يا ربّ لا تغضب
الموضوع الأساسي في هذا المزمور هو المرض. يذكر النصُّ العظام (آ 4) التي لا تعرف الراحة، والجراح (آ 6) التي أنتنت وقاحت، والقوى التي تفارق الإنسان (آ 11)، والنور الذي ينطفىء (آ 11)، وفي النهاية الوجع الذي لا ينتهي (آ 18). من أجل هذا، أظهرَ العالمُ عداء للمرتّل واعتبره "مضروباً" من الله.
ولكن المرتّل يتحدّث عن مرضه بشكل عام ليعلن أنه خاطئ، فيتوسّع فكره في أربع حركات. أنت تسمّرني (آ 3- 7). وأنا بين يديك (آ 8- 11). لا أستطيع أن أستند إلى أحد (إلى العالم الخارجي) (آ 12- 15). وها أنا أسلّم لك ذاتي (آ 16- 19).
نتعرّف أولاً إلى عمل الله، يراه الخاطئ كسهام تصيبه. لهذا يلتفت المؤمن إلى ذاك الذي يصيبه "بغضبه". يُسمعه ثورةَ قلبه من أعماق ضعفه. فحين يكون الله ضدّنا (هذا ما ظنّه أيوب) لن يبقى لنا إلاّ الصراخ، وما يعتّم النظر أن ينطفىء.
وبحث المؤمن الذي أحسّ بنفسه وحيداً بسبب الخطيئة، بحث عن عون لدى البشر. ابتعد القريبون وخافوا من أن "يعادوا" الربّ... وفهم المؤمن أن عليه أن يسوّي أموره مع الله، ومعه وحده. كما فهم أن المقاومة لا تنفع، وأن الصمت هو السلاح الوحيد. أما هكذا فعل أيوب؟ وارتمى مع صراخه بين يدي الرب: أسرع إلى نصرتي يا ربيّ ومخلّصي.
أنا أمامك يا رب كالمريض، أطلب منك أن تذكرني ولا تنساني
أنا أمامك يا رب كالخاطئ، أقدّم لك تقدمتي فلا تتذكّر ذنوبي
أقدّم لك ذبيحتي، بخور أعمالي وأقوالي
أقدّم لك قرباني عهداً بيني وبينك كلّ أيام حياتي
فاقبله تذكاراً أرفعه إليك، ولا تهمل عبدك وابن أمتك.
أقف أمامك كذلك الأبرص الذي شفيته: قد شئتُ فاطهر
أقف أمامك كذلك الأبرص وأنا أنتطر نظرة من عينيك ولمسة من يدك
أقف أمامك وأنا أرجو منك كل شيء، أنت يا ربّ العطايا
أقف أمامك وأنا متأكد أنك ستشفيني وأني سأذهب حين يزول برصي وأطهر فأذيع ما فعلته لي وأهتف: الشكر لك يا رب.
الأبرص الذي شفيت كان منبوذاً من الجميع
ما عاد إنساناً، ما عاد رجلَ امرأة أو أبَ ابن وابنة
لا هويّة له ولا وطن، مقامُه القفار وحياتُه مع وحوش البرّ
لا يحقّ له أن يدخل في جماعة بشريّة إلاّ جماعة البرص والمرضى نظيره.
ولكنك أنت يا رب لا تعرف الحواجز، تدمّرها وإن ارتفعت إلى الأعالي
ولكنك أنت يا رب لا تعرف الحدود،
وقد قطعت الحدود التي تفصل السماء عن الأرض
وقطعت المسافات التي تقف لين الله عن البشر.
مددتَ يدك، لمستَ الأبرص، تعجّب الناس ممّا عملت وإلى أي مدى أحببت
شفيت الأبرص فدُهش الحاضرون منك أيها المسبح الآتي ليحمل أمراض البشر.
أتيت بإرادتك إلى من لعنه الناس، فحملتَ اللعنة، بل صرت لعنةً لإجلنا
أتيت بإرادتك إلى من نبذه الناس، وأخذت على عاتقك كل عاهة في البشر
كان الأبرص مرذولا من البشر، فأخذت صورته،
فما عاد لك بهاء فننظر إليك وصورة فنشتهي التطلّع إليك.
جنا الأبرص مضروباً من الله مذلّلاً، ولكنك أنت قبلت الضرب من أجله
بسبب معاصينا جُرحتَ، بسبب آثامنا سُحقت
أُدبت لأجلنا فكان لنا السلام، شُدخت عنا فكان لنا الشفاء
فما أعظم محبتك يا ابن الله.
يا رب لا تغضب حين توبّخني ولا تحتدّ حين تؤدّبني.
هذه هي صلاتي إليك مع الأبرص الخاطئ، يا سيّدي يسوع المسيح
آثامي كثيرة، وأنا أنتظر منك كل توبيخ وتأديب
خطاياي عظيمة، ولكنني متأكّد أنك ما زلت تحبّني وترعاني
حالتي تحتاج إلى الشفقة، لا إلى غضبك وسخطك عليّ
معك المستحيل يصير ممكناً، واليأس ينقلب إيماناً، والفشل نجاحاً.
تلك هي صرختي يا ألله.
سهامك نشبت فيّ ويدك ثقلت عليّ
لا صحة في جسدي لأنك غضبت، لا سلامة في عظامي لأني خاطئ
ذنوبي تكدّست فوق رأسي كحمل أثقل مما أحتمل.
جراحي أنتنت وقاحت يا رب بسبب حماقتي
إنحنيت والتويت كثيراً وأمشي بالحداد نهارا وليلاً
خاصرتاي امتلأتا التهاباً، وجسدي لا عافية فيه
أنا خائر ومنسحق كثيراً وأئنّ على زفرات قلبي.
أنا مريض يا رب، أين منه مرض البرص
أنا خاطئ يا رب، أين منه خطيئة الذين استحقوا غضبك
فإن كان المرض علامة تؤدّب بها الأنسان، فأنا أرضى من يدك التأديب
ولكن إن كان الموت علامة غضبك، فأنا أرجو منك الحياة تلك الحياة التي لا تزول
أنت يا من لا تريد موت الخاطئ كيف ترضى ان كون طوال الدهر بعيداً عنك.
خاصرتاي وكل عضو من أعضاء جسمي، قلبي وحلقي وعيناي، كلّ شيء فيّ مريض
إن كان هذا ما تريد، فلتكن إرادتك يا ألله
ولكن اسمح لي ان أئنّ من الحزن، وأُخرج الزفرات المرّة من قلبي
لا بل أعطني الدموع لأبكي خطاياي وأجعل ذكرها كالسهام في جسدي.
يا رب أمامك كل رغباتي، ونواحي لا أخفيه عنك
قلبي خافق وقوتي فارقتني ونور عينيّ لم يبقَ معي
احبّائي وأصحابي تنحّوا عن نكبتي، وأقاربي وقفوا بعيداً عني
طالبو حياتي نصبوا لي فخاً، والساعون إلى أذيتّي يتحدّثون بسقوطي.
صرختي صرخة المتألمين الذين يرفعون إليك آلامهم
أنت تعرف رغبات قلبي، بعد أن زال النور من عينيّ
أنا لا أتّكل على البشر، والبشر يدينون بقلب قاسٍ
أنا لا أنتظر شيئاً من أصحابي، ففي ساعة المرض تخلّوا عني جميعاً.
أحسّ بالوحدة يا رب. فحين يكون المرض رفيقي، يتركني حتى أهل بيتي
أصرخ وأستغيث ولا من يجيب، أسأل وأطلب ولا من يعطي
أحس بالشماتة يا رب حين السقوط بعد أن أحاط بي حتى العائشون بالسلام معي
ولكنك أنت هنا يا رب، يا فاحص أعماق القلوب،
وإليك أفوّض دعواي وأسلّمك حقي.
وأنا كأصمّ لا يسمع وكأخرس لا يفتح فمه
كأني إنسان لا سمع له ولا في فمه عتاب
إياك يا رب أرجو، فأعنّي أيها الرب إلهي
لا تدعهم يشمتون بي ويبتهجون بأن مالت قدماي
أنا صائر إلى الزلل وكآبتي معي كل حين.
أنا ساكت وصامت، وفي السكوت قوّة لا نجدها في الكلام
أنا ساكت مثلك يا رب يوم تحالف عليك بيلاطس وجماعة اليهود
أنا صامت يا رب ولا حيلة لي أنا الضعيف المسكين
أنا صامت يا رب لا أتكلّم فلا أقع في حبائل من سيشمتون بي ويبتهجون بزلّتي.
أقدّم لك صمتي وسكوتي، وأنا عارف أنك تجيب عني
جوابك يا رب إلى الآخرين حين تشفيني من مرضي وتنقذني من ذاتي
جوابك يا رب حين تغفر لي خطيئتي وتنسى ذنوبي وجهالاتي
هذا ما أنتظره منك فلا تخيّب رجائي.
وصمتي صمتُك أيها الرب يسوع، يا حملاً صامتاً أمام الذين يجزّونه
قُدّمت فخضعت، ساقوك كشاة إلى الذبح فما فتحت فمك
ما أردت أن تدافع عن نفسك بعد أن جعلت نفسك مع الخاطئين.
ما اقترفت خطيئة ولا كان في فمك مكر
ولكنك حملتَ جميع خطايانا ورفعتها على الصليب بجسدك
شُتمت ولم تَشتم، وتألّمت فما هدّدت، بل سلّمت أمرك إلى الديّان العادل
فما أعظمك في سكوتك، وما أقواك في اتّكالك على الله.
آثامي أنا أخبر بها، وخطيئتي هي التي تقلقني
أعداء حياتي عظموا وكثُرَ الذين يبغضونني ظلماً
يجازونني عن الخير بالشر ويقاومونني لأني أتبع الخير
يا رب لا تتركني وحيداً، يا إلهي لا تتباعد عني أسرع إلى معونتي، يا رب يا مخلصي.
لا شيء أقدّمه لك يا رب إلا ذنوبي وآثامي
لا شيء أقدّمه لك يا رب، أنا الضعيف والخاطئ
فإن طلبتُ الشفاء، فلأني أعرف أن مرضي يجعلك تشفق عليّ،
أنت يا من جئت للمرضى لا للأصحّاء
وإن طلبت المغفرة، فلأني أعرف أنك ما جئت من أجل الأبرار بل من أجل الخطأة.
إن كان لي من أمل في صلاتي، فلأن آلامي تحرّكُ قلبك أيها الأب المحبّ
وإن كان لي من رجاء بالغفران، فلأنك تسمع للبؤساء وتغفر بطريقة مجانيّة
فأنا أعترف لك بخطاياي، وأقرّ أمامك بكل ذنوبي
وأعلن إيماني بك وحدك، أيها الرب، يا سامع الطلبات والمسألات.
إياك أرجو فلا تتركني، وهل تترك أن أبناءها
عليك أتوكّل فلا تتباعد عني، فالذين يتّكلون عليك لا يخزون
أنت خلاصي يا رب، وأنا لا أتطلّع إلى مخلّص سواك
أسرع إلى معونتي يا رب وبادر إلى إجابتي.
يا أرحم الرحماء، ارحمني
يا غافراً للخطأة، أغفر لي
يا قابل التائبين، اقبل ندائي
يا رفيق الصائمين والمتألمين رافقنا بصيامك وأشرك آلامنا بآلامك
يا من شفيت المخلع وطهّرت الأبرص وفتحت عيني الأعمى
أشفنا من أمراض النفس والجسد
وأعدّنا بعد هذا الصيام المبارك إلى فرحة العبد الكبير ومجد يوم القيامة