رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح خبز الحياة الحي مقدمة عامة: + الخبز الخبز ـ عطية الله ـ هو مصدر لطاقة الإنسان (الخبز يسند قلب الإنسان مز 14:104، وهو يُمّثل وسيلة هامة وضرورية لحياة الإنسان حتى أن غيابه يعنى الهلاك (عاموس6:4، خر20:28). لهذا نجد في الصلاة التى علّم السيد المسيح تلاميذه أن يُصلّوا بها ـ أن الخبز يُجمل كل الهبات المعطاة لنا من الله (لو 3:11) “خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم“. بل أن الخبز صار هو علامة عطية الله العظمى (مر 22:14). وتوصف الحياة اليومية بالطعم الذى نعطيه للخبز: فمن يعانى ويشعر وكأن الله قد تركه، يأكل خبزه “بدموع”، “صارت لي دموعي خبزًا” (مز3:42)، ” قد أطعمتهم خبز الدموع” (مز4:80) أو بالرماد ” إنى أكلت الرماد مثل الخبز” (مز10:102) أو بالضيق “ويعطيكم السيد خبزًا في الضيق وماء في الشدة” (إش20:30). ومَن يكون فرحًا يأكل الخبز وهو مسرور. وبالنسبة للخاطئ يقال أنه يأكل خبز الشر “لأنهم يطعمون خبز الشر” (أم17:4) وغير ذلك، فإن الخبز ليس فقط وسيلة حفظ الحياة، فالهدف منه هو أن يقسّم، فكل مرة تقدم فيها مائدة لشخص يُفترض وجود علاقة وشركة معه. فعندما يأكل أحد باستمرار مع آخر خبزًا، هذا يعنى أنه صديقه ومن أهل بيته كما يقول المزمور “رجل سلامتى الذى وثقت به آكل خبزى” (مز10:41، يو18:13). وواجب الضيافة واجب مقدس، فالخبز المقدم للضيف هو مرسل من الله “.. فآخُذَ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون” (تك5:18)، (لو5:11) “.. أقرضنى ثلاثة أرغفة لأن لي صديقًا جاءني من سفر وليس لي ما أقدم له“. وعلى العموم، فإنه بعد السبى كان من الضرورى أن يقتسم المرء الخبز مع الجائع، والتقليد اليهودى كان يعتبر هذا الفعل أفضل تعبير عن المحبة الأخوية (أم9:22) ” الصالح العين هو يبارك لأنه يعطى من خبزه للفقير” (حز7:18، 16 أيوب 17:31، إش7:58) وبولس الرسول عندما يكتب إلى أهل كورنثوس عن خدمة القديسين يوضح أن كل عطية، بدءً من الخبز هى من عند الله “والذى يُقدم بذارًا للزارع وخبزًا للأكل سيقدم ويكثر بذاركم وينمى غلات بركم” (2كو10:9). وكان “كسر الخبز” يعنى في الكنيسة الأولى صلاة الشكر الإفخارستى للخبز الذى كان يكسر عن الجميع، حيث يصبح جسد الرب المكسور هو سبب وحدة الكنيسة.(أع42:2)، (1كو17:10) ولقد أعلن الله للإنسان بعدما خلقه (تك29:1) وبعد الطوفان (3:9)، ماذا يستطيع أن يأكل. والإنسان الخاطئ سيحصل على خبزه بعرق جبينه (تك19:3). وهكذا فإن توافر الخبز أو عدمه سيكون له معنى ورمز. توافر الخبز سيرمز لبركة من الله (مز25:36، 15:132، أم11:12). كما أن ندرة الخبز ترمز إلى عقاب للخطية (إرميا17:5، حز16:4) وهكذا فلابد للإنسان أن يطلب الخبز من الله بتواضع، وأن ينتظره في ثقة. ومن هنا فإن الروايات التى تحدثت عن معجزات إشباع الجموع (2مل 42:4). تعبر بكل وضوح عن عطية الله غير المحدودة ” أكلوا وفضل عنهم“. المسيح .. خبز الحياة في قراءات الكنيسة تضع الكنيسة ـ بوعى شديد ـ ما جاء في الإصحاح السادس لإنجيل يوحنا عن حقيقة أن المسيح هو خبز الحياة أو الخبز الحى، تضعه في قراءاتها خلال عبادتها الليتورجية في القداس الإلهى أى في سر الإفخارستيا. فنجد أن الكنيسة وهى تستعد لاستقبال فترة الصوم الأربعينى المقدس، حيث ينبغى على الإنسان فيه أن لا يهتم بالخبز والماء، بل يقدس صومًا وهو يتطلع باستمرار إلى خبز الحياة .. إلى المسيح، نجدها تضع أمامنا آيات يو6 كالتالى: في شهر طوبة: عشية الأحد الرابع: يو47:6ـ58 في شهر أمشير: الأحد الأول: يو22:6ـ27 الأحد الثانى: يو5:6ـ14 الأحد الثالث: يو46:6ـ47 في الخماسين: وتُعيد الكنيسة على مسامعنا نفس القراءات في الخماسين المقدسة تأكيدًا على نفس الحقيقة التى تحتفل بها الكنيسة في فترة الخماسين المقدسة، ألا وهى حقيقة قيامة الرب المحيية هذه الحقيقة هى معاشة ومحققة في جسد الرب ودمه .. في المسيح خبز الحياة. لهذا نجد أن قراءات الخماسين هى كالآتى: الأحد الثانى: يو35:6ـ45 الأيام: اثنين الأسبوع الأول: لو13:24ـ35 (تلميذى عمواس) الجمعة من الأسبوع الثانى: يو54:6ـ58 السبت من الأسبوع الثانى: يو1:6ـ14 السبت من الأسبوع الثالث يو47:6ـ56 حول الآيات ” أنا هو خبز الحياة … أنا هو الخبز الحى” وردتا هاتين الآيتين في نص ص6 لإنجيل يوحنا اللاهوتى في نهاية حديث طويل للرب مع اليهود في مجمع كفر ناحوم (59:6) ويمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى ثلاثة أقسام يبدأ كل قسم فيها عبارة من اليهود أـ الجزء الأول (25:6ـ40): ويبدأ بسؤال يبدو بسيطًا ” ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا “؟ ب ـ الجزء الثانى (41:6ـ51): ويبدأ بتذمر بسؤال استنكارى “فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو خبز الحياة الذى نزل من السماء وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذى نحن عارفون بأبيه وأمه“ ج ـ الجزء الثالث (52:6ـ58): ويبدأ اثر منازعة فيما بينهم (فخاصم اليهود بعضهم بعضًا) قائلين: “كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل“؟ ولقد عبّر السيد المسيح عن بعض الحقائق الإلهية من خلال إجاباته على أسئلة اليهود، وكان إظهار هذه الحقائق هو الهدف الذى سعى إليه السيد المسيح خلال هذا الحوار، كما نجد أن القديس يوحنا، وقد أدرك أهمية هذه الحقائق، نجده يسجلها لنا في إنجيله بكل تدقيق وعناية فائقة كالآتي: أ ـ الجزء الأول من الحديث: 1ـ إثبات ألوهية الابن المتجسد “لأن هذا قد ختمه الآب“ 2ـ استعلان الحياة الأبدية في جسد المسيح “أنا هو خبز الحياة“ 3ـ إيضاح عمل الله “هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذى هو أرسله“. ب ـ الجزء الثانى من الحديث: 1ـ إيضاح علاقة الابن بالآب “ليس أحدًا رأى الآب إلاّ الذى من الله هذا قد رأى الآب“. 2ـ التأكيد على حقيقة أنه هو “خبز الحياة” وأنه هو “الخبز الحى” بعكس أى خبز آخر مثل المن الذى أكله الآباء في البرية وماتوا. ج ـ الجزء الثالث : الشركة مع المسيح “من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية..فمن يأكلنى فهو يحيَ بى” إذ أنه هو بالحقيقة المسيح … خبز الحياة. وسوف نتناول بالشرح الوافي ما قد علّم به آباء الكنيسة والقديس كيرلس عمود الدين أساسًا بخصوص هذا الإيمان بهذه الحقائق الجوهرية، وذلك من خلال شرحه لإنجيل يوحنا الإصحاح السادس[1]. 1ـ يوحنا 32:6 فقال لهم يسوع:” الحق الحق أقول لكم، ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقى من السماء“. لقد افترض اليهود أن المن هو ” الخبز الذى من السماء” وبالتالى فقد عقدوا مقارنة بين موسى والسيد المسيح أو كما يذكر القديس كيرلس أن اليهود دون أن يتعرفوا على كرامة المتعلم، يندفعون دون ترو إلى تكريم موسى فقط ودونما سبب معقول كما يبدو، تمت مقارنة موسى بمن يفوقه . لقد كانت عطية المن ظِلاً في القديم لذلك الخبز الحقيقى الذى من السماء والذى أعطى للبشرية حين أشرف زمان الحق على أبوابنا . وفي مجال تعليقه على رد السيد المسيح على اليهود، يذكر القديس كيرلس أن المسيح قد اتهم اليهود بالتصاقهم بالإشارات الرمزية رافضين أن يفحصوا جمال الحق . ثم يفسر القديس كيرلس معنى رد السيد المسيح فيقول ” لم يكن ذاك هو المن بل كلمة الله الوحيد نفسه، الذى هو من جوهر الآب، إذ هو بالطبيعة الحياة ويحي كل الأشياء لأنه هو إذ قد (صدر) من الآب الحى، فإنه هو أيضًا بالطبيعة الحياة. وحيث أن عمل ذاك الذى هو بالطبيعة الحياة، أن يُحي، فالمسيح يُحي كل شئ، ولما كان خبزنا الأرضى الذى يخرج من الأرض لا يتأثر بهشاشة طبيعة الجسد الذى يُبلى، فإنه هو أيضًا من خلال فعل الروح يحي أرواحنا وليس ذلك فقط، بل هو يحفظ أجسادنا ذاتها أيضًا من الفساد . وينتهى القديس كيرلس إلى القول بأن “المن الحقيقى هو المسيح ذاته مُدركًا باعتبار أن الله الآب قد أعطاه تحت رمز المن إلى أولئك الذين في القديم” . وبأنه “ليس هناك خبز وطعام للقوات الفعلية في السماء سوى ابن الله الآب الوحيد، إذن فهو المن الحقيقى، والخبز الذى من السماء لكل الخليقة العاقلة الذى يعطيه اله الآب. وتجدر الملاحظة أن في هذه الآية يرد المسيح على اليهود قائلاً إن ” أبى يعطيكم الخبز” وليس أبانا. ويسجل لنا القديس يوحنا في موضع آخر من إنجيله نفس هذا القول وذلك عندما أجرى السيد المسيح شفاء مريض بيت حسدا في يوم السبت ” أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل” (يو17:5) ولقد آثار هذا القول حقد اليهود وأرادوا أن يقتلوا المسيح. والمقصود في قول السيد المسيح في كلا الحالتين هو لفت نظر اليهود لعلاقته بالله الآب والتى هى مختلفة تمامًا عن علاقة الآب مع أى من البشر فالعلاقة بين الآب والابن هى علاقة جوهرية، فالابن واحد مع الآب في الجوهر أما علاقتنا نحن كبشر بالله هى علاقة بنوية، نحن أبناء الله بالتبنى بينما الابن هو ابن بالطبيعة. كما نلاحظ أن زمن الفعل يعطيكم هو زمن المضارع وليس مثل فعل أعطاكم الذى هو زمن الماضى، فالزمن المضارع للفعل إذن يدل على استمرار العطاء للخبز الحقيقى من السماء. والخبز الحقيقى هو “من السماء” كما كان المن أيضًا من “السماء” غير أن الخبز هنا يوصف بأنه خبز حقيقى، والمسيح الذى هو ” الخبز الحقيقى” يصفه القديس يوحنا بأنه هو ” النور الحقيقى “(يو9:1). ” لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب الحياة للعالم” (يو33:6). المسيح خبز الحياة .. هو خبز الله النازل من السماء والواهب الحياة للعالم. ومن الملاحظ أن الفعل “نزل” يتكرر 6مرات في هذا الإصحاح في الآيات 58،51،50،42،41،33. ويطلق القديس يوحنا ذهبى الفم على حقيقة أن المسيح هو خبز الله الواهب الحياة Zw»n didÒuj tù kÒsw فيقول أن المن أعطى تغذية Trof»للشعب لكى لم يعطه حياة، وبالتالى كانت هذه العبارة على فم المسيح سبب اندهاش للشعب اليهودى عند سماعها. فقالوا له يا سيد “اعطنا كل حين هذا الخبز” (يو34:6) نلاحظ تغير لهجة اليهود في مخاطبتهم للمسيح له المجد فعندما جاءوا إلى كفر ناحوم كى يطلبونه، “ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا” (يو26:6) أما الآن وبعد أن خاطبهم عن الخبز الحقيقى فإنهم يدعونه قائلين “يا سيد”Kur…e، ” أعطنا في كل حين هذا الخبز“. وغير واضح سبب التحول في لهجة مخاطبة اليهود للسيد المسيح، وهل قصدوا شيئًا بهذا اللقب أم لا؟ غير أنه توجد مقابلة في الحوار الذى جرى هنا مع اليهود والحوار الذى تم مع السامرية عند البئر (يو13:4 ،14) أو كما يقول القديس كيرلس عمود الدين في تعليقه على هذه الآية “وستجدون مثل هذه اللغة متسعة مع هذه المرأة السامرية “ . فلقد طلبت المرأة من المسيح له المجد قائلة ” يا سيد أعطنى هذا الماء لكى لا أعطش ولا آتى إلى هنا وأستقى” (يو15:4) واليهود قالوا: ” يا سيد اعطنا في كل حين هذا الخبز” والمقابلة ليست فقط في قول كل منهم للمسيح ” يا سيد”، بل أيضًا في طلب اليهود والمرأة السامرية أن يُعطوا الخبز والماء باستمرار. وهذا يتضح في قول اليهود ” كل حين ” وفي قول السامرية ” لكى لا أعطش ولا آتى إلى هنا لاستقى“. هذا ولقد ربط السيد المسيح بين عطية الخبز والماء عندما قال ” مَن يقبل إليّ فلا يجوع ومَن يؤمن بى فلا يعطش أبدًا” (يو35:6). ونلاحظ أيضًا أن الفعل الذى استخدمه كل من اليهود والمرأة السامرية ” أعطنا ـ أعطنى” هو فعل أمر وهو نفس الفعل الذى جاء في الصلاة الربانية كما ذكرها القديس متى في الإنجيل (مت 11:6). ” فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة” (يو35:6) ™gî e„m… Ð ¥rtoj tÁj ZwÁj هذه الإجابة الواضحة من الرب يسوع كانت بداية لسخط جموع اليهود عليه. لقد ربط الفيلسوف اليهودى فيلون ـ في نطاق مقارنة رمزية ـ بين المن والكلام الإلهى Qe…oj lÒgoj . غير أن ما قاله السيد المسيح هنا هو بعيد كل البعد عن الغموض الرمزى الذى كان يتحدث به فيلون. ففي الأناجيل الإزائية الثلاثة الأولى (مت26:26، مر22:14، لو19:22) استخدم السيد المسيح كلمة خبز ¥rtoj ليعبر بها عن جسده. وفي الإنجيل الرابع لمعلمنا يوحنا البشير نجد أن المسيح يقدم نفسه بدلاً من الخبزات والسمك الذى جاء اليهود ليبحثوا عنه (26،24). ولذلك فالمسيح خبز الحياة في معنيين: 1ـ ففيه الحياة من ذاته: الخبز الحى (يو51:6) 2ـ يعطى الحياة للآخرين (وهو أيضًا الماء الحى، وشجرة الحياة). كما أننا نجد أن يوحنا البشير هو الذى يسجل لنا باستمرار تعبير المسيح عن نفسه قائلاً أنا هو ™gî e„m…، وبالطبع لا تغيب عن أذهاننا الأهمية اللاهوتية لهذا التعبير والذى يرد في: (يو41:6 ،48، 51، يو21:8، يو7:10، 9، 11، 14، يو25:11، يو6:14، يو21:15). ويشرح القديس كيرلس هذه الحقيقة الإيمانية التى غابت عن أذهان اليهود وهم يحاورون السيد المسيح ويتمسكون بالرموز دون النظر إلى بهاء الحق فيقول أن السيد المسيح قال لليهود لا تفتكروا إذن أن ذلك الخبز هو الخبز الذى من السماء لأننى ” أنا هو خبز الحياة” الذى سبق وتنبأ عنه في القديم لكم كما بوعد وأخبر عنه كما في رمز لكننى الآن حاضر أحقق وعدى في حينه. ” أنا هو خبز الحياة” وليس خبزًا جسدانيًا والذى لا يسد الإحساس بالجوع فقط، ويحرر الجسد من الهلاك الناشئ عنه، بل إنه يعيد تشكيل كل الكائن الحى بالكامل إلى حياة أبدية، ويصير الإنسان الذى خلقه ليحيا إلى الأبد، يصّيره يسود على الموت. ويوضح القديس كيرلس بعد ذلك أن السيد المسيح كان يشير بهذه الكلمات إلى “الحياة والنعمة التى بواسطة جسده المقدس، الذى به تنتقل إلينا خاصية الابن الوحيد هذه أى الحياة “. وبطبيعة الحال، فإن الذين قد دعوا إلى ملكوت السموات بالمسيح، لم يعد المن الرمزى يمثل بالنسبة لهم قوتًا، بل يجب أن يقتاتوا دائمًا بالمسيح .. الخبز الحقيقى.. خبز الحياة، وها ما عبّر عنه القديس كيرلس في ختام شرحه لهذه الآية إذ يقول “إن المن الرمزى لم يعد يخصنا (لأنه ليس بحرف موسى نفقات بعد) بل (لنا) الخبز الذى من السماء أى، المسيح، يقوتنا إلى حياة أبدية، بواسطة زاد الروح القدس، وبشركة جسده الخاص، الذى يسكب فينا شركة الله ويمحو الموت الذى حل بنا من اللعنة القديمة” ” مَن يُقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا” إن أول عمل للنفس هى أن تأتي للمسيح. ومن يقبل إليه: 1ـ لا يجوع oÙ m» pein£sÁ: وتجدر الملاحظة أنه في بعض المخطوطات وردت كلمة p£ntote التي تعني “أبدًا” بعد الفعل المنفي “لا يجوع” أى بمعنى لا يجوع بالمرة أو مطلقًا. واستخدام أداتى النفى oÙ ، m» لنفى فعل الجوع (الذى هو في زمن الماضى) في جملة شرطية مرتبطة بفعل “مَن يقبل” يجعل إمكانية ترجمة الآية كالآتى “مَن يقبل إليّ سوف لا يصبح جائعًا بالمرة “. 2ـ ومَن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا: هنا استمرار ارتباط العطش بفعل الإيمان والذي يأتي في زمن المضارع. ونلاحظ أيضًا أن القديس يوحنا يورد لمرة أخرى توبيخ السيد المسيح لليهود على عدم الإيمان به إذ كان قد سبق وقال لهم ” هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذى هو أرسله” (يو29:6). كما أنه في الإصحاح 37:7 نجد أن الفعلين “يقبل” و”يشرب” مرتبطين معًا في قول السيد ” إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب“. واليهود في مجادلتهم للسيد المسيح يحاولون دائمًا أن يقارنوه بنبيهم موسى، في كل ما يقول وكل ما يفعل “متعالين عليه ولا يفتكرونه عظيمًا إذ في كل مناسبة يقدمون عليه واضع ناموسهم موسى ويؤكدون دومًا أن عليهم أن يتبعوا أوامره لا تعاليم المسيح” ويعتبر القديس كيرلس أن السيد المسيح عندما أجاب اليهود بهذه الآية ” مَن يقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن به فلا يعطش أبدًا كأن به يقول “أجل إنى اتفق معكم أيضًا أن المن قد أُعطى بواسطة موسى، لكن الذين أكلوا آنذاك جاعوا، وأقر معكم أن من جوف الصخر خرج لكم ماء، لكن الذين شربوه قد عطشوا، وتلك العطية التي سبق الحديث عنها لم تعطهم سوى تمتعًا مؤقتًا، لكن ” من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا“[12]. فالمسيح كما سبق القول هو خبز الحياة .. لأن فيه الحياة من ذاته وأيضًا هو الخبز الحى (يو51:6)، الواهب الحياة للآخرين. فمن يقبل إلى المسيح ومَن يؤمن به يعده “بذلك (السر) البركة ـ الألوهية ـ في شركة جسده ودمه الأقدسين، الذى يستعيد الإنسان بكليته إلى عدم الفساد فلا يحتاج أبدًا إلى أى شئ من تلك التي ترفع الموت عن الجسد أعنى الطعام والشراب” وأخيرًا يعطى القديس كيرلس بُعدًا خرستولوجيًا في تفسيره لهذه الآية. فالمسيح إذ هو خبز الحياة وليس سواه هو القادر أن يهبنا حياة وشركة معه وذلك بسبب اتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في شخص المسيح بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغير. وهذا ما تردده الكنيسة في صلاة اعتراف الكاهن في سر الإفخارستيا حيث نتناول جسد الرب ودمه المحيين، غفران لخطايانا وحياة أبدية لكل من يتناول منهما. فيقول القديس كيرلس “إن جسد المسيح المقدس إذن يعطى حياة لأولئك الذين يكون الجسد فيهم، فيحفظهم جميعًا في عدم فساد، إذ يختلط بأجسادهم، لأننا ندرك أنه ما من جسد آخر سوى جسده هو الذى بالطبيعة هو الحياة، الذى فيه كل فضل ” الكلمة ” المتحد به والذى لا يعادله جسد آخر، أجل أو بالحرى الذى يتحقق مع قدرته الفاعلة، التى بواسطتها تحيا كل الأشياء وتبقى كائنة “ |
|