الله المتنوعة للإنسان هي على سبيل وزنات، وليست محاباة:
تختلف وتتنوع عطايا ومواهب الله للبشر، ولكنها تُحسب على سبيل وزنات كما أشرنا سابقًا، فمن أعطي كثيرًا سَيُطالب بأكثر، ولكن أحكام الله بغير محاباة لأن كل واحد سَيُحاسب على قدر إمكانياته. كشف معلمنا بطرس الرسول هذه الحقيقة قائلًا: "وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ،" (1بط1: 17).. لقد وبخ الله معلمنا بطرس الرسول الذي كان ينظر لغير اليهود بنظرة دونية، مُظهِرًا له مشيئته في طهارة الجميع، وقبولهم قائلًا له: "... مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!" (أع10: 15). أدرك الرسول العظيم تلك الحقيقة فتغنى بذلك قائلًا: "... بِالْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ الْوُجُوهَ. بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ." (أع10: 34- 35)، بل أكد في موضع آخر أن شعب الله سَيُدان أول الكل قائلًا: "لأَنَّهُ الْوَقْتُ لابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ اللهِ. فَإِنْ كَانَ أَوَّلًا مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ الَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ اللهِ؟" (1بط4: 17).




النعمة الموهوبة لأولاد الله ليست حصانة لهم من المُساءَلة:
إننا سَنُحاسب على كثرة عطايا الله لنا. هي وزنات، وليست شهادة تؤهل للتمتع بملكوت السماوات دون حساب، وهذا ما أكده معلمنا بولس لليهود المتنصرين في رومية قائلًا: "لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ." (رو2: 13).

ثالثًا: زود الله البشر بعطايا، ونعم كثيرة ليحفظهم من أحكام دينونته:
إن الإنسان محدود المعرفة، ويستخدم حواسه لمعرفة ما حوله، لكن الله روح، ولا يمكن للحواس البشرية البسيطة أن تدركه. لقد أعطى الله البشر إمكانية معرفته كقول القديس إغريغوريوس في القداس الإلهي: "أعطيتني علم معرفتك" لذا لن يكون لإنسان عذر يحتج به أمام دينونة الله العادلة كقول الكتاب: "... لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ الله" (رو3: 19). في النقاط التالية نعرض لذلك بالتفصيل:


  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أنت تسأل والبابا يجيب| قداسة البابا شنودة الثالث | سؤال وجواب الجزء الثانى 2022
كتاب عندي سؤال
الجزء الثاني من الرد على شبهات كتاب الأسطورة والتراث اتهم بها اسم ايل والسيرافيم ويوسف
كتاب تاريخ البطاركه الجزء الثاني
كتاب الخدمة الروحية و الخادم الروحي، الجزء الثاني


الساعة الآن 07:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024