صياد وسمكة

[walaa farouk]

أنا صياد يمخر بحار الدنيا بشبكة تكاد ان تتمزق، حاولتُ الصيد ليلاً، ظناً مني أن أغافل السمك في هدوئه. ولكنهم أصبحوا يعرفون حيَّلي، حتى سمك القاع الاعمى. ولم أصد سوى سمكة واحدة. وفي لحظة خيبة، تأملتُ شبكتي المتناسقة، وقلت: "ما أجملك ايتها الشبكة، ولكن ما النفع منك إن لم تتراقص في أحشائك حشود السمك، وهي تصارع الخروج من رحم البحر الأم؟!".

فتكلمتْ السمكة: " كي تخرجنا من رحم أمنا البحر، وتودعنا رحم وجودك. عليك أولاً أن تصبح سمكة وتختبر جمال الأعماق. حينئذ أتحداك أن تبارح ذلك المكان العظيم!".

قلت لها: "ولكني صياد ماهر، ولدي قارب كبير، وقد ورثت مهنة الصيد عن أبي الذي علمني أصولها منذ نعومة أظافري".

ضحكتْ وقالت: "اترك ماضيك وشهرتك واملاكك، فكلها لا تساوي لحظة حرية في العمق. حين تودّع الحياة سيضعونك تحت التراب، ظناً منهم أنك بذرة تنتظر النمو من جديد. ولكن هيهات! أما حين تصبح سمكة في الأعماق، فستكون أبدياً، ومن يحيا هناك لن يرَ الموت أبداً."

سألتها متحيراً: "ولكن ماذا بشأن أهلي وأقاربي وأصدقائي، كيف لي أن اتركهم هكذا؟".

أجابتني : "في مجتمع الأسماك الحرة، لا وجود للتعلقات. يمسي البحر رحمك الذي تولد منه كل يوم. وفي كل ولادة، انغمار اعمق. وفي كل انغمار، انتحار للــ (أنا) واندماج في الــ (نحن) . تعال معي ولن تندم! لا تضيّع الوقت في التفكير، لأنه موت!

أحسستُ بانجذاب لكلام السمكة، وأمستْ حياتي كلها لحظة وجود زائل. فحملتها بين يدي ورميت نفسي في البحر. وسرعان ما اختفت يداي ورجلاي، وغطتني الحراشف من كل مكان. وغصتُ الى العمق حتى فقدتُ بصري. أحسستُ بشعور كله بهجة وحبور. التقيتُ هناك باسماك القاع العمياء، بلا عيون وبصر، بل بقلوب وبصيرة.

وذات يوم، وأنا أترنم سابحاً في العمق، انتشلتني شبكة صياد، وخرجتُ الى عالمي القديم من جديد ... ولكن الصياد كان اسمه يسوع!