استجابة الله
البابا شنودة الثالث
1- ربما يكون مجالًا لتعميق صلواتك وروحياتك.
هذا (التأخير) يجعلنا نصلي، ونتضرع ونداوم اللجاجة بقوة ومن عمق القلب، ومن عمق الاحتياج، وربما نضيف إلى الصلاة صومًا، وتذللًا أمام الله ونذرًا. مثال ذلك حنة أم صموئيل: لما كانت عاقرًا، وقد تأخر عليها الإنجاب وكانت ضرتها تغيظها، يقول الكتاب إنها "صلت غلي الرب، وبكت بكاء، ونذرت نذرًا" (1 صم 1: 9-12) وتعهدت بأن الابن الذي يعطيها الرب إياه يكون نذيرًا للرب يخدمه كل أيام حياته. وهكذا استفادت من هذا (التأخير). أو قل أن الرب وجد أن الوقت المناسب لمنحها نسلًا، هو الوقت الذي تصل فيه إلى هذه الحالة الروحية، بدون تأخير.
2- ربما يكون السبب أن الرب يعد طريقًا أفضل:
لو استجاب الرب ليوسف الصديق منذ أول إلقائه في السجن، ربما كان مصيره أن يخرج ليخدم فوطيفار أو سيدًا أخر، أو في أية وظيفة مماثلة ولكن (التأخير) لم يكن تأخيرًا، وإنما انتظارًا للحلم الذي يحلمه فرعون، ويفشل في معرفة تفسيره، ويكون رئيس سقاته معه، فيخبره بيوسف، ويوسف الحلم بحكمة ويصير الوزير الأول لمصر وأبًا لفرعون إذن ما بدا تأخيرًا، كان إعداد لوضع أفضل.
3- وربما يكون السبب هو اختيار إيماننا:
هل نتضايق حينما لا تُسْتَجَاب صلواتنا في ذات الوقت؟ هل نتذمر؟ هل نلجأ إلى غيره؟ هل يشكو للكل؟ هل نجدف عليه؟ أم أننا نصبر في إيمان وفي رجاء وثقة؟.. إنه اختبار من الله لإيماننا، اختبار منا لأنفسنا. حتى إن وجدنا في أنفسنا ضعفًا، نعالجه.
4- وربما يكون السبب هو أن نحصل على انسحاق القلب:
إن استجابة كل صلاة في وقتها، ربما تؤدي بنا إلى الافتخار والمجد الباطل. بينما هذا (التأخير) قد يوصلنا إي التواضع والانسحاق، فندرك أننا لسنا شيئًا..
5- وقد يكون السبب هو أن نصطلح مع الله:
فإن (تأخر) علينا في الاستجابة، قد نراجع أنفسنا، هل نحن أخطأنا إلى الرب، فلم يستجب بسبب خطايانا؟ وهنا نتذكر قول الرب "ارجعوا إليَّ فارجع إليكم" (ملا 2: 7) يقودنا هذا الأمر إلى التوبة،ويكون وصلنا إلى التوبة هو الموعد المناسب الذي حدده الله، بلا تأخير.
6- ربما يكون السبب هو أن ما نناله بسرعة، لا نشعر بقيمته:
وقد لا نشكر عليه، فإن (تأخرت) الاستجابة، يزداد تعلقنا بالمطالبة وشعورنا بقيمة تحقيقها، فإذا ما استُجِيبَت بعد حين، يزداد شكرنا لله ولا ننسي إحسانه إلينا. وهذا يعمق ارتباطنا به، كذلك نحرص على ما نلناه منه فلا نفقده بسرعة..
7- وربما يصبر الله علينا في الضيقة، لننال بركاتها:
إن استجاب لنا الله في التو واللحظة، ورفع عنا الضيقة، فلا يمكن أن ننال البركات التي ننالها كلمة طالت مدة الضيقة، واحتملنا وصبرنا ونأخذ بسبب ذلك أكاليل، بل نأخذ خبرات روحية أيضًا. ونأخذ فضيلة الصبر والتسليم وانتظار الرب.
8- وقد يكون السبب فيما نظنه تأخيرًا، هو أن الله يعد لنا بديلًا أفضل مما نطلبه:
ذلك لأن الله يعطينا دائمًا ما ينفعنا وما يناسبنا، وليس مجرد الذي نطلبه.
إن الله لا يستجيب حرفية صلواتنا، بل روحها. هو يعرف احتياجاتنا أكثر مما نعرف نحن. وهو يعرف الصالح لنا أكثر مما نعرف نحن. ويكفي أن نقول له إننا نريد، وهو يختار بحكمته ما يراه نافعًا لنا، وما يراه مطابقًا لمشيئته المقدسة المملوءة حكمة.
9- ربما شعورنا أن الله قد تأخر علينا، هو تعبير عن عدم إجادتنا لعبارة "لتكن مشيئتك".
إننا نقولها في الصلاة. ولكننا غالبًا لا ندخل إلى عمقها ولا ندركها ولا نغنيها. فإن تأخرت استجابة ما نطلب، علينا أن نقول له: نحن يا رب لا نفرض عليك مشيئتنا، إنما نصارحك بما في داخلنا من رغبات ومن طلبات. فإن وجدتها نافعة حققها في الوقت الذي تختاره. وإلا فلتكن مشيئتك، بكل رضي قلوبنا..
إنه تدريب على حياة التسليم، والمبنية على الثقة بتدابير الله.
المهم أن ننتظر الرب، بقلب مملوء بالسلام والاطمئنان، شاعرين أن قضيتنا قد استقرت في يد الله الأمينة وفي قلب الله الحنون. وهذا يكفي.