رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"أجاب يسوع وقال لهم: هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالذي هوأرسله". جاءت الإجابة إنه ينقصهم أمر واحد، هو من صميم الناموس، وهو أن يؤمنوا به، بكونه المسيا الذي أشار إليه الناموس، بكونه مخلص العالم الذي أفسدته الخطية. كلمة الإيمان هنا تحمل معنى الإيمان العملي الحي، حيث يلتصق به المؤمن ويتبعه في طريق الصليب. *كان من الضروري أن يريهم أنهم كانوا لا يزالون بعيدين جدًا عن العبادة المرضية لله، وأنهم لا يعرفون شيئًا عن الأمور الصالحة الحقيقية. فإذ يلتصقون بحرف الناموس صار ذهنهم مملوء بالرموز والأشكال المجردة... إن العمل الذي تمارسه النفس النقية هو الإيمان المتجه نحو المسيح. والأسمى من ذلك بكثير هي الغيرة في أن يصير الإنسان حكيمًا في معرفة المسيح أكثر من الالتصاق بالظلال الرمزية. القديس كيرلس الكبير "فقالوا له: فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك ماذا تعمل؟" طلب اليهود من السيد آية ليؤمنوا به، فهل حسبوا إشباع الجمهور البالغ عدد الرجال بينهم حوالي 5000 نسمة بخمس خبزات شعير وسمكتين آية تافهة؟ طلبوا منه معجزة تضاهي التي حدثت في أيام موسى حيث أكل آباؤهم المن في البرية، أكلوا خبزًا نازلًا من السماء. لقد رأوا معجزة إشباع الجموع بخمس خبزات وسمكتين ولم يؤمنوا. لم يكن ممكنًا أن يروا أعظم من هذا لكن أذهانهم لم تعد قادرة على إدراك الحق. "آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب، أنه أعطاهم خبزًا من السماء ليأكلوا". "فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بلأبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء". لكي يدركوا الحق كشف لهم عن أعماق عمل الله مع آبائهم حين عالهم في البرية أربعين عامًا بالمن النازل من السماء: 1. ليس موسى بل الله هو الذي أعطاهم المن. 2. لم يكن المن هو الخبز الحقيقي إنما هو رمز له. 3. الآن يقدم لهم الله الخبز الحقيقي الذي لا يُقارن به المن قط. 4. إنه هو الخبز الحقيقي النازل من السماء، والذي من أجله أُعطي لآبائهم المن رمزًا له. *بمنتهى الغباوة يتَّوجون هامة موسى بهذا العمل (نزول المن من السماء)، لهذا يطلبون من المسيح آية مساوية لتلك الآية، دون أن يبدوا أي إعجاب على الإطلاق بالآية التي أراهم ليومٍ كاملٍ، حتى وإن كانت عظيمة، لكنهم يقولون إن عطية الطعام عليها أن تمتد لهم زمنًا طويلًا. لهذا نراه يخزيهم بشدة جدًا ليقروا ويقبلوا أن قدرة المخلص وتعليمه الذي هم على وشك قبوله هما الأكثر مجدًا. *الآن أيضًا يقول لهم المخلص إنهم لا يفهمون، وأنهم يجهلون إلى أبعد حد ما في كتابات موسى. لأنه كان الأحرى بهم أن يعلموا في جلاءٍ تامٍ أن موسى كان يخدم أمور الله للشعب، وأيضًا أمور بني إسرائيل تجاه الله، وأنه لم يكن هو نفسه صانع عجائب، بل بالأحرى كان خادمًا وفاعلًا في خدمة تلك الأمور... فلنتعلم إذن بأكثر تمييز وتعقل أن نحترم آباءنا القديسين... لكن حين يكون الحديث عن المسيح المخلص علينا أن نقول: "مَنْ في السماء يعادل الرب؟ من يشبه الرب بين أبناء الله؟" (مز 89: 6). القديس كيرلس الكبير *كان يمكنه أن يجيبهم: "أنا الآن أصنع عجائب أعظم مما فعلها موسى، فلا احتاج إلى عصا، ولا إلى صلاة، بل أفعل كل شيء من نفسي، وإن كنتم تذكرون المن انظروا فإني أعطيكم خبزًا. لكنه لم يكن ذلك الوقت مناسبًا لمثل هذه الأحاديث، فإن الأمر الوحيد الذي كان يرغبه بغيرة هو أن يقدم لهم طعامًا روحيًا. انظروا إلى حكمته غير المحدودة، وأسلوب إجابته! *قول المسيح لليهود: "ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء"، إذ أن المّن ليس هو من السماء، فكيف يقال أنه من السماء؟ إنما قيل ذلك كما يُقال "طيور السماء"، و"أرعد الرب من السماء". وقوله: "الخبز الحقيقي من السماء"، إذ أن المسيح هو الخبز الحقيقي، ليس لأن الأعجوبة الخاصة بالمن كانت كاذبة، لكن لأنها كانت رسمًا ولم تكن الحقيقة بذاتها. *لماذا لم يقل: "ليس موسى أعطاكم هذا بل أنا"، وإنما وضع الله موضع موسى وهو نفسه موضع المن؟ ذلك من أجل الضعف الشديد لسامعيه... لقد قادهم المسيح إليه قليلًا قليلًا. القديس يوحنا الذهبي الفم *وعدهم يسوع بشيءٍ أعظم مما أعطاهم موسى. حقًا بموسى كان الوعد بملكوت، بأرضٍ تفيض لبنًا وعسلًا، بالسلام المؤقت، بكثرة الأبناء وصحة الجسد، وكل الأمور الأخرى التي للخيرات الوقتية، لكنها تحمل رمزًا روحيًا... كان الوعد بملء البطن على الأرض بالطعام الزائل، أما الآخر (يسوع) فيعد لا بالطعام الزائل بل بالطعام الباقي للحياة الأبدية. القديس أغسطينوس |
|