جثمت خيمة الموت ثقيلة فوق أنطاكية أسابيع طويلة وكان الوقت وقت الصوم الكبير. الكل بانتظار خبر من القسطنطينية والقلوب بين مهابة ورجاء. قلة ظنّوا أن شفاعة أسقف المدينة ستثمر، فالرجل مسنّ والمسافة إلى القسطنطينية ثمانمئة كيلومتر، كيف يقطعها؟!.
ولزم يوحنا الصمت سبعة أيام فيما استمرت المداهمات والاعتقالات والاعدامات، ثم خرج إلى الناس بعظاته الإحدى والعشرين حول التماثيل. آخرها كان يوم الفصح بعدما وصل فلافيانوس إلى المدينة وقد نجح في مهمته. لم يكن موضوع هذه العظات التماثيل بل رحمة الله وكيف أن هناك أموراً أصعب من الموت أو العبودية. شدّد يوحنا المؤمنين وثبتهم ونفخ فيهم روح القوة وعلّمهم كيف يقتبلون الموت، إذا كان لا بد منه، كما يقتبلون الحياة، وبالجرأة عينها. قال لهم أن الخوف علامة الخطيئة وأنهم لو لم يطلقوا العنان لرذائلهم لما حلّت بهم المصيبة. لو لم يتكالبوا على الغنى والترف ويتهالكوا على الشهوات ويستسلموا لكل عادة أثيمة لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ولما استبد بهم الخوف من الإمبراطور. أوليس الإمبراطور إنساناً فلماذا نرتعد منه؟!