مفاهيم استشهادية
كلمنت السكندري
وفي سنة 211 م، كتب أكليمنضُس الأسكندري نُصحاً لليونانيين ليوضح لهم خِسَّة الوثنية فيقبلوا الإيمان المسيحي والإستنارة الروحية الفعَّالة... ولُقِب القديس أكليمنضُس الإنسان الحقيقي الذي له شَرِكَة اتحاد مع الله ”شهيداً“، لأنَّ الاستشهاد في نظره ليس من بطولة الشهيد بل في الشهادة للحق المسيحي، الذي يجعل الشهيد يحتمِل بشجاعة آلاماً تفوق ما تحتمِله الطبيعة البشرية..
واعتبر القديس أكليمنضُس السكندري أنَّ المسيحي الحقيقي لا يضطرب من شيءٍ ما.. لا يخشى الموت ولا يخافه، لأنَّ له الضمير الصالِح الذي يهيَّأه لمُعاينة القوات السمائية.
وركِّز القديس على أنَّ الاستشهاد أمر أساسي في حياة كل مُؤمِن، لأنَّ الاستشهاد ليس مجرد سفك دم، ولا مجرد اعتراف شفوي بالمسيح لكنه مُمارسة كمال العِشق الإلهي..
واعتبر القديس أنَّ الجميع مدعوون للاستشهاد ولنوال الإكليل، نساءً ورجالاً عبيداً وأحراراً.
وقنَّن القديس أكليمنضُس الشهادة رافِضاً التقدُّم لها باندفاع وتهور، واعتبر أنَّ الاستشهاد كأس نشربه من أجل الكنيسة، لابد أن نُطيعه بسهولة، بعد أن نتحرر من الآلام مُقدماً، ونروض المُضطهد ونُقنِعه بحب بلا مُقاومة..
تحدَّث القديس من واقِع خبرته الخاصة التي عاشها في عصر الاستشهاد ولمس ثمرته الحيَّة في حياة الكنيسة، فأكَّد على حتمية الاستشهاد واعتباره كمال المحبة وقانونية الشهادة العملية، مُعتبِراً أنَّ الاستشهاد كمال
لأنَّ فيه يظهر كمال عمل المحبة، وأنَّ كل نَفْس تعيش في معرفة الله ومخافته تشهد بحياتها كما بالكلام..
والاستشهاد عند القديس أكليمنضُس خِبرة حياة يومية تُعاش وتُختبر حتى تبلُغ قمة العمل (عند الدم)، مُعتبراً أنَّ الاستشهاد تنفيذ لوصايا الرب من خلال الحب، في كل عمل يُمارس طاعة لإرادِة المُخلِّص..
وبالجملة نجد أنه رأى في الاستشهاد إعلان لعمل التوبة اليومية، مُؤكِداً على الحُب نحو الله في حياة وعمل الشهيد، مُعتبِراً أنَّ من يقوم بإثارِة المُضطهدين يُحسب مُجرِماً لأنه يُثير وحوش كاسِرة.