البابا يوساب الثاني (*)
(1946 - 1956 م.)
المدينة الأصلية له: النغاميش، البلينا
الاسم قبل البطريركية:
أقلاديوس (26)
أبونا الراهب القمص أقلوديوس الأنطوني
الأنبا يوساب مطران جرجا
من أبناء دير: دير أنبا أنطونيوس
تاريخ التقدمة: 18 بشنس 1662 للشهداء - 26 مايو 1946 للميلاد
تاريخ النياحة: 4 هاتور 1673 للشهداء - 13 نوفمبر 1956 للميلاد
مدة الإقامة على الكرسي: 10 سنوات و5 أشهر و17 يومًا
مدة خلو الكرسي: سنتان و5 أشهر و27 يومًا
محل إقامة البطريرك: المرقسية - الأزبكية
محل الدفن: كنيسة مارمرقس بالأزبكية
الملوك و رؤساء جمهورية مصر العربية المعاصرين: الملك فاروق الأول - محمد نجيب - جمال عبد الناصر
صور الأب البطريرك: صور قداسة البابا المعظم الأنبا يوساب الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ115
الأساقفة الذين رسمهم: قائمة الآباء الأساقفة الذين قام برسامتهم قداسة البابا يوساب الثاني البطريرك رقم 115 (24 أسقفًا)
← اللغة القبطية: Papa Iwcyv =b.
ولد في قرية دير الشهيد فيلوثاؤس بالنغاميش (من أعمال مركز البلينا - شرق) سنة 1876 م.
وقد ولد من أبوين فقيرين تقيين، وحفظ المزامير منذ طفولته والتهم العِلم الديني والطقسي حسبما يستطيع.
من خلال شوقه لرهبنة ذهب إلى عزبة دير الأنبا أنطوني ببوش، وظل سنتان في رعاية رهبان الدير إلى أن تمت رهبنته(9).
تَرَهَّب بدير الأنبا أنطونيوس سنة 1895 م.(1)
وسافَر في بعثة إلى أثينا سنة 1902 م. (من خلال إيفاد البابا كيرلس الخامس له(4) -حينما كان مطرانًا باسم يوأنس مطران البحيرة و المنوفية-، هو والأنبا لوكاس مطران قنا وقوص وغيرهم) حيث درس ثلاث سنوات "العلوم اللاهوتية والتاريخ الكنسي" وعاد سنة 1905 م. وعند عودته حمل شهادة التخرج من الدراسة، بالإضافة لرسالة للبابا من مدير مدرسة ريزاريوس Ριζάρειος هناك بأدبه الجم وجهده واجتهاده(10).
برع أثناء فترات دراسته في اللغتين الفرنسية واليونانية(11).
وفور عودته عيَّنهُ رئيس دير الأنبا أنطوني وكيلاً لأوقاف الدير بالقاهرة.
ثم اختير رئيسًا لدير يافا في فلسطين (تقريبًا عام 1907 م. ولمدة خمسة سنوات)، وذلك بطلب من أنبا تيموثيئوس مطران القدس.
وفي سنة 1912 م. اختير رئيسًا للأديرة القبطية بالقدس وسائر بلاد فلسطين(12).
وفي هذه الفترة استخدم القمص إقلاديوس معرفته باليونانية لتوثيق العلاقة بين كنيسته الأم والكنيسة التي تلقي عنها العلم (كنيسة اليونان). كذلك استخدم اللغة الفرنسية في التفاهم مع رؤساء الكنائس المختلفة التي تزخر بهم الأراضي المقدسة.
وفي سنة 1920 م. رسم مطرانًا لإبراشية جرجا وأخميم.
وبدأ خدمته بالافتقاد الرعوي، وبنى المدارس الأولية والابتدائية والثانوية (البنين والبنات). ثم شيد كنيسة فخمة (الكاتدرائية) بني إلى جانبها الدار المطرانية(27) كما ذكرنا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت سابقًا. وفوق هذا كله فقد انشغل بمصالحة العائلات المتخاصمة, كما انشغل بتوضيح العقيدة الأرثوذكسية.
انتدبه البابا يوأنس لمصاحبته ضمن الوفد المرافق في زيارة الحبشة سنة 1929 م.(5).
ثم انتدبه للقيام على رأس وفد للكنيسة القبطية وتتويج الملك تفري (الإمبراطور هيلاسلاسى ቀዳማዊ ኃይለ ሥላሴ) سنة 1930 م.(13)
أراد الأنبا أثناسيوس إعادة تعمير دير النقلون القديم (دير الأنبا صموئيل المعترف)، فقصد إلى الأنبا يوساب وكان قائمقاماً بطريركياً (في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين) وأطلعه على رغبته. واقترح وضعه تحت رياسة القس مينا المتوحد، فوافقه أنبا يوساب على طلبه(2)، وقد كان.
ما كاد الأنبا يؤنس الـ19 (113) ينتقل إلى الأخدار السماوية حتى اتفق المجمع المقدس والمجلس الملي على انتخاب الأنبا يوساب مطران جرجا قائمقام بطريركيًّا، إلا أنه للأسف اتخذ من الإجماع ذريعة ليرشح نفسه للكرسي الباباوي، ودخلت الكنسية في موقف مؤسف من ترشيح كل شخص لنفسه ومحاولة استقطاب الأصوات للفوز بالمنصب(7). وانتهى الأمر بانتخاب قداسة البابا الأنبا مكاريوس الثالث (114) بطريركًا.
وقد نصب بطريركًا سنة 1946 م. باسم البابا يوساب الثاني.
دخل من البداية في مشاكل مع "القمص إبراهيم لوقا" و"المنياوي باشا" اللذان أيَّداه بشده في فترة انتخابه وترشيحه، وذلك بسبب رفض البابا تسليمهما إدارة الأوقاف، ورفعا ضده قضايا في المحاكم خسراها(14).
حدث في أول أكتوبر سنة 1946 أن أصدر محمد كامل مرسي باشا وزير العدل بيانًا عن ترقيات رجال النيابة والقضاء أشار فيه إلى نسبة الأقباط فيها، وقد أثار هذا البيان النفوس حتى لقد قال البعض إن وزيراً مسئولاً يعترف في بلاغ رسمي بأن الحكومة تسير مبدأ التفرقة بين المواطنين- كأن الأقباط والمسلمين ليسوا أمه واحدة! ولقد شاء قداسة البابا يوساب أن يعبر عما أصابه وأصاب أولاده من ألم لهذا البيان فطلب إلى "حبيب المصري" أن يرد عليه. فقام الأخير بوضع مذكرة صافية في هذا الموضوع ضمنها الكثير من الأمثلة التاريخية عما أدَّاه القبط من خدمات لوطنهم الحبيب مصر. ثم أوضح خطورة بيان وزير العدل على وحدة الأمة المصرية, وطالب رئيس الوزراء بإصدار بيان يصحح فيه موقف الوزير. وقد رفع صورة من هذه المذكرة إلى جلالة الملك، ومن نعمة الله أن استجاب المسئولون آنذاك لهذا الطلب(15).
في سنة 1947 تقريبًا طلب أسقف إنجليكاني إنجليزي من البابا يوساب أن يرسم أسقفاً انجليزياً للأقباط في السودان، فانتهره البابا بشدة لهذا العرض الغريب، ورفض رفضًا قاطِعًا(18).
يُعطى لقداسته الفضل في بدء تدريس الدين المسيحي للطلبة المسيحيين في جميع المدارس، وذلك بعد أن أرسل البابا يوساب خِطابًا سنة 1948 م. إلى عبد الرازق السنهوري باشا وزير المعارف العمومية حول شكواه من إلزام الطلبة المسيحيين حضور دروس الدين الإسلامي بل والامتحان فيها أحيانًا. كما أرسل خِطاب ثاني سنة 1949 إلى أحمد مرسي بدر بك وزير المعارف بنفس المعنى، قد استجاب المسئولون للأمر وتفهَّموه بحكمة.(16)
كان مبنى الكلية الإكليريكية منذ عهد البابا كيرلس الخامس في منطقة مهمشة بالقاهرة (وكانت كنيسة السيدة العذراء بالمهمشة موجودة في الركن الشمالي الشرقي من حديقة المبنى). ولكن قام قداسة الأنبا يوساب بنقله إلى المبنى الخاص على أرض الأنبا رويس سنة 1949 (؟)(6).
جاء إلى قداسته خطاب من بعض الوطنيين وكاهنهم من جنوب أفريقيا يقولون فيه إنهم من سلالة قبطية ويرغبون في العودة إلى الكنيسة الأم. فاختار قداسته أحد سكرتيريه (القمص أيوب الأنبا بيشوي، الذي يجيد الإنجليزية والفرنسية) وأوفده إليهم سنة 1949 م. لبدء الخدمة هناك(17). وقد أصدر غبطة البطريرك أمراً بابوياً بتعيين ثلاثة من الرهبان المثقفين المتضلعين في اللغات الأجنبية وذلك ليكون منهم "مكتب الاتصالات الخارجية" وبدأ المكتب فعلاً بترجمة كتب الطقوس والقداس والعقائد للغة الانجليزية لفائدة شعب كنيسة جنوب أفريقيا. ثم بعدها رُسِمَ القمص أيوب أسقفًا لجنوب أفريقيا باسم الأنبا مرقس وخدم هناك فترة بسيطة.
يعود تاريخ الكنسية المرقسية بالإسكندرية إلى القرن الأول الميلادي، بكونها أول كنيسة بُنِيَت في أرض مصر وربما في العالم كله (سنة 65 م.)، وبالطبع احتاجت للترميم أو الهدم وإعادة البناء مرة ومرات.. وحينما لاحظ قداسة الأنبا يوساب أن جدران هذه الكاتدرائية فيها تصدع, فرأى من الأصوب هدمها وإعادة بنائها. وتم هذا العمل بالفعل, ففي ليلة الأحد 30 بابة سنة 1669 (9 نوفمبر سنة 1952) احتفل البابا بتكريس الكاتدرائية الجديدة، واختتم هذه الصلوات بالقداس الإلهي صباح الأحد. وقد اشترك مع قداسته في الصلوات أصحاب النيافة مطران اثيويبا وأسقف هرر وأسقف أورشليم مبعوثو الإمبراطور هيلاسلاسي، إلى جانب المطارنة المصريين. كذلك حضر عدد كبير من كبار المواطنين تشاركًا منهم معنا, يتقدمهم مندوب رئيس الجمهورية محمد نجيب، يصحبه محافظ الإسكندرية وحكمدارها(19). كما تم حينها الكشف على مقبرة البابوات فيها(28).
بعد ثورة 1952 م. واستمراراً مع تشييد الكنائس وتكريسها أقيم بناء ضخم على أرض الأنبا رويس تتوسطه قاعة كُبرى دُعِيَت أولاً "القاعة اليوسابية" ثم تحول اسمها إلى "القاعة المرقسية". وقد دعا قداسة الأنبا يوساب إلى حفل افتتاحها عدداً كبيراً من رجال الكنيسة والدولة وسيداتها في مساء الجمعة الموافق 6 أمشير سنة 1669 (13 فبراير سنة 1953)(20).
أُنشئ في عهده "مجلس الكنائس العالمي" (1948)، وقد أرسل قداسته وفداً لينوب عنه وعن الكنيسة القبطية إلى مؤتمر إيفانستون Evanston (بولاية إيللينوي Illinois بالولايات المتحدة الأمريكية) سنة 1954 م. وقد كان هذا هو الاجتماع الثاني للمجلس(3).
كان هناك خادم للبطريرك اسمه "كامل جرجس" (مَلَك) يثق فيه ثقة عمياء، إلا أنه خلال فترة بطريركية البابا أساء استغلال وضعه، وأخذ يعبث بأوضاع البطريركية من رسامات كهنة وتنقلاتهم وترشيح أساقفة وخلافه(24).. كما كوَّن ثروة من السيمونية، بخلاف تزويره لرسالة من البطريرك لعزل أحد الأساقفة الذين وقفوا في وجهه(22)). ومن خلال الأحداث التالية المذكورة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت تم القبض على هذا الخادم يوم 29 أغسطس 1953 م. لفترة، ثم مُنِع من دخول البطريركية.
ولما ساءت حالة البطريرك لتدخل الخادم في شئونه الرئيسية وأصبح منبوذاً من سواد الأمة قام بعض المتطرفين من "جماعة الأمة القبطية" في 25 يوليو سنة 1954 م. وتسلقوا أسوار البطريركية ليلاً واقتحموا مخدعه وأرغموه بتهديد السلاح علي النزول معهم إلي شارع الكنيسة المرقسية، وذهبوا به إلي مصر القديمة ووضعوه في دير مارجرجس للراهبات. فلما علمت الحكومة بهذا الحادث الخطير -وهو الأول من نوعه علي ما نعلم- أعادت البطريرك إلي مقره في اليوم التالي وقبضت علي الشبان الذين دبروا عملية الاختطاف وشرعت في استجوابهم ولكن البطريرك تنازل عن حقه وعفا عن جميعهم(25).
وفي أواخر أيامه اشتد النزاع بينه وبين المجمع المقدس بسبب رفضه بعض المطالب الإصلاحية (بداية من 25 سبتمبر 1954 م.)، لدرجة إغلاق باب البطريركية في وجه أعضاء المجمع لمنعهم من الاجتماع!
فقام المجمع يوم 27 سبتمبر 1955 م. بتعيين لجنة ثلاثية من الأساقفة (الأنبا أغابيوس مطران ديروط وصنبو وقسقام - الأنبا ميخائيل مطران أسيوط - الأنبا بنيامين مطران المنوفية) للقيام بأعمال البطريرك(21) الذي سافر إلى دير المحرق باختياره، وإبعاد حاشيته التي أساءت للكنسية (منهم الخادم "مَلَك").
وفي دوامة النزاع بين البابا والمجمع المقدس قامت الحكومة بإلغاء سلطة المجالس الملية في قضاء الأحوال الشخصية وأصبحت لأول مرة من اختصاص المحاكم الوطنية.
وفي 20 يونيو 1956 م. دعا الأنبا يوساب لعقد مجمع داخل دير المحرق، وحضره ثلاثة عشر مطراناً وأسقفاً من الأقباط وسبعة من الإثيوبيين، وفيه أعلن الأنبا يوساب أمام الجميع استغناءه عن "ملك" وعن البطانة التي كانت تحيط به. إلا أن الأساقفة الذين لم يحضروا بالإضافة للمجلس الملي رفض فكرة عودة البابا لمقر رياسته، فأقام في المستشفى القبطي(23) واقتصر دوره على القيام بالصلوات والشعائر الدينية فقط لمدة خمسة أشهر إلى أن تنيَّح بعد شهر من المرض. وقبل نياحته بيوم رأى الأطباء المعالجون أنه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، فاتفقوا مع آباء المجمع المقدس على نقله إلى الدار الباباوية لينتقل إلى الفردوس من مقر رياسته صوناً لكرامة الكرسي المرقسي. ووافق الجميع بلا استثناء على هذا الرأي, ونُقِلَ قداسته إلى مقره الرسمي وهو ما زال في غيبوبته. وبعد أربع وعشرين ساعة انتقل من هذا العالم البائد إلى العالم الباقي.
وقد تنيَّح بسلام في 13 نوفمبر سنة 1956 م.
وفي اليوم التالي أجلسوا غبطته على كرسيه البطريركي في الكاتدرائية المرقسية وأخذ آلاف الشعب تتوافد على الكنيسة (من الساعة الحادية عشر إلى الساعة الخامسة مساء), واستمر الحال هذا المنوال إلى الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الخميس حيث أغلقت الأبواب استعداداً ليوم الجناز.
صلاته تكون معنا آمين.