رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يوحنا عمّد الناس بالماء ليُعدّهم لاستقبال المسيح
هذا هو الأحد السابق لعيد الظهور الإلهي أي الغطاس نقرأ فيه من إنجيل مرقس علّنا نتهيأ لاستقبال الله الظاهر لنا في نهر الأردن. قال المعمدان في ختام التلاوة: “أنا عمّدتكم بالماء، واما هو فيعمّدكم بالروح القدس”. يوحنا عمّد الناس بالماء ليُعدّهم لاستقبال المسيح. ليس أن الماء أعطاهم شيئا، ولكنه كان تذكيرا لهم لكي يصلوا إلى المخلّص بالإيمان والرجاء. عند ذاك يُسلمون للمسيح، وعلامة انصرافهم إلى المسيح وتعهدهم المسيح أن يقبلوا معمودية المسيح، هذه التي قيل عنها انها بالماء والروح القدس. قال القديس سمعان اللاهوتي وقد تلألأت قداسته منذ ألف عام في هذه الديار: “ان الذي لم تُعمّده دموعه، فهذا قد تعمّد بماء فقط وليس بالروح القدس”، فكأنه يقول عن المسيحيين ان معظمهم بقوا عند يوحنا المعمدان كأنهم هؤلاء اليهود الذين أقبلوا إلى نهر الأردن ونالوا ماء على أبدانهم ولم ينالوا روحا قدسا لأنهم لم يتوبوا ولم تعمدهم دموعهم. الذي لم يتحوّل إلى المسيح تحوّلا كبيرا جذريا، الذي لا يثق بالمسيح كليا، الذي لا يؤمن بالإنجيل كليا كما ورد، من الدفة إلى الدفة، هذا غطس فقط بماء ولم ينل الروح القدس. هذا بقي يهوديا في الكنيسة ولو وقف بين جدرانها. الفرق بين الناس ليس بين الذي يتعمّد والذي لا يتعمّد، ولكن الفرق بين الناس هو بين الذي تحوّل إلى المسيح والذي لم يتحوّل اليه. كيف يكون الانسان الذي لم يتحوّل إلى المسيح، هذا الذي ظلّ انسانا عتيقا نتنا؟ في كل منا نتانة تظهر أو تكمن ولكنها فاعلة. نحن حلّ فينا الموت وحلّت فينا رائحة كريهة بسبب الشهوات التي لا نريد أن نتخلّى عنها. فينا بقايا آتية من القديم البالي، فينا أنانيات كثيرة، إمّا أن نريد أن نبقى عليها، أو نريد أن نتخلّى عنها. من لم يقرّر في لحظة مباركة ان يتخلّص تخلّصًـا عميقًا من شهواته، هذا الإنسان لا يزال على يهوديّته أو وثنيّته. ليس المهم ان تكونوا مسجّلين مسيحيين، ليس المهم انكم مغطّسون في جرن المعمودية وقد تكللتم في الكنيسة وجنّزتم موتاكم فيها. هذا ليس بشيء على الإطلاق. كل الأمر ان تكون القلوب ممسوحة بنعمة الروح، ان تكون منكسرة أمام ربها، متواضعة، مطهّرة، غافرة، حليمة، صابرة، محبة. في الدنيا ثلاث شهوات: شهوة الجسد وشهوة المجد وشهوة القوة. هذه هي التي يدعونا الله ان نحاربها بحيث يكون الانسان حرًّا من وطأة جسده عليه، ويكون كافرًا بالمجد وكافرًا بالقوة. الذين يسعون من صميم قلوبهم إلى ان يَظهروا في الناس، هؤلاء لم يظهر عليهم المسيح وليس لهم عيد ظهور إلهيّ. وأولئك الذين يتبجّحون بقوة سلوكهم وبأنهم أشدّاء، يفرضون البأس على الناس ويتحكّمون بالناس، هؤلاء أيضًـا لم يظهر المسيح عليهم. ويخال لي عندما أتطلّع إلى الدنيا حولي أن المسيح يسوع لم يعبُر هنا وانه لم يُرَ أو انه حُجب. يخال لي عندما أنظر إلى نفسي وإلى من حولي اننا نلوك كلمات ونردد عبارات من الإنجيل أو من الكنيسة ولكن لا نصدّق شيئا منها. إن جاءتك تجربة الجسد أو تجربة المجد أو تجربة القوة وكان عليك ان تصمد وان تنتقى وان تصبر وان تحب الذين في الحي الآخر وفي القرية الاخرى وفي الطائفة الاخرى، كان عليك أن تحب حقيقة وأنت حر من الأحقاد، وأنت حر من الصوت الذي تكره ومن ثرثرة المجالس، ان قلت كلمة المسيح لا كلمة غرائزك، فعند ذاك تعرف انك مسيحي اذ ان المسيحية فكر في الإنسان وروح إنجيلية في هذا الفكر. فيما نستعدّ لأن نتطهّر في العيد المقبل إلينا، جدير بنا ان نجعله عيدًا لكل شخص، عيد بعث، عيد ضياء نستنير به، عيدًا نقرر فيه أن ننتقل من معمودية الماء إلى معمودية الروح القدس بحيث نأتي ونستغفر، وبحيث نُقبل إلى الرب منتصرين على كل الأفكار الباطلة التي تضرب أدمغتنا وعلى كل الأحقاد التي تسربت إلى قلوبنا فاهترأت بها. نستقلّ عن كل ذلك لنفتح القلب إلى العالم، إلى الناس كلهم. وسوف ندخل جميعًا في نهر الأردن، في مياه النهر الجارية التي تدفعنا إلى ضياء المسيح. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) عن “رعيّتي”، العدد1، الأحد 4 كانون الثاني 2015 |
|