يمكننا ان نبحث عن العناية الإلهية ونُدركها من خلال النظر والتأمل في كلمات يسوع "أُنظُرُوا إِلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ ولا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلَسْتُم أَنتُم أَثْمَنَ مِنها كثيراً؟ (متى 6: 26)؛ وإذا نظرنا بإيمان سندرك ان الله الاب يعرف ما نحن بحاجة اليه. "إنَّ الَّذي لم يَضَنَّ بابْنِه نَفسِه، بل أَسلَمَه إِلى المَوتِ مِن أَجْلِنا جَميعًا، كَيفَ لا يَهَبُ لَنا معَه كُلَّ شَيء؟" (رومة 8: 32). فلا داعي للقلق إنما يسوع يدعونا للتعزية، إذ لدينا آب في السماء يُفكّر فينا أكثر بكثير من تفكيره بزنابق الحقل وطيور السماء، ويدعونا أيضا الثبات والأمانة عن طريق صلاة الطلب " فَاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه" (متى 6: 33).
ونستنتج مما سبق ان الله يدعونا الاَّ نخدم إلا الله، سيداً مطلقاً ويدعونا الاتكال عليه اتكال طيور السماء وزنابق الحقل ودعوته هذه تستكمل دعوة الله للإنسان الأول " بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا" (التكوين 3: 19) ولا تتعارض معا، لكنها تجعل خبز الدنيا بعد ملكوت الله " اطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه" (متى 6: 33).ولذلك الله ليس ضد المال، ولكن الله ضد أن نكون عبيداً للمال مُتَّكلين على المال كضمان للمستقبل كما صرّح يسوع للشاب الغني "يا بَنِيَّ، ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ الله!" (مرقس 24:10).
اسمه ”بيل“، وهو طالب في الجامعة في العشرينيات من عمره،
شعره كثيف منكوش، ويلبس تي شيرت مليء بالثقوب،
وسروالاً من قماس الجينس، ولكنه حافي القدمين،
إذ ليس لديه حذاء. ويبدو أنه كان يلبس هذه الملابس طيلة السنوات الأربع
أثناء دراسته الجامعية. وهو طالب نابه مجتهد،
ولكنه من الفئة التي لا يفهمها إلاَّ القليلون.
وفي الشارع الذي يؤدِّي إلى الجامعة كانت هناك كنيسة يحضرها عِلْية القوم
المتدثِّرون بالملابس النظيفة الأنيقة. لكن هذا الشاب لم يدخل هذه الكنيسة قط.
وفي أحد أيام الآحاد قرر ”بيل“ أن يحضر الصلاة في الكنيسة.
وسار حافي القدمين، وبالقميص وسروال الجينس وبشعره الأشعث المنكوش
ودخل الكنيسة، وكانت الصلاة قد بدأت.
ودار الشاب بعينيه في الكنيسة باحثاً عن مقعد
ولكن الكنيسة كانت قد امتلأت عن آخرها بالمصلِّين،
فلم يجد ولا مقعداً واحداً خالياً. ولكن في ذات الوقت،
كان الحاضرون في الكنيسة غـير مستريحين لمنظر هذا الشاب،
لكـن لم يفتح أيٌّ منهم فـاه.
وتقدَّم الشاب إلى الأمام نحو منبر الوعظ،
ولما فَقَدَ الأمل في العثور على مكانٍ للجلوس
افترش بجانب المنبر وجلس على الأرض
فتزايد سخط الحاضرين، وتوتر الجو.
وشاهد واعظ الكنيسة من بعيد أن الشماس الواقف في آخر الكنيسة
قد تأهَّب آخذاً طريقه ببطء نحو هذا الشاب
وكان الشماس في الثمانينيات من عمره، وقد ابيضَّ شعره.
هذا الشماس كان رجلاً تقياً، أنيق الملبس
مُبجَّلاً، كيِّس التصرُّف. وكان يسير ببطء متوكِّئاً على عُكَّازه.
وإذ كان متوجِّهاً ناحية هذا الشاب،
كان كل واحد من المصلِّين يُفكِّر في نفسه
أن هذا الشماس الشيخ لن يُلام على أي تصرُّف يتخذه تجاه هذا الشاب.
لكن، ماذا يتوقَّع أي شخص من رجل شيخ في مثل هذا العمر،
وفي مثل هذه الحياة التقية، أن يفعل إزاء شاب مثل هذا يفترش الأرض بمثل هذا المنظر؟
وقد مرَّ وقتٌ طويل على هذا الشماس العجوز حتى يصل إلى الشاب.
وكان الصمت يُخيِّم على الكنيسة إلاَّ من قرعات عُكَّاز هذا الشيخ وهو يدقُّ على الأرض.
وتركَّزت كل الأعين عليه، لترى ماذا سيفعل؟
ولم يستطع الواعظ حتى أن يبدأ عظته ليرى ماذا سيفعل ذلك الشماس!
والآن، رأى الجميع الرجل العجوز يصل إلى حيث الشاب الجالس على الأرض،
فإذا به يُلقي عُكَّازه على الأرض،
وبصعوبة شديدة ينحني ويجلس بجوار الشاب على الأرض،
ويبدأ في الصلاة معه، حتى لا يبدو ”بيل“ أمام المُصلِّين وكأنه وحيدٌا في تصرُّفه!
وفوجىء الجميع من تصرُّف ومشاعر هذا الشماس العجوز!
وحينما التقط الواعظ أنفاسه، تكلَّم وقال:
- ”لقد كنتُ أعزم أن أعظ لكم اليوم،
ولكن ما كان يمكنكم أن تتذكَّروا عظتي بعد انصرافكم.
ولكن ما قد رأيتموه الآن، فهذا لن تنسوه أبداً“!
”فتعلَّموا كيف تعيشون المحبة مِمَّا رأيتموه،
لعلَّكم تصيرون، كل واحد فيكم، إنجيلاً حيّاً مقروءاً من جميع الناس