رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعليم السيد المسيح عن الإيمان فى مواجهة المحن والتجارب السفينة والعواصف من المناظر التى تدعو إلى التأمل فى خدمة السيد المسيح.. ذلك المشهد العجيب، الرب يسوع وحده على قمة الجبل يصلى أغلب الليل، وتلاميذه جميعاً فى البحر راكبين السفينة وهى معذبة من الأمواج. كان السيد المسيح قد أشبع الجموع من الخمس أرغفة والسمكتين، وكان تلاميذه سعداء بهذه المعجزة، ورفعوا ما فضل من الكسر اثنتى عشر قفة مملوءة. “وللوقت ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر حتى يصرف الجموع. وبعدما صرف الجموع، صعد إلى الجبل منفرداً ليصلى. ولما صار المساء كان هناك وحده.. وفى الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشياً على البحر” (مت14: 22-25). ويقول معلمنا مرقس الإنجيلى عن نفس هذه الواقعة إن الرب يسوع وهو على الجبل يصلى “رآهم معذبين فى الجذف لأن الريح كانت ضدهم” (مر6: 48). هذه السفينة تمثِّل الكنيسة، لأنها كانت تحمل جميع التلاميذ فى ذلك الوقت (الاثنى عشر تلميذاً “الذين دعاهم أيضاً رسلاً”). وقد آثر الرب أن يتركهم معذبين من الأمواج قرابة الليل كله فى وسط البحر، ولم يذهب إليهم إلا فى الهزيع الرابع من الليل. تركهم يواجهون المصاعب فى وسط العاصفة.. ولكن كان فى تأخير السيد المسيح بركات جزيلة لهم وللكنيسة فى كل زمان ومكان. كان يسندهم ويحملهم بصلواته. وما أمجد وما أغنى هذه الصلوات التى ذخرها الرب لكنيسته. لماذا يصلى لم تكن صلاة السيد المسيح هى لمجرد واقعة السفينة فى تلك الليلة؛ بل كانت من أجل الكنيسة بكل ما سيواجهها من مصاعب، وعواصف عبر العصور، خاصة فى عصور الاضطهاد والاستشهاد حين تصبح الأمواج ثقيلة والريح مضادة بقوة.. كيف صمد الشهداء فى عصور الاستشهاد المريرة؟ وكيف تحمَّلوا العذابات التى تفوق عقل البشر؟ إنها أحداث خارقة للطبيعة. ولكنها حدثت بالفعل. وخرجت الكنيسة منها قوية منتصرة مكللة بالبهاء، تماما مثل عريسها الذى تمجّد بعد أن تألم. لاشك أن السيد المسيح فى تلك الليلة قد طلب من أجل هذه الآلاف من الشهداء واحداً واحداً باسمه، وقد استغرق هذا الأمر وقتاً طويلاً فى مناجاته مع الآب. إن السيد المسيح لم ينس فى ليلة آلامه أن يطلب من أجل بطرس قبل أن يواجه المحنة والتجربة فى بيت رئيس الكهنة وقال له: “سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك” (لو22: 31، 32). كذلك هناك صعوبات أخرى واجهتها الكنيسة مثل صراعها ضد الأريوسية، وصراعها ضد النسطورية وسائر الهرطقات. وكان السيد المسيح يعرف كل ما ستواجهه كنيسته المحبوبة من صعوبات. ولهذا فقد صلى من أجلها لكى تصمد بقوة وثبات فى وسط العواصف العتيدة. ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالصعوبات التى ستواجهها الكنيسة وما يلزم للتلاميذ أن يتدربوا عليه فى مواجهة هذه الصعوبات. كان هناك أمر آخر يشغل السيد المسيح فى صلاته. وهو إعلان الإيمان ببنوته لله فى قلوب التلاميذ. يقول معلمنا مرقس الإنجيلى إن السيد المسيح بعد أن وصل إلى التلاميذ ماشياً على الماء: “فصعد إليهم إلى السفينة، فسكنت الريح، فبهتوا وتعجبوا فى أنفسهم جداً إلى الغاية. لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة” (مر6: 51، 52). كان من العجيب أن معجزة إشباع الجموع لم تكن كافية لكى يفهم التلاميذ حقيقة السيد المسيح. لهذا صلى السيد المسيح لكى يعلن الآب فى قلوبهم ذلك الحق الذى لا يستطيع العالم أن يعرفه أو يفهمه، إذ “ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب، ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له” (لو10: 22). إن معرفة الابن هى حياة أبدية.. وهى أعظم إعلان يمنحه الله للإنسان.. لكل من يقبل. بعد أن دخل السيد المسيح إلى السفينة، اعترف التلاميذ بألوهيته حسبما دوّن القديس متى فى إنجيله: “الذين فى السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله” (مت14: 33). ألم يكن هذا الاعتراف الواضح من التلاميذ جديراً بأن يقضى الليل كله على الجبل مصلياً من أجلهم؟! ولم تكن هذه الصلاة هى من أجل إيمان التلاميذ فقط، بل من أجل أن يفتح الآب قلوب وأذهان الملايين الذين سوف يؤمنون به على مر العصور والأجيال. هل يستحيل على الرب شئ؟! ترك السيد المسيح التلاميذ طوال الليل، يواجهون العاصفة وأمواج البحر الهائج، وجاء إليهم ماشياً على البحر.. وفى مشيه على الماء كان يريد أن يعطيهم درساً ذا أهمية كبيرة، وهو أنه لا يوجد شئ مستحيل عند الرب. ربما مكثوا الليل كله يقولون فيما بينهم: {ليته كان معنا فى السفينة، لو كان معنا ما لحق بنا هذا الشئ الذى صار الآن}. لكن السيد المسيح أراد أن يعلِّمهم أنه يستطيع أن يتخطى كل الفواصل والعوائق، يستطيع أن يمشى على الماء، وليس ذلك فقط، بل يستطيع أن يمنح تلاميذه هذه الإمكانية أيضاً أن يسيروا مثله على الماء. فحينما طلب منه بطرس ذلك، أجابه إلى طلبه تحقيقاً لقوله الإلهى: “من يؤمن بى فالأعمال التى أنا أعملها يعملها هو أيضاً” (يو14: 12). السيد المسيح يعمل الأعمال الفائقة للطبيعة بقدرته الإلهية الخاصة، أما تلاميذه فيعملونها بنعمة منه. مهما كثرت أعمال التلاميذ والقديسين، فكلها بعطية من صاحب القدرة ومانح السلطان والمواهب. يا رب نجنى كتب القديس متى الإنجيلى عن وقائع لقاء السيد المسيح مع تلاميذه فى وسط البحر فقال: “فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين إنه خيال. ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلمهم يسوع قائلاً: تشجّعوا، أنا هو، لا تخافوا. فأجابه بطرس وقال: يا سيد إن كنت أنت هو فمرنى أن آتى إليك على الماء. فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتى إلى يسوع. ولكن لما رأى الريح شديدة خاف. وإذ ابتدأ يغرق، صرخ قائلاً: “يا رب نجنى”. ففى الحال مد يسوع يده وأمسك به وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ ولما دخلا السفينة سكنت الريح والذين فى السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن الله” (مت14: 26-33). فى وسط الريح الشديدة ابتدأ بطرس يغرق، فصرخ قائلاً: “يا رب نجنى”. لم يكن هناك مجالاً للحديث.. أو للحوار.. أو للتفكير.. بل كان الصراخ هو الحل الوحيد. هناك مواقف لا يناسبها إلا الصراخ إلى الله فى الصلاة. كقول المرتل “من الأعماق صرخت إليك يا رب” (مز129: 1). أو قوله “بصوتى إلى الرب صرخت، بصوتى إلى الرب تضرعت، أسكب أمامه توسلى” (مز141: 1، 2). أو كصلاة يونان من بطن الحوت “دعوت من ضيقى الرب فاستجابنى. صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتى” (يون2: 2). هذا النوع من الصراخ ينطبق عليه (كما ذكر قداسة البابا شنودة الثالث) قول الشاعر صوتى عِلى مثل صرخة غريق بينده لقارب نجاة… بـيصـرخ بيصرخ بكـل قـواه لــــلـحيــــــــــــاة لقد صرخ بطرس، وفى الحال مد الرب يده وانتشله. فهل نصرخ نحن إلى الرب حينما ندخل فى مأزق أو تجربة؟ أم صلاتنا تكون سطحية وليست من أعماق القلب؟! هناك فرق بين إنسان يطلب من الله أن يكون معه، مجرد طِلبة. وآخر فى استغاثة حارة يصرخ إليه ليتدخل سريعاً وبكل قوة. الله يريد الذين يصرخون إليه فى وقت التجربة.. صراخ من القلب.. صراخ بدموع.. لذلك قال الرب: “ادعنى فى يوم الضيق أنقذك فتمجدنى” (مز50: 15). كثيراً ما تكون صلواتنا ضعيفة، ربما حتى لا تصل إلى سقف حجرة الصلاة. تكون صلاة كمن يؤدى واجب عليه وليس أكثر..!! الله يريد من يصرخ إليه.. ومن يتعلق به ويقول: “لا أطلقك إن لم تباركنى” (تك32: 26). أليس هو الرب الذى قال: “لأنه علىّ اتكّل فأنجيه، أستره لأنه عرف اسمى. يدعونى فاستجيب له، معه أنا فى الشدة. فأنقذه وأمجده وطول الأيام أشبعه، وأريه خلاصى” (مز90: 14-16)؟!. إن الرب أحياناً يتركنا فى ضيقة معينة، فى مأزق، أو فى شدة. لكى يعلِّمنا كيف نصرخ إليه فى الصلاة. وعندما نصرخ إليه يستجيب. فنشعر بقيمة الصلاة وأهميتها وفاعليتها. كما نشعر بأهمية أن تكون لنا علاقة به.. نشعر بأهمية طلبنا إليه، وأيضاً بأهمية حضوره ووجوده فى وسطنا. نحن ربما لا نشعر بأهمية الماء إلا إذا وُجدنا فى صحراء جرداء ليس فيها ماء. وربما لا نشعر بأهمية الهواء الذى نتنفسه إلا إذا وُجدنا فى موضع تحت الأرض يخلو من الأكسجين. مثل الوجود فى منجم مثلاً، أو فى نفق انقطعت عنه التهوية.. الإنسان أحياناً لا يعرف قيمة الشئ إلا إذا لم يجده. فالتلاميذ عرفوا قيمة وجود السيد المسيح فى وسطهم عندما تأخر فى المجيء إليهم، لدرجة أنهم عندما أبصروه ماشياً على الماء ظنوه خيالاً. مثلما يقول الإنسان أحياناً (أنا فى حلم واللا فى علم؟!). إن الرب مستعد أن يفعل أكثر كثيراً مما نطلب أو نفتكر.. ولكن يلزمنا أن نشعر حقيقةً بحاجتنا إليه.. أن نصرخ من أعماق قلوبنا ونناديه.. أن نظل نكافح الأمواج منتظرين مجيئه حتى ولو فى الهزيع الرابع من الليل.. ماشياً على البحر.. متخطياً كل الحواجز الطبيعية.. منتهراً البحر والرياح.. مانحاً سلامه العجيب لكل من ينتظر عمله وحضوره وعطية محبته التى تفوق كل وصف وتصديق. يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟! عبارة قالها التلاميذ للسيد المسيح عندما كان معهم، نائماً فى مؤخرة السفينة فى وسط البحر، وهاج البحر بشدة حتى كادت السفينة أن تغرق، فذهبوا إليه وأيقظوه قائلين له: “يا معلم أما يهمك أننا نهلك” (مر4: 38). لقد وبخ السيد المسيح التلاميذ وقال لهم: “ما بالكم خائفين هكذا، كيف لا إيمان لكم؟” (مر4: 40). فلماذا وبخهم؟ مع أنه سبق أن أوصاهم قائلاً “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم” (مت7: 7) وقال أيضاً عن أهمية الصلاة: “أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعاً” (لو18: 7، 8). لم تكن المشكلة فى أنهم التجأوا إلى السيد المسيح، الذى قام وانتهر البحر والريح حتى صار هدوء عظيم. ولكن المشكلة كانت فى الخوف العظيم الذى انتاب التلاميذ بالرغم من وجود السيد المسيح معهم فى السفينة، كما أن المشكلة كانت فى عبارتهم القاسية “أما يهمك أننا نهلك؟” (مر4: 38). لقد شخَّص السيد المسيح السبب فى هذه الأخطاء التى وقعوا فيها بقوله: “ما بالكم خائفين هكذا، كيف لا إيمان لكم؟!” (مر4: 40). الخوف لا يتفق مع الإيمان الإنسان المؤمن لا يخاف بل يقول مع المرنم: “الرب نورى وخلاصى ممن أخاف” (مز26: 1)، “إن سرت فى وادى ظل الموت فلا أخاف شراً لأنك معى” (مز22: 4). ويقول أيضاً “تقدمت فرأيت الرب أمامى فى كل حين لأنه عن يمينى لكى لا أتزعزع” (مز15: 8) إنه يثق فى عناية الرب وفى حفظه وقدرته غير المحدودة. ويثق فى مواعيد الرب؛ أن شعرة من رؤوسكم لا تهلك إلا بإذنه، وأن من تعلق به ينجيه كقوله فى المزمور “لأنه تعلق بى أنجيه، أستره لأنه عرف اسمى، يدعونى فأستجيب له، معه أنا فى الشدة، فأنقذه وأمجده وطول الأيام أشبعه، وأريه خلاصى” (مز90: 14-16). ينبغى أن ندرّب أنفسنا على الثقة وعدم الخوف من العالم كما أوصانا الرب “فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو16: 33). إن الإيمان بالرب ليس هو مجرد الإيمان بالثالوث القدوس الإله الواحد المثلث الأقانيم، وبتجسد أقنوم الابن الوحيد وبصلبه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء وباقى الأمور العقائدية المختصة بالإيمان. ولكن يلزم أن يكون لهذا الإيمان ثمر فى حياة الإنسان. وهذا الثمر يمنحه الروح القدس للإنسان المؤمن الذى يجاهد فى شركة الروح القدس “وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل 5: 22، 23). إذن الإيمان أيضاً هو من ثمر الروح القدس. والمقصود هنا حياة الإيمان أى السلوك بالإيمان. الإيمان الذى يحرر الإنسان من الخوف من العالم، والخوف من المرض، والخوف من الموت، والخوف من الآلام والضيقات، والخوف من البشر وما يفعلون. وهذا كله يدل على الإيمان بقدرة الله. لذلك قال معلمنا بولس الرسول: “بدون ايمان لا يمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذى يأتى إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازى الذين يطلبونه” (عب11: 6). عتاب المحبة إن الرب يسمح لنا فى الصلاة أن نعاتبه أو أن نتضرع إليه فى محبة وثقة، مثلما نقول فى المزمور الكبير: “كلّت عيناى من انتظار أقوالك قائلتين: متى تعزينى؟.. كم هى أيام عبدك؟ متى تُجرى لى حكماً على الذين يضطهدوننى؟.. كادوا يفنوننى على الأرض” (مز118: 82-87). أو مثلما نقول: “إلى متى يا رب تنسانى إلى الانقضاء حتى متى تصرف وجهك عنى؟ إلى متى أردد هذه المشورات فى نفسى وهذه الأوجاع فى قلبى كل يوم. إلى متى يرتفع عدوى علىّ. انظر واستجب لى يا ربى وإلهى. أنر عينى لئلا أنام نوم الموت. لئلا يقول عدوى إنى قد قويت عليه” (مز12: 1-4). ولكن التلاميذ فى تلك الواقعة تخطوا الحدود اللائقة فى التخاطب مع الرب بقولهم “أما يهمك أننا نهلك؟!”. كيف يُقال هذا لمن أخلى نفسه من المجد المنظور إذ أخذ شكل العبد، واحتمل الكثير من أجل كنيسته وقبِل الموت فداءً عنا. كيف يُقال له “أما يهمك؟” لقد تعمّد السيد المسيح أن ينام فى وسط العاصفة، لكى يكشف للتلاميذ ما فيهم من ضعف ولكى يقودهم إلى إصلاح عيوبهم. إن مجرد وجود السيد المسيح فى السفينة، يكفى لكى يطمئنوا لأنه بحسب لاهوته “لا ينعس ولا ينام حارس إسرائيل” (مز120: 4). لقد ظن التلاميذ أن السيد فى نومه بحسب الجسد، لا يدرى بما يجرى حوله-وهو العالِم بكل الأشياء بحسب لاهوته. وقد غاب عن ذهن التلاميذ أيضاً هذا الإيمان إلى جوار ما أصابهم من الخوف. ليتهم قالوا له فى ضراعة: قم سكّت البحر طارداً هذى البلية وأشفق على البيعة فى كل حرب خفية واملأ القلب سلاماً فإن نعمتك قوية من وحى شعر قداسة البابا شنودة الثالث – أطال الرب حياة قداسته-عن قيامة السيد المسيح. |
|