داود واستشارة الرب
وسأل داود من الرب قائلاً: أَ أَصعد إلى الفلسطينيين؟
أَ تدفعهم ليدي؟ فقال الرب لداود: اصعد،
لأني دفعًا أدفع الفلسطينيين ليدك
( 2صم 5: 19 )
سمع الفلسطينيون أنه قد مُسح داود ملكًا، وقد أغاظهم هذا الأمر جدًا، فمن ناحية هناك عداوة قديمة مع قاتل جبَّارهم جليات، وهذا أذاقهم مرارة الهزيمة والانكسار؛ ومن ناحية أخرى كيف يشتد عود داود ويُنصَّب ملكًا على إسرائيل، وهو الذي منذ فترة قليلة كان يعيش بينهم كأحد رعاياهم، تحت إمرة واحد من ملوكهم، أَلا وهو أخيش ملك جت ( 1صم 27: 2 )؟ فكيف الآن تقوم له قائمة، ويصبح ندًا قويًا لهم؟ من أجل ذلك «صعد جميع الفلسطينيين ليفتشوا على داود» ( 2صم 5: 17 )، إنه في نظرهم مجرد شخصٍ قد حالفه الحظ فأصبح ملكًا، وعليهم الآن أن يبحثوا عنه، ليوقفوه عند حدّه، فلا يصبح فيما بعد مصدر قلق أو خطر بالنسبة لهم. وهكذا نقرأ أنهم «انتشروا في وادي الرفائيين» ( 2صم 5: 18 ).
فماذا يكون رد فعل داود؟ هل يصعد لمحاربتهم، أم يتجاهلهم، ويظل كما هو في مكانه؟ إن الموقف العام يحتِّم على داود أن يصعد لمحاربتهم دون تأخير أو تردد، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
1ـ أ لم يسبق أن كانت له صولات وجولات ضد هؤلاء الفلسطينيين، بل وغيرهم ( 1صم 27: 8 ، 9)؟ وها قد لاحت فرصة جيدة يُظهر فيها مقدرته وسطوته أمام الشعب كله، وهم الذين منذ بُرهة قصيرة وضعوا ثقتهم به ومسحوه ملكًا عليهم.
2ـ لقد سبق وأحرز انتصارات باهرة بنفر قليل من الرجال، لا يتعدى عددهم 600 رجل، وها هو الآن ملكٌ تحت إمرته جيشٌ كامل بعُدته وسلاحه، فعَلاَمَ التأخر والتردد؟
3ـ لم يكن هو الذي ابتدأ هذه الحرب، بل لقد دُفع إليها دفعًا، فإن صعد لمحاربتهم، فهو بذلك ليس إلا مُدافعًا عن نفسه، وعن شعبه، وعن بلاده، وهذا واجبٌ عليه، وليس من الصواب كملك أن يتنصَّل من هذه المسؤولية.
غير أننا نراه كما هي عادته الرائعة، سواء كان منبوذًا طريدًا من شاول، أو ملكًا متوجًا على الشعب، لا يعرف أن يفعل شيئًا قبل أن يستشير الرب، ولذلك نجده يتوجّه للرب طالبًا منه الإرشاد والنُصح في ماذا يفعل أمام تحرُّش الفلسطينيين به. وعندما أخذ الموافقة من الرب، نجده حالاً يتقدم لمُنازلة الفلسطينيين، ويعطيه الرب نُصرة كبيرة عليهم.
ليتنا نتعلَّم من داود أن نستشير الرب دائمًا! .