أولا: تحديد يوم عيد القيامة:
تمارس الكنيسة الاحتفال بعيد القيامة المجيد منذ نشأتها ويرجع وضع العيد للرسل أنفسهم إذ جاء في الدسقولية ما يلي:
"يجب عليكم يا إخوتنا الذين اشتريتم بالدم الكريم الذي للمسيح أن تعملوا يوم الفصح (عيد القيامة) بكل استقصاء واهتمام عظيم من بعد طعام الفطير عند اليهود (الذي يكون في وقت الاعتدال الربيعي وهو يقع في 21 مارس)، وأن لا يُعمل هذا العيد الذي هو تذكار آلام الواحد دفعتين في السنة بل دفعة واحدة الذي مات عنا دفعة واحدة، واحذروا أن تعيدوا مع اليهود لأنه ليست لكم الآن معهم شركة، ولا تصنعوه في يوم من الأيام البتة إلا يوم الأحد".
و يتضح من هذا القانون الرسولي تلك الأسس التي أمر بها آباؤنا الرسل الأطهار التي يبني عليها تحديد يوم العيد وهي:
1- أن يعيد بعيد القيامة المجيد مرة واحدة في السنة لأن المسيح مات مرة واحدة وقام.
2- لابد أن يقع العيد في يوم أحد لأن قيامة المسيح حدثت في يوم الأحد.
3- أن يكون العيد بعد الفصح اليهودي لأن الفصح اليهودي كان رمزا للفصح المسيحي.
4- أن يقع العيد بعد الاعتدال الربيعي (الرابع عشر من الشهر العبري ويكون البدر كاملا) وهو ما يوافق 21 مارس في السنة الميلادية و25 برمهات في السنة القبطية لذلك فإن عيد القيامة يحتفل به في يوم الأحد التالي مباشرة للفصح اليهودي (حتى لو كان ذلك اليوم أحد) فيما لا يزيد على ستة أيام.
ويرجع الفضل في تحديد ميعاد عيد القيامة إلى مجهودات الأنبا ديمتريوس الكرام البطريرك السكندري وهو البابا الثاني عشر (188-231م) في حساب الأبقطي والذي وضعه على أساس رياضي دقيق لتحديد عيد القيامة وأقره المجمع المسكوني بنيقية سنة 325م، وأصدر الإمبراطور قسطنطين أوامره بذلك وعهد آباء مجمع نقية إلى بطريرك الإسكندرية بحساب وتحديد يوم عيد القيامة والذي كان يعيد فيه المسيحيون معا في أنحاء الإمبراطورية.
ثانيا: الاحتفال بتذكار القيامة:
لأن حدث القيامة جليل وبركات قيامة الرب تثري الكنيسة بغنى عظيم إذ تعم فيها البهجة ويملأها الفرح لذلك تحتفل الكنيسة بقيامة الرب خمسين يوما تبدأ بعيد القيامة وتنتهي بعيد العنصرة، وفي هذه الفترة يمتنع الصوم وهي أيام رتبت لها قراءات خاصة تليق بالقيامة وبهجتها ومجدها، وليس في هذه الأيام المقدسة سجود (مطانيات) لأن السجود تذلل ولا يليق التذلل في أيام الفرح. ولا يقرأ في القداسات السنكسار (سير القديسين) لأن بقيامة الرب تمجد المسيح شمس البر والقديسون هم النجوم والكواكب (رؤ 12: 1) وفي هذه الأيام أشرقت شمس البر لذلك تحتجب الكواكب والنجوم. وفي هذه الفترة تنشد الكنيسة ألحان القيامة ويطوفون بأيقونة القيامة في الكنيسة، وكان من عادة المؤمنين أن يزوروا أورشليم في هذه الفترة وهي مكان آلام الرب وقيامته. ولأن الرب قام في يوم الأحد فقد تقدم يوم الأحد وأخذ موضع الصدارة و سمى يوم الرب (كرياكي)... Kvpiaky ) رؤ 1: 10 ) وأول الأسبوع (لو 24: 1، أع 20: 7) والذي فيه يجتمع المؤمنون ويتناولون جسد الرب ودمه الأقدسين، لقد حل يوم الأحد محل السبت القديم لأنه تذكار القيامة، وكما يطلق عليه القديسون أنه يوم الخلائق الجديدة لأن فيه صار تجديدها (تك 1: 1، 27).
وعينت الكنيسة يوم 29 من كل شهر قبطي يعيد فيه تذكارا للثلاثة أعياد السيدية البشارة والميلاد والقيامة.
أما القداس الإلهي الذي هو تذكار حي معاش لآلام الرب وقيامته "اصنعوه لذكري" فقد عبر فيه الطقس عن حادثة القيامة في عرض الأسرار الإلهية على الشعب في نهاية القداس، والغرض من ذلك هو إعلان ظهور الرب للتلاميذ بعد القيامة (بطبيعة الحال يغطي الكاهن الأسرار باللفائف قبل عرضها لأنه لا يليق أن نتفرس بعيوننا الترابية في تلك الجواهر المقدسة)، وفي القداس تعرض الأسرار المقدسة على الشعب مرتين: المرة الأولى التي يعرض فيها الكاهن الأسرار على الشعب وقت قوله: "القدسات للقديسين. مبارك الرب يسوع المسيح ابن الله. وقدوس الروح القدس آمين". وهنا يسجد الشعب وهم يهتفون "مبارك الآتي باسم الرب"، وسجود الشعب إشارة إلى سجود مريم المجدلية و مريم الأخرى عندما رأتا الرب بعد قيامته (مت 28: 9).
وأما المرة الثانية التي يعرض فيها الكاهن الأسرار على الشعب حين قوله: "جسد مقدس ودم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا آمين". وفيها تذكار إلى صعود الرب أمام تلاميذه وهم على جبل الزيتون وقد أخذته سحابة عن أعينهم (أع 1: 9).
ثالثا: طقس الاحتفال بالعيد:
لأن الرب قام في سحر الأحد والظلام باق لذلك تحتفل الكنيسة بهذا العيد ليلا إذ تصلي القداس الإلهي الذي ينتهي بعد منتصف الليل. وفي الاحتفال بعيد القيامة تمارس الكنيسة طقسا فريدا فيه تجسد حادثة القيامة وتغوص بذهن المؤمنين في أسرارها فتلقي الضوء عليها وتفسرها.
ففي هذا الطقس رتبت الكنيسة أن تقام في صلاة ليلة عيد القيامة وقبل القداس الإلهي تمثيلية القيامة، وهي تنقلنا لتلك اللحظات التي غلب فيها الرب شوكة الموت وقام ظافرا من القبر وصاعدا إلى السماء وسط فرح الملائكة، وهي تبدأ بأن تغلق أبواب الهيكل وفي غلق الأبواب إشارة إلى غلق باب الفردوس بسبب خطية آدم وتطفئ أنوار الكنيسة وهذه تمثل الظلمة التي سبقت قيامة الرب، إذ نزل إلى الجحيم ليخرج نفوس القديسين الراقدين المنتظرين على رجاء قيامة الرب ليدخلهم مع اللص اليمين إلى الفردوس. . . ويحدث حوار متبادل بين من هم بداخل الهيكل (الكهنة) وهم يمثلون السمائيين مع من هم خارج الهيكل (خورس الشمامسة) وهم يمثلون الكنيسة ويكون ستر الهيكل مقفلا حتى نهاية الحوار حيث تدق عدة طرقات إشارة إلى الزلزلة التي حدثت وقت قيامة الرب لينفتح وتضاء الأنوار في الكنيسة إشارة إلى قيامة الرب وإشراق أنوار قيامته التي ملأت المسكونة، وينضم الجميع ينشدون تسابيح القيامة معا لأن البهجة والفرح قد ملأت السماء والأرض بقيامة الرب، وهو ما سبق أن تنبأ به داود النبي في (مز 24: 7-10) وهو:
الكنيسة : ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم.. .
ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية. . .
ليدخل ملك المجد.
السمائيين : من هو ملك المجد؟!
الكنيسة : الرب العزيز القادر. . .
القوي في الحروب. . .
(وتكرر الكنيسة النداء لأنها اختبرت قوته).
الكنيسة : ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم.. .
ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية.. .
السمائيين : من هو هذا ملك المجد؟!
الكنيسة : رب القوات . ..
هذا هو ملك المجد.
وفي صوت الكاهن (المسيح قام) و مجاوبته من خارج الهيكل (حقا قام) إشارة إلى إذاعة بشرى القيامة بواسطة الملاك للنسوة اللائي حضرن إلى القبر (مر 16: 6، لو 24: 6).
وفي هذا الحوار بين الكنيسة و الطغمات السمائية، تظهر الكنيسة حقيقة هامة في إيمانها، إذ تجعل من الكنيسة أول كارزة بصعود الرب، أنها تكرز بقيامة الرب ليس فقط في الأرض ولكن تكرز بين القوات السمائية، وهو ما أشار به القديس بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة أفسس "لكي يعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة" (أف 3: 10). فإذا قد سبقت السماء حاملة إلى الأرض البشارة المفرحة بنزول المسيح إليها في تجسده، فاليوم تحمل الكنيسة إلى السمائيين بشارة الفرح بقيامة الرب وارتفاعه في صعوده إلى السماء.
ثم يطوف الكهنة والشمامسة بأيقونة القيامة في أرجاء الكنيسة في أرجاء الكنيسة وفي الطواف بأيقونة القيامة إشارة لظهور الرب لتلاميذه وكثيرين بعد قيامته وتدق الأجراس أثناء الزفة كما أن الطواف بأيقونة القيامة تعلن ابتهاج الكنيسة بقيامة الرب "فلهذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونتهلل فيه" (مز 118: 24). والكنيسة باحتفالها في عيد القيامة بهذا الطقس الفريد تعيش أفراح القيامة وتؤكد أنها تتذوق أمجاد مستقبلها السعيد في هذا الحاضر الزمني.
وتدور قراءات هذا العيد حول محور واحد هو موضوع قيامة الرب مزمور باكر (مز 77: 56، 60)، (مزمور القداس) (مز 17: 23-25)
تشير المزامير إلى قيامة الرب "استيقظ الله كالنائم، ومثل الجبار المفيق من الخمر" ، البولس: (1 كو 15: 23-49) و الكاثوليكون (1 بط 3: 15؛ 4: 1-6).
وتشير الرسائل إلى حياتنا والخلاص الذي نلناه بقيامة الرب غالبا الموت.الإبركسيس (أع 2: 22-35 ). تشير أعمال الرسل إلى قيامة الرب وغلبته على الموت "بأيدي آثمة أخذوا المسيح وصلبوه وقتلوه... ولكن الله أقامه، ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه" إنجيل باكر: (مر 16: 2-11)، (يو 20: 1-18 ).
وموضوع حديث الأناجيل هو قيامة الرب من الأموات وظهوره للمريمات.