الأخت ليلى قديسه معاصره
صعدت الى السماء
(رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين)
كانت
الأخت ليلى- شابة فى مقتبل العمر لا تتميز بحسب الظاهر بميزة تبرزها عن
الآخرين بل على العكس تماما ، كانت طبيعية فى كل شىء ، لم تكن خادمة فى
مدارس الأحد ، ولم يكن لها دور بارز ولا إسم رنان ، بل شابة عادية من
شابات الكنيسة بالقاهرة.
تزوجت بفريب لها
بالاسكندرية وسكنت مجاورة لكنيستنا وكانت تحضر القداسات والعشيات قليلة
الاختلاط بالناس ، وكانت من حين الى أخر تأتى معترفة لله أمامى فى أثناء
العشيات.
وكنت أحسد هذه
الأخت – إن صح التعبير – على نقاوة قلبها وشفافية روحها ، وكيف أنها رغم
أنها صارت أما لطفلين تحتفظ بهذا القلب البرىء والنفس التى لم تتسخ
بالعالم.
كانت فى حياتها
الزوجية مثلا رفيعا للإخلاص والمودة وقد نفذت وصية الرب "لا تغرب الشمس
على غيظكم" وقد نفذتها حرفيا ، حتى أنه لم يمض يوم واحد وهى فى خصام مع
زوجها بل عندما كان يحدث شىء من سوء التفاهم كانت تسرع الى الغفران والصفح
والاعتذار ، فكان أن ظل قلبها نظيفا نقيا ، ألم يقل الرب "طوبى لأنقياء
القلب لأنهم يعاينون الله".
تعلق الإبن:-
كانت إبنتها الكبرى
أربع سنوات ، وكان طفلها الصغير إبن سنتين وكان متعلقا بها بشكل منقطع
النظير وكانت هذه الظاهرة محل حديث الكثيرين ممن حولها ، ولأن الطفل ما
كان يستطيع أن يفارقها لحظة واحدة ، حتى أنها ما كانت تستطيع أن تدخل
الحمام بدونه كان الأهل يبدون قلقهم لهذا الوضع أما هى فكانت هادئة دائما
مملوءه سلاما لا يزعجها شىء.
رحيل غير متوقع:
حضر زوجها من العمل
، بحسب عادته بعد الظهر فوجد كل شىء فى المنزل كالعادة جميلا ونظيفا وقد
أعدت له الطعام ورتبت المائدة ، كل شىء على ما يرام.
تناولوا الطعام ،
وإرتاح الزوج قليلا ثم قام وتهيأ للخروج للعمل فى الفترة المسائية ،
ولكنها قالت له لا تنزل اليوم ، فتعجب جدا وقال لماذا؟
- أجابته أنا عاوزاك.
- ماذا تريدين ، ألا تعلمين إنى مرتبط بالعمل ولا أستطيع أن أتأخر.
فلما شددت عليه
الطلب وزاد هو فى الاستفسار . قالت له أنا سأموت اليوم – فكاد يشل تفكيره
، وهو واقف أمامها فى ذهول مطلق ، ما هذا الكلام ، إنك فى كامل الصحة
وريعان الشباب ؟ يشهد بذلك المجهود الضخم الذى بذلتيه اليوم.
- قالت
فى هدوء ، أرجوك ، هذا ما سيحدث .. ولم تكد تنطق بهذه الكلمات حتى جلست
على كرسى كان بجوارها وشحب لونها فى لحظات وغابت عن الوعى.
ووقف الزوج فى ذهول مما يحدث يكاد لا يصدق أنه فى صحوه ، وبدأ يصرخ والأطفال حوله فى منظر مأساوى مثير للغاية.
وبدأ يضرب بيده على
خدها لعلها تفيق من إغمائها لمدة لحظات ، فإذا بها تفتح عينيها ثم تقيأت ،
وتنفست وعادت الى وعيها وكان زوجها يطير من الفرح ، وقال لها نشكر الله
أنت بخير ، لقد كدت أجن من لحظات .... فقاطعته قائلة ، إسمع ، لقد مت فعلا
وذهبت الى الفردوس وتقابلت مع كثير من الذين إنطلقوا ، وتكلمت مع بابا
(وكان قد سبقها الى السماء منذ سنوات) وقال لى لا يا إبنتى أنت صغيرة
وأطفالك صغار ، عودى ، ولكن لا أنا عارفة إنى سأموت أيضا.
السماء جميلة أرجوك ، تمسك بالله ، وإحفظ وصاياه ورب الأولاد فى مخافة الرب.
وإذ قالت هذا رقدت فى الرب. حاول الرجل أن يعمل كل فى طاقة البشر أن يعملوه ولكن الأمر كان قد صدر من قبل الرب
"الذى يحفظ الأطفال الصغار هو الرب".
كان الجميع بعد
ساعات فى المنزل ، وكان الى جانب هذه الأحداث المفجعة موضوع يطرح نفسه
بشده وقسوة ، مشكلة الطفل الصغير شديد التعلق بأمه وتصور الغالبية أن هذا
الطفل سوف لا يستطيع البقاء بعد أمه ، سوف يموت من الحزن عليها الذى لم
يحتمل غيابها الى لحظات كيف يحتمل غيابها الى الأبد.
ولكن الله العامل ،
لكى يكرم هذه الأخت البارة ويعزى كل من حولها بأنها وهى فى السماء تستطيع
أن تخدم أطفالها وتشفع فيهم أعطى الرب هذا الطفل الصغير سلاما وبرودة فلم
يطلب أمه ولا بكى ، وقد أعادت هذه الأحداث الى الذهن الشهيدات الموعوظات ،
التى وضعت طفلها وهى فى السجن على ذمة الاستشهاد ، فإحتجز الحراس طفلها
وكانوا لا يطعمونة لمدة يوم كامل ويحاولوا أن يأتوا بالطفل وهو يصرخ
أمامها لكى يثنوها عن إيمانها ويؤثروا على عاطفتها كأم ، فكانت هى تصلى
بحرارة وإشتياق عظيم فكانت النعمة تشبع الطفل الصغير فلا يصرخ.
تكرر هذا العمل
الإلهى المعجز بصورة ما فى حياة هذه الأسرة . حتى بعد شهور من إنطلاق الأم
عندما كانوا يعرضون بعض الصور الفوتوغرافية أمام الطفل كان يتعرف على جميع
من فى الصور من الأقارب ويناديهم بأسماءهم الى أن يأتى الى صورة أمه ،
وكأنه لا يعرفها . فكان يصمت ولا يجيب . وعاش طفلا طبيعيا وقد سكب الرب فى
قلبه وقلب باقى الأسرة عزاء فوق العادة وكانت قصة إنطلاق هذه البارة سبب
توبة وعزاء للكثيرين.