رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اتكال على الله في الضيق
المزمور السادس والخمسون 1. المزمور السادس والخمسون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل المشرف على الموت، فيجعل اتكاله في الرب الذي وحده يستطيع أن يخلّصه من شهود الزور وسافكي الدماء. وانطلاقًا من هذه الحالة الفردية نجد مقابلة بين حالة المرتّل في ضيقه وحالة شعب الله في منفاه، لأن خلاص المرتّل سيكون رمزًا لخلاص اسرائيل. وكما ينتظر المرتّل الخلاص من ظلمة السجن والقبر إلى النور الحياة، كذلك ينتظر الشعب أن يعود إلى الأرض التي أعطاها الله له وباركها بحضوره. 2. كلمة الله تخلّص البائس وقت الضيق. آ 2- 3: المقدمة: صلاة المرتّل وشكواه: الإنسان ظامئ إلى دمي، يناوشني ويضايقني، يترصّدني، يحاربني. آ 4- 7: صرخة ثقة في ساعة الضيق: يوم أخاف أتوكل عليك. ويعود يشكو أعداءه إلى الله: يتجمعون ويرقبون ويكمنون. آ 8- 12: ويدعو المرتّل الله إلى ضرب أعدائه حسب اثمهم. هذه هي ثقة المرتّل بكلام الله: أحمد الله على كلامه (في آ 5، آ 11). آ 13- 14: الخاتمة: سيقدّم المرتّل إلى الرب ذبيحة شكر: وعد بها وسيفي بوعده. 3. يصوّر المرتّل عداوة الأعداء بشكل حرب، ولكنها حرب داخل اسرائيل، بين المتعلّقين بشريعة الرب والمتحرّرين من قيود الشريعة المتعاطفين مع الحكم الأجنبي الذي يخلط ديانته وثقافته، فيفرضهما معًا على شعب يريد أن يحافظ على نقاوة إيمانه. ولكن كلمة الله أقوى من قوة الأعداء مهما كثروا: "ويل للذين يذهبون إلى مصر ليطلبوا النصرة، الذين يعتمدون على الخيل ويتوكلون على المركبات، لأنها كثيرة، وعلى الفرسان لأنهم أقوياء جدًا، الذين لا يلتفتون إلى قدوس اسرائيل ولا يلتمسون الرب... إنما المصري بشر لا اله، وخيله جسد لا روح. فإذا مدّ الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا كلهم معًا" (أش 31: 1- 3). يتحدّث المرتّل عن سفر (بكسر السين) الله (آ 9). كان الاسرائيليون (ومعهم أبناء الشرق) يفكرون بأن الله كتب مسبقًا في سفره ما سيحصل لأتقيائه، وأن هذا الكتاب محفوظ لدى خالق كل شيء. ولكن هذا الأمر لم يدفع يومًا شعب الله إلى التشاؤم والقدرية، بل أعطاه إيمانًا وشجاعة لأنه عرف أن حياته كريمة في عين الله ودموعه لا تسقط عبثًا. والمرتّل يعرف أن أولى كلمات هذا السفر ليست كلمات القضاء والقدر، بل كلمات الرحمة. وهكذا كتب في هذا المزمور أن المرتّل سينجو، وأن أعداءه سيتراجعون حين يصرخ إلى الله الذي يقف بجانبه. 4. هذه الثقة بالله عاشها يسوع طوال حياته الصعبة التي أوصلته إلى الصليب، كما جعل تلاميذه يقاسمونه هذه الثقة عندما قال لهم: "لا تخافوا من يقتل الجسد ولا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك" (لو 12: 4)، ووعدهم بأنه سيبقى معهم "كل الأيام وحتى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). الرب هو النور الذي ينير طريقهم وقد قال لهم: "أنا هو نور العالم" (يو 8: 12) وهو يوجّه حياتهم ويشجعهم. ولقد وعد مؤمنيه المضطهدين أنه سيمسح كل دمعة من عيونهم، فلا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع (رؤ 21: 4). 5. تأمّل نحن في هذا المزمور في إطار ليتورجيّ، يذكر فيه الأعداء الكثر. وتُطلق الصرخة: تحنّن، إرحم. الضيق يحيط بي والألم. أما النهاية، فتجعلنا في ذبيحة شكر وحمد على ما قرأنا في 26: 7: "أرفع صوت الحمد وأحدّث بجميع عجائبك". وفي 42: 5: "أتذكّر... كيف كنت أقودهم بصوت الترنيم والحمد". يبدأ المرتّل صلاته بصرخة يعلن فيها ثقته بالله واتكاله عليه. فهو يعيش في الضيق. وينتهي بنداء إلى الله لكي يفعل. هو الاله القدير، فماذا ينتظر؟ هو متأكّد أن الله يسمع له ويستجيب. قلبه يعمر بالإيمان بأن الرب هو الاله الأمين الذي فعل في الماضي وهو يفعل اليوم. طلب المؤمن وهو يعرف أن الله يتدخّل، لهذا جاءت طلبته وكأنها تحقّقت قبل الاوان. لقد جعل نفسه في "قلب الله". فبدا عالمًا بما سيحدث. أتُرى الله يتغيّر؟ أتراه نسي أحبّاءه؟ كلا ثم كلا. إذن، لا مكان للشكّ والارتياب بعد أن فعل الله ما فعل لشعبه في الماضي فحمل إليه الخلاص العظيم. 6. في الله أمدح أقوالي. إذا كانت في الله فكيف تكون حياتي؟ هي في الله وهي لي. هي في الله لأنها تأتي منه. وهي كلماتي لأني تقبّلتُها حقًا. هو أعطانيها ويريد أن تكون لي بقدر ما أحبّ ذاك الذي منه جاءت: جاءت منه فصارت كلماتي أنا. إن لم يكن الأمر هكذا، فكيف نستطيع أن نقول: "أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ"؟ كيف يكون خبزنا نحن؟ أو كيف أعطي؟ ولكن حين تطلبه منه، لن تُحرم منه. وحين تعلن أنه خبزك فأحذر أن تكون ناكر الجميل. إن كنت لا تعترف أنه خبزك، فهذا يعني أنك ما تقبّلته في يديك. ولكن إن أعلنت أنه خبزك وكأنك حصلت عليه بنفسك، فأنت خاسر ما تقبّلته الساعة لأنك تدلّ على عقوقك تجاه ذاك الذي تقبّلتَ منه. اذن، في الله أمدح أقوالي. فهو ينبوع كل كلمة حقّ. وهذه الكلمات هي كلماتي. وأنا العطشان اقتربت وشربت. (أوغسطينس). |
|