فضائل في حياة أمنا العذراء - أبونا القمص داود لمعي
تداريب نافعة لنا من حياة وشخصية العذراء
خل قلبك
التدريب الرابع: المبادرة في الخدمة والخدمة في صمت
التدريب الأول: احسب للكلام
+ احسب للكلام وعندما تتكلم فكر أولًا: هل الكلام الذي سأقوله سيكون له فائدة أم لا (أي قبل أن تنطق بالجملة أو السؤال فكر فيه من كل الجهات)؟
+ لأن "كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ" (إنجيل متى 12: 36)، وكل دقيقة لها قيمة وسنعطي عنها حسابًا.
التدريب الثاني: وقف دماغك وانشغل بحضور ربنا
+ قد يبدو هذا التدريب صعب ولكنه يحتاج إلى ممارسة وتدريب Training.
فعندما أقول لك "وقف دماغك" أعني راقب نفسك، راقب أين يتوه تفكيرك وأوقفه، وستكتشف أن بالفعل أغلب الأفكار طوال اليوم ليس لها لزوم، وأغلب الأفكار تسير في اتجاه غير سليم.
+ ولكي نتعلم من العذراء فعلينا أن نشغل الفكر إما بالصلاة أو القراءة في الإنجيل.
"وقف دماغك" بتحويل كل فكر إلى صلاة:
+ حول كل فكر إلى صلاه (كل مشوار تقوم به صلي من أجله، كل شخص تقابله صلي له، كل مشكلة صغيرة أو كبيره صلي من أجلها) بذلك تكون قد قدست الفكر وأدخلت الله في كل شيء، وأصبح الله قريبًا من نفسك وممن حولك، لأنك وقفت دماغك وانشغلت بالله.
+ ربنا قريب وبجوارك، فلماذا إذًا تفكر بمفردك؟! لماذا لا تتكلم معه؟! لماذا لا تشركه معك في حياتك كلها، والله على استعداد أن يدخل في أدق التفاصيل وأصغر الأمور وأكبرها؟!
+ هذا التدريب قد يأخذ مجهود في بادئ الأمر لكي تعرف كيف "توقف دماغك"، لأن تداريب ضبط الفكر ليست سهلة وتحتاج إلى training ، ولكن من يتمكن من ذلك سيرتاح جدًا طوال عمره. لأن كل الأفكار المهدرة ستسير في اتجاه سليم.
+ من الأشياء التي تساعدك على تدريب "وقف دماغك"، كلمة ربنا. عندما تقرأ كثيرًا في الإنجيل وتنشغل بكلمة الله ستكون في غاية السعادة مثل السيدة العذراء، وستتمتع مثلها بفضيلة التسليم "معك لا أريد شيئًا على الأرض".
التدريب الثالث: تذكر ضعفك ولا تصدق الكرامة أو المديح ولا تدعها تدخل قلبك
+ قلنا أن أمنا العذراء أكثر إنسانه على وجه الأرض لاقت مديح وكرامة وقد قابلت كل هذا بالنظر إلى ضعفها وبالتسبيح للرب وتمجيده على إحساناته الكثيرة في حياتها.
+ لماذا لا نتعلم من أمنا العذراء وندرك أن المديح تأثيره سطحي فعندما يمتدحك أحد لا يستمر فرحك أكثر من دقيقة وبعدها يتبخر هذا الفرح. لذلك عليك أن تتذكر ضعفك في لحظات الكرامة أو المديح.
إذا كرمك الناس أو امتدحوك أو طوبوك تمثل دائمًا بالسيدة العذراء التي قالت: "نظر إلى اتضاع أمته" (خليك غلبان جواك، مش غلبان قدام الناس)، لا تتظاهر بالمسكنة لأن التظاهر بالمسكنة ليس من التواضع في شيء، بل كن مسكين بالحقيقة أي كن متواضع من الداخل بالفعل وعالم بضعفك.
مهما قال الناس عنك كلام مديح أنت تعلم جيدًا نفسك أنها ضعيفة، وأظن كلنا إذا كنا أمناء مع أنفسنا لن يقول أحدنا: "أنا قديس! أو أنا لا أخطئ! أو أنا أفضل الكل!" لأن من يقول هذا عن نفسه ليس أمين مع نفسه.
+ أذكر أنني كنت في الدير أحد المرات وحضرت تكريم أحد الأساقفة، وكان البابا شنودة -الله ينيح نفسه- يحبه جدًا وتكلم عن فضائله باستفاضة، فكان ذلك بمثابة كرامة كبيرة جدًا لهذا الأسقف خاصة أن الكلام من فم البابا شنودة. هذا الأسقف البار رد على هذا المديح بمقولة جاءت في البستان فقال: "كنتُ أخشى أن تتكلموا عن أخطائي وعيوبي، وأشكر ربنا جدًا أنكم لم تنتبهوا لأخطائي وعيوبي". أي أنه لم يسمع أي مديح بل أنه كان طوال الوقت منشغلًا ومتوجسًا لئلا يتكلم أحد عن عيوبه أو أخطائه (أو أي فضائح عنه!).
كان هذا شعوره بالرغم من أنه كان إنسانًا مليئًا بالتقوى. فهو يرى نفسه مليء بالأخطاء وظل يشكر الله كل لحظة أثناء مديحه "أشكرك يا رب هذه اللحظة قد مرت دون أن يذكر أحد شيئًا من عيوبي". فكان في وادي آخر غير الوادي الذي كان فيه كل الناس!
بالطبع هذا التواضع حقيقي، تواضع بجد وليس تمثيلية، لأنه صادر من القلب وصادر بتلقائية.
التدريب الرابع: المبادرة في الخدمة والخدمة في صمت
+ عندما قال رئيس الملائكة جبرائيل للسيدة العذراء: "وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، ...، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (إنجيل لوقا 1: 36، 37). نسيت أنها أصبحت أم الله "المسيا" مخلص العالم الذي كل سيدات اليهود من 1500 سنة ينتظرونه، وأنها هي التي ستلده! لم تفكر إلا في أليصابات السيدة العجوزة الحبلى، من الذي يخدمها!
بالرغم من أن الملاك لم يطلب منها خدمة أليصابات! وبالرغم من أنه من الطبيعي أن يكون لدى أليصابات من يخدمها فهي زوجة الكاهن "زكريا"! ولكن كل الذي فكرت فيه السيدة العذراء أن أليصابات سيدة عجوزة وحامل بابن في شيخوختها، فسافرت مسافة بعيدة وذهبت لتخدمها في صمت.
+ وأقول كلمة "بادر"، لأننا كثيرًا ما نُضيع إكليل كبير عندما ننتظر أن يطلب منا أحد الخدمة.
لكن عندما نقوم نحن بالمبادرة ونبحث عن المسن أو المريض أو الحزين أو المعوق أو المتألم، ونبادر ونفاجأه بأننا نبحث عنه، يكون أجرنا عظيم عند الله.
+ بادر بخدمة المحتاجين، واخدمهم في صمت. خذ من العذراء الفضيلتين: مبادرة الخدمة وأيضًا الخدمة الصامتة. الخدمة الصامتة أي التعب بلا تعليقات أو كلام أو شكوى.
كانت العذراء تخدم وهي فرحة بخدمتها وصامتة طوال الوقت لأنها مشغولة طوال الوقت بالتسبيح، خدمت أليصابات حتى جاء موعد ولادة يوحنا المعمدان وإطمأنت على أليصابات ورأت يوحنا المعمدان -وغالبًا العذراء حملت يوحنا المعمدان على يديها- ثم رجعت إلى بيتها لتخدم يوسف النجار المسن لأن دورها قد انتهى في بيت أليصابات.
فالعذراء كانت تبحث دائمًا أن يكون لها دور وخدمة وتعب. وحياتها كانت عبارة عن خدمة سواء خدمة مسنين أو خدمة محتاجين وخدمة صامتة.