“أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي”…
قداسة البابا تواضروس
ألقى قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عظته الأسبوعية اليوم الأربعاء من كنيسة القديسة العذراء مريم والقديس الأنبا بيشوى بالأنبا رويس، بالعباسية بعنوان (أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي)
“باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين” بمناسبة استعدادنا للعام الجديد ٢٠١٨ أحب يكون تأملنا في مزمور رقم ١٨، وهو مزمور طويل من ٥٠ أية وصلى به داود النبي بعد ما أنقذه الله من يد أعدائه ويد الملك، وفيه تسبيح وعبارات جميلة تسمح لنا كمجموعات وكأسرة ليكون لنا تدريب العام الجديد ونتأمل في الآية الاولى “أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي.”
ونحن نستعد للعام الجديد يجب أن يكون لنا خطة، أيام قليلة ويمضي عام 2017، ثم يأتي العام الجديد وتكون هذه الكلمة شعار لنا جميعاَ (احبك يارب ياقوتى) وهذه الكلمة تأتى في أفكارنا المشاعر التي يذكر فيها الحب بصفة عامة.
“أحبك يارب”.. لكن ماذا تعنى أحبك يارب وما معناها وما يقصده داود النبي؟ داود النبى كان يحب استخدام بعض الصور المجازية التي كانت من الحروب والمعارك فاستخدم جزء من العتاد اللى كان يرتديه الجندي مثل (ترسي وخلاصي وملجأي) لكن نريد أن نركز على كلمة (أحبك) أحبك يارب ياقوتى ولها 5 أبعاد تشرحها. ورقم 5 يعبر عن القوة مثل أصابع اليد.
فاحبك يارب ياقوتي اختصر 5 كلمات في كلمة واحدة ووضعها أمامنا ويمكن ان نسميها خريطة العام الجديد.
١_ أحبك يعنى اشكرك
المعنى الأول لكلمة أحبك يعنى إنني “اشكرك” يارب على العام الذي مضى بأيامه التي كان فيها الحلو والمر مثل قولنا في صلاة الشكر نشكرك على كل حال.. ومثل ما علمتنا كنيستنا نبدأ يومنا بـ”شكر الله” على أنه سترتنا وحفظنا وأعاننا وقبلنا إليه واشفق علينا وعضنا.. وكل معنى من هذه المعاني هو متسع للغاية، أشكرك لأنك سترتني (سترت أهلي ووطني وبيتى وكنيستي..).
أنا يارب أحبك والحب دائما بالشكر، أشكرك على كل ما قدمته لي العام الماضي. ويعلمنا الأباء ليست هناك موهبة أفضل من الشكر، يشكر الإنسان الله على كل شيء الألم والتعب والخير والصحة والصداقة والفخاخ التي ينجيه منها، وعلى عطايا الطعام والشرب والحماية والمياه والهواء.. كل شيء.
٢_ “أحبك يعنى أتوب إليك” وهذا المعنى الثاني.
السنة التي مضت صنع الإنسان فيها خطايا خفية وظاهرة بمعرفة وبغير معرفة لذلك، أحبك يعنى أتوب عن كل ما حدث. أنا بحبك يارب وأعلم انك لا تحب الخطية لكنك تحبني لا تحب خطيتي ولكن تحبني كإنسان، فهل لك جلسة اعتراف وتوبه حقيقية، لابد أن تفرغ قلبك الذى لا يراه الا إلله. حتى الإنسان السارق عند سرقته بيطلب ستر الله، فهل أنت عزمت على التوبة أم أنك تقول (ربنا رب قلوب)؟ هل فكرت كيف تسكب ضعفاتك وكيف تنقى قلبك لأنه بدون نقاوة القلب لن تعاين الله.
ففى المزمور الخمسين أخدنا من داود النبي مثال لتوبته فهو مزمور التوبة؛ فيقول “إرحمني ياالله كعظيم رحمتك”، ويمكن أن تقيس توبتك على مزمور التوبة وعندما تقول أحبك يارب ياقوتي بمعنى أني اشكرك وأتوب اليك.
٣_ أحبك يعنى أوعدك
فرصة قوية للعام الجديد أن تعد الله بتعهدك كي يباركك، فإذا كنت تُقصر فى ممارسة الأسرار المقدسة أوعد ربنا فى العام الجديد بقلب جديد مثل الشخص المُقصر فى اهتمامه ببيته وأسرته وعمله وخدمته، فبماذا تستطيع وعد ربنا في حياتك الروحية والاجتماعية في العام الجديد؟ ممكن توعد ربنا بتحسين طريقة تربيتك لأولادك، فربنا منتظر تعهداتك، دواد النبى يقول “تعهدات فمي باركها يارب”، فتستطيع توعد المسيح فى السنة الجديدة بتعهدات وأيضاً بأحلامك وتطلعاتك واشتياقاتك قلبك، لأن الأحلام تعنى أنك حي.ولازم الأول (تشكر ربنا، تتوب إليه، توعده)
٤_البعد الرابع هو أصلى إليك
العمل الأسمى على الأرض هو الصلاة لأنها الخيط الرفيع الذي يربطك بين الأرض والسماء، واقصد بالصلاة التي هي من القلب وتُصبح لقاء شخصي بينك وبين المسيح وتتشفع بقديسين يشفعون لك في السماء. ولنا فى التاريخ قصة جبل المقطم، ونشكر ربنا اننا فى مصر شعب متدين يرفع الصلاة باستمرار، كنائس فيها صلوات طول اليوم وكل هذه الصلوات يجب أن تكون من قلبك ولا تنشغل بالأمور المادية والاقتصادية والناس والأحداث. اين هو عمل الصلاة والبيت المُصلي والاسرة المُصلية؟ فـ”أحبك” ليست كلمة ولكنها حياة
٥_ البعد الخامس والأخير (اخدمك)
أحبك يارب ياقوتي” وأعبر عنه عمليا ربما بخدمة المريض
والجائع والعطشان وصاحب الإحتياجات الخاصة يجب أن أخدمك. أحبك يعنى أريد أن أخدمك ومن هنا ظهر في العالم ثقافة التطوع، لدي وقت أو مال أو مهارة يمكن أن اقدمها للخدمة. وانت بالمثل علاقتك بالله علاقة عملية، والخدمة يحب أن تكون لكل أحد بدون استثناء لا يقف أمامها جنس أو نوع أو دين، فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فهو خطية.
“أحبك يارب يعنى أشكرك وأتوب إليك وأصلي لك ولازم أخدمك”
من القصص التي تعجبني كثيراً في القرن الثالث الميلادي الجنود وهم متجهين جنوبا فعسكروا عند إسنا، وخرجوا اهل إسنا بكرم وأكل للجنود. فسأل جندي وثني زميله لماذا فعلوا معهم هكذا؟ فأجاب لأنهم مسيحين ولديهم ثقافة الاهتمام بالغرباء. ومن قدموا الطعام لا يعلمون لمن هو، وصار بعد ذلك الأنبا باخوميوس أب الشركة الذي أسس نظام الشركة في الحياة الرهبانية، ولذلك الخدمة لها متسعات كثيرة جداً.
الخلاصة ونحن نبدأ عام جديد ٢٠١٨، نصلي ليكون عام سعيد ومبارك على الجميع، ومصر تنعم فيه وكل شعبها ينعم بالفرح والمحبة والخير، ونأخذ هذا التدريب كخريطة للعام الجديد. وتتذكر أنه عندما وقف دواد النبي وقال “أحبك يارب ياقوتي” كان يقصد أشكرك وأتوب إليك وأوعدك وأصليك وأخدمك.
كل عام وانتم بخير، لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الإبد آمين.