رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لعل أحدكم يقول: كيف يكون لي رجاء، وأنا لا أصلي، ولا أطلب من الله نعمة ولا قوة ولا ملكوت الله وبره؟ هل مثلي يكون له خلاص؟! نعم، إن الخلاص للكل. وإن كنت أنت لا تطلب خلاصك، فإن السيد الرب قد قيل عنه إنه: "جاء لكي يخلص ما قد هلك" (لو 19: 10). إنه يسعى لخلاصك أكثر مما تسعى أنت إليه. وهو في كل مجال يعطينا دون أن نطلب. إنه شيء مفرح أن يعطينا الله ما نطلب. ولكن عمق الفرح يظهر في أنه يعطينا دون أن نطلب.. هنا عمق المحبة الإلهية نحو البشر. بل هنا أبوة الله الحانية، التي تدرك تمامًا ما نحتاجه وما يلزمنا، فيعطينا من فيض محبته، وليس لمجرد استجابته لصلواتنا. وسأحاول يا أخوتي أن أثبت لكم هذه الحقيقة بأمثلة عديدة، حتى يكون لكم عمق الرجاء في عمل الله لأجلكم. طبيعة الله الذي يعطي دون أن نطلب، ظهرت واضحة منذ البدء، من أول قصة الخليقة بل في عملية الخلق ذاتها. إنه منحنا الوجود دون أن نطلب. ومنح الوجود لكل الكائنات التي خلقها العاقلة والجامدة، التي لها حياة والتي ليس لها، طبعًا دون أن تطلب. لقد خلقها كلها من العدم. والعدم ليس له كيان لكي يطلب. وخلقنا الله على صورته ومثاله دون أن نطلب.. حتى على فرض المستحيل، لو كانت لنا الإمكانية أن نطلب الصورة التي نخلق عليها، ما كنا نطلب أن نخلق على صورة الله ومثاله، كما شاء الله وتحنن (تك 1: 26، 27). ودون أن نطلب خلق الله لنا هذه الطبيعة وسلطانا عليها. أعد لنا كل شيء قبل أن نكون. بسط لنا السماء سقفًا، ومهد لنا الأرض كي نمشي عليها. وكما قال القديس غريغوريوس في قداسه: "لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك.. من أجلي أخضعت طبيعة الحيوان".. ومن أجلنا خلق الله الأشجار والأثمار، والعشب والبقول، والأزهار والأطيار. ومن أجلنا خلق النور، ووضع قوانين الفلك.. كل ذلك دون أن نطلب.. ولم يكتف بهذا وإنما قال لنا في حنوه "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك 1: 28). وخلق الله حواء لآدم دون أن يطلب.. كان يعلم أن آدم لا يجد له معينًا نظيره، مثلما تجد باقي الكائنات (تك 2: 20). فخلق له حواء. وهكذا أمكن أن تنمو البشرية وتملأ الأرض وتعمرها، وكل ذلك دون أن نطلب. إن هذه هي طريقة الله كأب محب وكراع صالح.. أنه لا ينتظر من أولاده ومن رعيته ومن خليقته أن يطلبوا فيعطيهم. بل هو من تلقاء ذاته يعرف ما يحتاجون إليه، فيعطيهم دون أن يطلبوا.. حقًا ماذا يدركه الطفل الصغير من احتياجاته حتى يطلبها؟! ولكن أباه يعلم ويفهم ماذا يحتاج إليه ابنه، فيعطيه دون أن يطلب. هكذا نحن مع أبينا السماوي، أنه أدري بما نحتاج إليه. وهو كأب حنون يدبر احتياج كل إنسان، ويدبر احتياجات الأمم والشعوب والجماعات. ولا ينتظر من كل هؤلاء حتى يطلبوا.. وربما لا يطلبون ما يفيدهم وما يفيد غيرهم معهم. إن كان الكاهن العادي يفتقد رعيته، ويوفي احتياجاتها دون أن تطلب فكم بالأولى الله رئيس الكهنة الأعظم وراعي الرعاة؟ نعم كم بالأولى الله: "راعي نفوسنا وأسقفها" (1 بط 2: 25) الذي قال في حنوه ط أنا أرعي غنمي وأربضها -يقول السيد الرب- وأطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير وأعصِب الجريح" (حز 34: 15، 16). إنه يرعى شعبه، لأن هذا هو عمله، وهذا هو حبه. ولا ينظر أن ينبهه أحد إلى هذا. إنما نحن نطلب، لأن هذا الطلب يشعرنا ببنوتنا لله، ويعمق الدالة بيننا وبينه، ويعطينا فرحًا داخليًا حينما تُسْتَجَاب طلبتنا،ولهذا قال الرب لتلاميذه: "إلي الآن لم يطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 16: 24). فرح الاستجابة أو فرح الدالة، هو الذي يجعلنا نطلب. ولكن الله يمنحنا كل شيء، حتى دون أن نطلب. وفي الكتاب المقدس توجد أمثلة عديدة، تثبت لنا هذه الحقيقة، فلنحاول أن نتأمل بعضها حتى يكون لنا من ذلك عزاء، وحتى يكون لنا رجاء باستمرار في يد الله الذي يعمل من أجل سعادتنا كأب وراع وخالق.. لوط: أنقذه الله مرتين دون أن يطلب.. مرة حينما سبي مع أهل سادوم في حرب أربعة ملوك مع خمسة ملوك التي وردت في (تك 14) ودون أن يطلب لوط، حرك الله قلب إبرآم عمه فجمع رجاله المدربين، وأنقذه من السبي، كما أنقذ أهله والمدينة كلها. والمرة الثانية حينما قرر الله حرق سادوم. ودون أن يطلب لوط أرسل الله له ملاكين، فأخذاه هو وأسرته بقوة، وكانا يدفعانه إلى الخارج دفعًا وهو متوان (تك 19: 16). وذلك لشفقة الرب عليه ورغبته الإلهية في إنقاذه. أن الله لا ينتظر حتى يصرخ الإنسان إليه، وإنما.. من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم -يقول الرب- أصنع الخلاص علانية" (مز 11). لم يقل "من أجل صلواتهم وطلباتهم"، وإنما من أجل حالتهم التي رآها، من أجل شقائهم وتنهدهم، يقوم الرب ويصنع الخلاص، سواء طلبوا أو لم يطلبوا لم يطلبوا.. وهكذا في كل مرة يري فيها الله مذلة شعبه (خر 3:7)، يرسل لهم مخلصًا يخلصهم، كما فعل أيام موسى وأيام جدعون (ضق 6). وأنقذ إسحق من الذبح، في اللحظة الأخيرة، والسكين فوق رقبته، دون أن يطلب (تك 22).. والله يشبع كل حي من رضاه، دون أن يطلب.. يرسل المطر والشمس، ويعطي الطعام لكل ذي جسد، حتى للملحدين الذين لا يطلبون منه شيئًا. ويعطي جمالًا لزنابق الحقل. إنه يمنح الكل من أجل جوده وهو وخيريته، وليس بسبب استحقاق الناس ولا بسبب طلبهم.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
خلفية موبايل| حيث يكون يسوع يكون هناك رجاء |
لا يكون لك في هذا العالم رجاء |
و ان ماتوا سريعا فلا يكون لهم رجاء |
لا يكون لك في هذا العالم رجاء |
على اسمه يكون رجاء الامم |