معنى آية: أنت هو الإله الحقيقي وحدك
سؤال:
خاطب المسيح الآب وقال: "أنت الإله الحقيقي وحدك" وأكرر "وحدك"، كما جاء في يوحنا 17 (1-3)، وفي نفس الوقت الآب ليس هو الابن، فكيف يكون الابن إلهاً؟!
الإجابة:
الآية تقول "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".
من ضمن الآيات التي يسيء الأريوسيون فهمها ضد لاهوت المسيح آية من يوحنا (يوحنا 17: 3) يقول فيها "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" فالأريوسيون يقولون أنه مادام هو الإله الحقيقي وحده إذن فالمسيح بعيد عن هذا اللاهوت أيضًا. فيجب علينا أن نرى كل النص أولًا، ثم نقوم بالرد.
يقول "أيها الآب قد أتت الساعة مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا.. إذ أعطيته سلطانًا على كل جسد ليعطى حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو17: 1ــ 3). ويقول الآباء في هذا: "الذي يعطى حياة أبدية لكل أحد لا يمكن أن يكون إلا الله"، فَمَنْ الذي له سلطان أن يعطى حياة أبدية لكل أحد؟! "أعطيته سلطانًا على كل جسد"، يجب علينا أن نفهم كلمة "كل جسد" فهمًا سليمًا.
كلمة جسد أحيانًا تُطْلَق على جسم الإنسان، وأحيانًا كلمة جسد تعني الإنسان كله أحيانًا مثلما نقول "والكلمة صار جسدًا"، الكلمة صار جسدًا ليس معناها صار جسمًا فقط إنما صار إنسانًا كاملًا. وأيضًا في الكلام على نهاية الأزمنة قال "إن لم يُقَصِّر الله تلك الأيام لم يخلص جسد". وهنا غير مقصود يخلص جسد أي جسم إنما لم يخلص إنسان.
فهنا آية "أعطيته سلطان على كل جسد" يعني "على كل إنسان"، ولا يمكن لواحد أن يكون له سلطانًا على كل إنسان إلا الله وحده.
وعن آية "يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك"، فإن الابن في هذه الكلمة "يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك" لا يميز الآب عن الابن، إنما يميز الآب عن الآلهة الأخرى، أي في موضوع تعدُّد الآلهة التي كانت منتشرة في ذلك الزمان، فالتفرقة هنا عن الآلهة غير الحقيقيين "أنت الإله الحقيقي وحدك". وذلك مثل مزمور (مز 82: 1) "اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي". طبعًا هؤلاء ليسوا آلهة بالحقيقة. وأيضًا في (مز 82: 6، 7): "أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ»". فهؤلاء الذين يموتون ويسقطون ليسوا آلهة بالحقيقة؛ لكن دُعُوا آلهة. وآلهة الأمم أيضا دعوا آلهة، والكتاب في مزمور (مز 96: 5) يقول: لأن كل آلهة الأمم شياطين: "لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الشُّعُوبِ أَصْنَامٌ"، ومع ذلك سموهم "آلهة". وأيضًا في الوصايا العشرة يقول "لا تكن لك آلهة أخرى أمامي" فسماهم آلهة لكنهم ليسوا كذلك.
حتى الأنبياء دُعوا آلهة!! فمثلًا موسى النبي قال له الله في خروج (خر 7: 1) "أنا جعلتك إلهًا لفرعون"، وهنا إلها لفرعون تعنى سيدًا لفرعون، لكن ليس إلهًا لفرعون يعنى خالقًا لفرعون! وأيضا في (خروج 4: 10) عندما دعَى الرب موسى، ولكن النبي اعتذر وقال "أنا أغلف الشفتين، لست صاحب كلام ولا اليوم ولا أمس ولا قبل أمس"، فقال الله له "أنا أعطيك هارون أخاك، أعطيك الكلام في فمك وأنت تقوله له. هو يكون لك نبيًا وأنت تكون له إلهًا". وعبارة "تكون له إلهًا" أي توحي إليه بالكلام، ليس "تكون له إلهًا" أي خالقًا! هارون النبي كان موجودًا حتى قبل ولادة موسى. فالعبارة تعني أنك توحي إليه بالكلام.
فعندما يقول المسيح "أنت الإله الحقيقي وحدك"، فهنا هو يميزه عن آلهة الأمم، أي عن تعدد الآلهة، ويميزه عن الأبرار الذين دُعوُا آلهة تشريفًا لهم كما أوضحنا سابقًا في آية "ألم اقل أنكم آلهة وبنى العلي تُدْعَون" لكن هذا الكلام ليس عن السيد المسيح.
إذن، ما معنى آية "أنت وحدك" هذه؟! وما هو المقصود عندما يقول "أنت هو الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"؟
القديس أثناسيوس الرسولي قال تشبيهًا جميلًا جدًا لهذا الموضوع، إذ قال: "إذا قالت الشمس أنا مصدر النور الوحيد للأرض أثناء النهار، فهل هي تنفي هذا الأمر عن أشعتها؟! أم أن الشمس هي مصدر النور وأشعتها أيضًا؟! وعن طريق أشعتها توصِّل النور للأرض.. فكأن الشعاع يقول لها أنتِ مصدر النور وحدِك، وأنا الشعاع الذي أرسلتيه للأرض لكي يُنير الأرض، ونحن الاثنين واحدًا: الشمس والشعاع.. واحد أي شيء واحد".
فالسيد المسيح قال هذا الكلام في (يوحنا 17) وكان هو في الطريق إلى جثسيماني إلى الجلجثة، فيقول له "أنت الإله الحقيقي وحدك، والفداء الذي أرسلته ابنك للأرض". حسنًا، كلمة "والفداء" هذه ما هو مصدرها؟! فيقول "ويسوع المسيح الذي أرسلته". هنا نرى أنها أول مرة يسوع المسيح يتكلم عن نفسه ويقول أنا يسوع المسيح. دائمًا ما نرى في الكتاب أن الرسل هم الذين كانوا يقولون هذا، أما هو فلم يقل عن نفسه أنه هو يسوع المسيح إلا تلك المرة فقط.
وكلمة "يسوع" يعنى مخلص، و"المسيح" يعني الذي مُسِح لهذه الرسالة، فأنت الإله الحقيقي وحدك وأنا ممثل الفداء، طريق الفداء الذي أرسلته إلى الأرض لأننا نسير في سكة الفداء الآن.
أنت الإله الحقيقي وحدك وأنا اللوغوس (الكلمة) . أنا عقلك الناطق ونطقك العاقل، أنا لستُ غريبًا عنك، ولا أنا بعيدًا عنك، ولا منفصلًا عنك.. أنا كما ورد في كورنثوس الأولى (1 كو 1: 23،24) "قوة الله وحكمة الله".. أنت الإله الحقيقي وحدك، وأنا قوتك وحِكمتك وعقلك الناطق وابنك الذي أرسلته للعالم لكي يفديه.. فلست منفصلًا عنك ولا غريبًا عنك، أنت الإله الحقيقي وحدك، وأنا فيك وأنت فيَّ.. ومن رآني فقد رآك، كما ورد في يوحنا 14: "أنا في الآب والآب فيَّ، مَنْ رآني فقد رأى الآب".
يجب علينا ألا نأخذ جزء من الكتاب وننسى باقي الآيات!
ثم أن كلمة "وحدك" هذه قد تأمل فيها القديس أمبروسيوس بطريقة عجيبة جدًا وقال: "ليست في كل مرة تُقال فيها كلمة "وحدك" يُقصَد الآب وحدهُ منفصلًا عن الابن أبدًا". فمثلًا إذا قُلنا أن الله هو وحده الخالِق، فهل هو وحده بدون الابن؟! الابن الذي قيل عنه في كولوسي (كو 1:16) "أنه خُلِقَ به الكل، وله قد خُلِقَ"، والذي قيل عنه في (يوحنا 1): "كل شيء به كان، وبغيرة لم يكن شيء مما كان"، والذي قيل عنه في (العبرانيين 1): "هذا الذي به عملت العالمين" أو "خلقت العالمين" (اقرأ نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا). فكلمة "الله وحده الخالق" تعنى إنه الخالق، ولكن الخالق بواسطة الابن. فكيف الله خلق؟ خلق العالم بالابن، خلق العالم بعقله الناطق أو بنطقه العاقِل.. فأصبح مَنْ هو الخالق؟ الآب أم الابن؟ الآب هو الذي خلق "في البدء خلق الله السموات والأرض"، والابن هو الذي خلق "كل شيء به كان وبغيرة لم يكن شيء مما كان"، والله خلق بالابن أي الله خلق بعقله الناطق، والله وابنه شيء واحد، الله وعقله شيء واحد.. مثلما تقول: لقد قمت بحل هذه المسالة بعقلي، فهل أنت الذي حللتها أم عقلك؟! أنت حللتها وعقلك، وأنت وعقلك شيء واحد.. وأنت حللتها بعقلك.
فعندما نقول كلمة "وحده" في الخليقة، فلا تعني "وحده" إنما اللاهوت كله، فالله خلق بالابن (بعقله).
وفي تيموثاوس الأولى (1 تيم 6: 16) يقول عن الله "الذي وحده له عدم الموت". فهل الآب وحده له عدم الموت؟! ماذا عن الابن الذي قيل عنه "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس"؟! الذي فيه الحياة؟! قطعًا له عدم الموت، والذي قال عن نفسه "أنا الحياة": "أنا هو الطريق والحق والحياة"، والذي قال عن نفسه "أنا هو القيامة والحياة " (يوحنا 11). فكيف يكون هو الحياة وفيه الحياة؟ طبعًا فيه عدم الموت لأن فيه الحياة إذ هو الله. وإذا كان هكذا، فماذا عن الروح القدس الذي هو أقنوم الحياة؟ إذ انه بعدم الموت لا يقصد الآب فقط إنما يقصد اللاهوت جملة بتفاصيله الثلاثة، على الرغم من استخدام كلمة "وحده". إذًا كلمة "وحده" تعنى اللاهوت وحده، أي لا يوجد شيء مقصود بتلك الكلمة غير اللاهوت.
انظروا أيضًا ما يقوله القديس أمبروسيوس في أعمال (أع 4: 11، 12) عن الابن: "ليس بأحد غيره الخلاص"، أي أن الخلاص له وحده. فهل الخلاص له وحده والآب ليس له علاقة به؟! يقول الكتاب "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد"، وفي يوحنا الأولى يقول "الله أحبنا وأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا". فالخلاص داخل فيه الآب بالطبع، الآب هو الذي أرسل الابن لِيُخَلِّص. فلا نقدر أن نقول أن كلمة "وحده" هي خاصة بأقنوم واحد! والقديس أمبروسيوس يقول في التجربة على الجبل: قال السيد المسيح "مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد"، فهل الآب وحده هو الذي يُسْجَدْ له، وهو الذي يُعْبَد؟! فماذا تقول عن المسيح الذي سجدت له مريم المجدلية ومريم الأخرى (متى 28)، وقبل منهم هذا السجود؟ وسجد له المولود أعمى سجودا واعترافًا بلاهوته إذ قال له "أتؤمن بابن الله" قال له "أؤمن وسجد له"، وسجد له ركاب السفينة (متى 14) عندما انتهر الريح وسكنت الأمواج اعترافًا بلاهوته.
إذًا عبارة "أنت الإله الحقيقي وحدك" نضع بجانب منها عبارة "أنا والآب واحد" (يوحنا 10: 30). وآية "يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك"، فكيف يعرفوك؟ يعرفونك عن طريقي أنا الذي عرَّفتهم بك، أنا عَرَّفتهم اسمك، أنا عرفتهم كلامك. كل هذا مذكور في (يوحنا 17)، إذ يقول السيد المسيح "عرفتهم وسوف أعرفهم" لكي يعرفوك بواسطتي، فأنا أقنوم المعرفة.