الحلفان...لماذا مُنِعَ الحلفان ؟
مكتوب "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً. لأن الرب لا يُبرئ من نَطقَ باسمه باطلاً."
هذه هي الوصية الثالثة من الوصايا العشرة وفيها يحرّم الله في العهد القديم النطق باسمه باطلاً أي بالكذب، ويفسرها الله في سفر اللاويين ويقول "ولا تحلفوا باسمي للكذب فتدنس اسم إلهك. أنا الرب" وفي سفر العدد يقول "إذا نذر رجلٌ نذراً للرب أو أقسمَ قَسَماً أن يُلزم نفسه بلازمٍ فلا ينقض كلامه. حسب كل ما خرج من فمه يفعل." ومن هذه الآيات نعرف أن الله يريد أن يعلّم شعبه كيف يُبجَّلون اسمه فلا ينطقون أو يحلفون به باطلاً أو كذباً فإن من يفعل هذا يُدنس اسم الرب.
كما يريد الله أيضاً أن يعلم شعبه في العهد القديم ضرورة احترام النذور والوفاء بها لأن الله قد سمع أقوال فم الإنسان، لذلك فالإنسان مُطالب بالوفاء بما نذر أو بما ألزم نفسه به "إذا نذرت نذراً للرب إلهك فلا تؤَخّر وفاءَهُ. لأن الربَّ إلهك يطلبهُ منك فتكون عليك خطية."
والآن كيف أكمل المسيح هذه الوصية ولماذا نحن لا نحلف في العهد الجديد؟ في إنجيل متى يقول المسيح "أيضاً سمعتم أنهُ قيل للقُدَماءِ لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتَّة. لا بالسماءِ لأنها كُرسيُّ الله. ولا بالأرض لأنها مَوطِئُ قدميهِ. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرةً واحدةً بيضاءَ أو سوداءَ. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشِّرّير"
إذن الحلفان في المسيحية ممنوع تماماً، لكن هل ممكن أن نعرف ما هو عدم الصواب في الحلفان؟
إن الحلفان إنما هو لتأكيد صدق الكلام. وليمنع الإنسان نفسه بالحلفان عن الكذب وهذا ما لا يليق بالعهد الجديد الذي أعطانا الله فيه شركة الطبيعة الإلهية لكي ترتقي شركتنا معه وتشابه علاقة المسيح في جسم بشريته بالله فقد ترك المسيح لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. والمسيح لم يحتج قط في حياته أن يؤكد صدق كلامه بالحلفان ولا أن يمنع نفسه عن الكذب بالحلفان ولم ينتظر الله منه ذلك قط. لأن المسيح هو الطريق والحق والحياة
وكان المسيح دائماً يتكلم بالحق وهو الأمين الصادق والمسيح إذ يتحدث للآب عنا، يقول "ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم. قدِّسْهم في حقّك. كلامك هو حقٌّ. كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم. ولأجلهم أقدّس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدَّسين في الحق" فإرادة الله هي أن نشابه صورة ابنه يسوع فنكون مقدسين في الحق ولا نحتاج أن نؤكد كلامنا بالحلفان ولا أن نمنع أنفسنا عن الكذب بالحلفان. لأن الأمين الصادق شخص المسيح ساكن فينا بالروح القدس. ويضاف إلى ذلك أيضاً ان الحلفان يحمل في ذاته تأكيداً لقدرة الإنسان بل وكبرياء الإنسان، فمن يقسم بالله العظيم إنما يرفع نفسه إلى الذات الإلهية في عظمتها وقدرتها وكأنه نظير لها في المقام، لذلك هو يحلف بها كأنه عارف بها، بل حتى من يحلف برأسه كأنه يمتلكها ويقدر أن يسود على رأسه. وكل هذا كبرياء ضد الله وضد معرفة الله، وضد روح التواضع الذي يريد الله أن يعلمنا إياه. لذلك قال المسيح "لا تحلفوا البتَّة. لا بالسماءِ لأنها كُرسيُّ الله. ولا بالأرض لأنها مَوطِيءُ قدميهِ. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر ان تجعل شعرةً واحدةً بيضاءَ أو سوداءَ. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشّرِّير"
إذاً لماذا سمح الله بالحلفان في العهد القديم؟
سمح الله بالحلفان في العهد القديم كما أذن لهم بالطلاق وغيره، وذلك كله يرجع لطفولة البشرية ولغلاظة قلوب البشر في العهد القديم، و"لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد. لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد." فلم تكن للشعب في العهد القديم إمكانية نوال شركة الطبيعة الإلهية التي تستطيع أن تحتمل إعلان فكر الله كما هو، فأعلن الله للقدماء بداءة فكره وظلال الحقائق التي أعلنها لنا بروحه في العهد الجديد بعد أن خلصنا بدمه الذي سفكه على الصليب ليقتني به كنيسة الله التي ماتت مع المسيح وقامت معه لتسلك معه في جدة الحياة كما سلك هو أيضاً في استقامة وقداسة وحق في النور.، كما هو مكتوب "مَنْ قال إنهُ ثابتٌ فيهِ ينبغي أنهُ كما سلك ذاك - أي المسيح - هكذا يسلك هو أيضاً." لأن "الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضئ." لذلك يقول لنا المسيح "تعلموا مني. لأني وديعٌ ومتواضع القلب. فتجدوا راحةً لنفوسكم." آمين.