الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا + الشجاعة والقوة
لقد هددوا رب المجد بسلطان هيرودس وتناسوا قوله: " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد" (مت 10: 28).
فقال لهم: " ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه؛ لأن لا يمكن أن يهلك نبي خارجًا عن أورشليم" (لو13: 33).
فكان يذهب بدون خطر أينما شاء، ويتنقل في اليهودية دون أن يقاومه أحد أو يخطط ضده أحد، حتى تأتي ساعته ليتقبل الألم بإرادته ويجدد طبيعتنا واهبًا إيانا الحياة.
من هذه الآية نتعلم:
1 – الشجاعة لمواجهة الصعاب وإكمال رسالتنا حسب إرادته.
2– عدم الاهتمام بالعنف والعنفاء.
3 – الثقة بالنفس بأننا في يد ضابط الكل.
1 – الشجاعة: لنتحدث عن يهوديت التي قيل عنها: " وكان فيها العفاف مقرونًا بالشجاعة" (يهو 16: 26) ذهبت لدار العدو وقطعت رأسه بحد سيفه بضربتين بعد أن مكثت عنده أربعة أيام...
+ رمزًا للمسيح الذي نزل لعمق دار الشيطان و سحقه بعد أن عاش كإنسان مثلنا، وترك لنا أربعة بشائر ليخلص أربعة أركان المسكونة بكلمه الله السيف: العهد القديم والعهد الجديد...
+ واستهزاء بالعدو إذ بيد امرأة واحده كان خلاصًا لمدينه..
كان في أيام أليفانا وهو قائد من قوات الأشوريين بعد أن ساد نبوخذنصر على كل المدن وعرف أن أورشليم مبنية على الجبال ومحاطة بالجبال أحب أن يمتلكها... وبعد التهديدات قطع ينابيع المياه الداخلة للمدينة. فكانت المياه توزع على الشعب لسد عطشهم فقط فيأس الشعب واتفق مع قائدهم: إن لم يخلصنا الرب فبعد خمسة أيام نسلم لهم المدينة، بينما كانت يهوديت. وهي أرملة غنية تقية صائمة عابده بسبب هذا. فلمَّا سمعت هذا الخبر أرسلت إلي الشيخان كبري وكرمي تطلب مقابلتهم، فلمَّا حضرا قالت لهما: " كيف تجربون الله؟ من أنتم حتى تحددوا ميعاد لعمل الله وتدبروا أمور شعبه بدونه.
إن كنتم لم تكتشفوا أعماق الإنسان أو أفكاره فكيف تعرفون مقاصد الرب... فلا تثيروا غضبه كونوا قدوه واشكروه على الامتحان كما امتحن أبونا إبراهيم وصار خليلًا لله". ثم قالت لهم: "افتحوا أبواب المدينة وانتظروني حتى أخرج منها ولا تسألونني ماذا أفعل أو إلي أين أذهب!".
ففي وقت المساء الذي فيه بخور يقرب في هيكل الرب. (قدمت ذاتها ذبيحة! = الصليب) ذرت الرماد على رأسها ولصق وجهها بالتراب وصرخت إلي الرب بصلاة عميقة جميلة جدًا (يهو9: 1)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وطلبت من الرب أن يخلص شعبه قبل الخمس أيام هذه.. ثم خلعت عنها ثياب ترملها ولبست ثوب عرسها وتزينت وخرجت من باب المدينة مع جاريتها وهم يودعونها ويدعون لها بالتوفيق.. وانتظروا حتى غابت عن نظرهم ونزلت إلي معسكر الأعداء.. فتعجبوا من جمالها لأنها كانت جميله جدًا = (المسيح أبرع جمالًا من كل بني البشر أما على الصليب فكان لا صوره له ولا جمال) = جمال امرأة وسط الأعداء = موت. وحدثت ضجة وأحضروها إلي قائدهم أليفانا فسجدت له، فأقاموها بأمره وبعد أن أعطاها الأمان سألها " لماذا هربتي من أهلك وجئتي هنا". " فقالت له:" نحن سمعنا بحكمتك ودهائك وبراعتك في القتال = (حكمة الشيطان الأرضية) فثق أيها الملك لن تفشل في بلوغ قصدك؛ لأنه إن غضب الرب على شعبه أسلمهم إليك. فدعني أصلي وأنا قريبه منك، ولىِ طلب أن أخرج بعيدًا لأعبد إلهي باكرًا جدًا كل يوم حتى يأذن لك الرب فتدخل المدينة بدون خسائر أو قتال ولا يهلك أحد من جنودك.
وفي اليوم الرابع من إقامتها في المعسكر.. أعد أليفانا حفلة عشاء بعد أن أقنعوا يهوديت لتكون له فقامت وتزينت بملابسها. فشرب أليفانا في ذلك المساء خمرًا كثيرًا جدًا يفوق ما شربه في حياته، و خرجت كل حاشية الملك وهم في تعب شديد مثقلين مترنحين بالخمر وعادوا إلي منازلهم أمرت يهوديت جاريتها أن تقف خارجًا أمام المخدع وتترصد حتى الصباح باكرًا جدًا ليخرجا معًا ويتعبدا لله مثل كل يوم..
وكان أليفانا نائم مثقلًا جدًا فقالت: هي اللحظة المناسبة، ساعد شعبك يا رب وساعدني في تحقيق غايتي. كن معي لأقضي على أعدائنا وتتمجد مدينتك أورشليم، وقالت: زدني قوه في هذه الساعة يا إله إسرائيل = (صرخة المسيح على الصليب قبل أن يُسلم الروح) ثم أخذت خنجره المعلق وأمسكت بشعر رأسه ثم ضربت عنقه مرتين وقطعت رأسه ووضعتها في كيس الطعام وسلمتها للجارية ثم خرجت من المعسكر للصلاة مثل كل يوم ولمَّا قربت من المدينة نادت يهوديت الحراس: أفتحوا أفتحوا الأبواب فإن الرب معنا = (مز؛ افتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد).
ودخلت العفيفة الشجاعة منتصرة.
2 – عدم الاهتمام بالعنف أو: لأن الله معنا. مثال: في سفر المكابيين الثاني: قبض الملك على سبعة إخوة مع أمهم وبدأ في تعذيبهم. وأمر بإحماء الطواجن والقدور ويقطع ألسنتهم ويسلخ جلد رؤوسهم وتقطع أطرافهم واحدًا فواحدٍ. فكانوا يشجعون بعضهم بعضًا هم وأمهم. فمنهم من قال: هذا العذاب لأجل خطايانا. وثان قال: نحن نموت في سبيل شريعة إلهنا. وآخر: من رب السماء هذه الأعضاء ومن أجل الشريعة أضحي بها، حتى استعطف الملك الأم لكي ترحم ابنها السابع الصغير وتجعله يميل عن رأيه ووعده بالخيرات الأرضية. فانحنت الأم للملك ووعدت أن تحاول مع ابنها. ثم انحنت على ابنها واستهزأت بالملك العنيف (2مك 7: 27) وقالت له: أنا لا أعلم كيف نشأت في أحشائي، فأنا لم أمنحك الروح والحياة ولا كونت أعضائك. فاستهان الابن بالتعذيب وثبت على الإيمان، فنكل به الملك وفي أخر الأمر قضي عليه وعلي أمه أيضًا.
3 – الثقة: قال بولس: (رو 13: 2) "حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله" والرب نفسه يعطي أولاده فمًا وحكمة لا يقدر جميع المعاندين أن يقاوموها أو يناقضوها (لو 21: 15) هكذا رب المجد رد بحكمه على اليهود: "ينبغي أن أسير اليوم وغدًا" بشجاعة وعدم اهتمام بالعنفاء؛ لأنه هو الذي سمح لهم. هو أعطاهم سلطان. هو أعطاهم حياه ويستغل شرهم لخير العالم، ويسوق إرادتهم لإتمام نبوءاته...