أدلة تاريخية عن قيامة المسيح
ls 1 - وجود الإعتقاد بقيامة المسيح منذ القرون الأولى:
(أ) إن التاريخ حمل إلينا الكثير من الكتب التي صدرت في القرون الثلاثة الأولى. وبالإطلاع عليها يتضح لنا أن حادثة قيامة المسيح من الأموات، كانت معروفة كل المعرفة لدى جميع المسيحيين الذين عاشوا في هذه القرون. فقد قال أغناطيوس إن المسيح تألم لأجل خطايانا، وقام في اليوم الثالث لأجل تبريرنا . وقال بوليكاربوس من ينكر قيامة المسيح، فهو من أتباع الشيطان . وقال بلسيطون المسيح قام من بين الأموات، لأنه لم يكن مجرد إنسان . وقال يوستينوس المسيح يسوع مخلصنا قام من الأموات في أول الأسبوع . وقال إيريناوس إننا نحتفل بسر قيامة المسيح في اليوم الأول من الأسبوع .
(ب) وفي سنة 325 م عقد في نيقية عاصمة بيثينية في آسيا الصغرى مجمع بأمر قسطنطين الأكبر، حضره 318 أسقفاً من جميع أنحاء العالم وكثير من القسوس وعلماء الدين، لكي يضعوا قانوناً للإيمان المسيحي (بمناسبة انتشار بدع الغنوسطيين وغيرهم من الهراطقة) ، فتم وضعه في هذه السنة. وأوله بالحقيقة نؤمن بإله واحد .
وجاء فيه يسوع المسيح تأنس وصلب عنا في عهد بيلاطس البنطي وتألم وقبر، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، كما في الكتب المقدسة . ولا يزال هذا القانون معروفاً لدى جميع المسيحيين على اختلاف طوائفهم، يحفظه عن ظهر قلب كثيرون منهم.
2 - تخصيص يوم الأحد للعبادة بدلاً من يوم السبت: إن اليهود كانوا يقدسون يوم السبت بكل تدقيق (أو بالحري لا يشتغلون فيه على الإطلاق) ، وذلك بناء على الوصية الرابعة من الناموس الذي أعطاه اللّه لموسى النبي (خروج 20: 8-11) ، كما لا يزال يفعل كثيرون منهم إلى الوقت الحاضر. وقد سبق اللّه وأعلن عن أهمية هذه الوصية لديه في العهد القديم، فأمر برجم إنسان كان يجمع حطباً يوم السبت (العدد 15: 32-36) . كما نبه إلى وجوب حفظ اليوم المذكور بكل تدقيق كعهد بينه وبين اليهود (لاويين 19: 3 و30، حزقيال 22: 26) ، لأنه كان رمزاً إلى الراحة الحقيقية التي قصد اللّه أن يعطيها للبشر عامة، بإعتاقها من الخطيئة التي تردت فيها أحقاباً طويلة. لكن بالرجوع إلى التاريخ، نرى أن الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود في القرن الأول، تحولوا عن تقديس السبت (على الرغم من التحذيرات التي تهدد بالعقاب الشديد لكل من يعمل عملاً في هذا اليوم) ، وأخذوا في تقديس الأحد (أو بالحري تخصيصه للعبادة) ، مع الذين اعتنقوا المسيحية من الوثنيين، الأمر الذي يدل على أنهم كانوا يعلمون علم اليقين أن المسيح قام في هذا اليوم، وأنه بقيامته فيه قد أسس عهداً جديداً أفضل بكثير من العهد القديم، الذي كانوا يعيشون فيه من قبل.
ولذلك إذا رجعنا إلى القرون الثلاثة الأولى، نرى شهادات متعددة عن تقديس يوم الأحد. فقال برنابا إننا على العكس من اليهود، نقدس اليوم الثامن أو بالحري يوم الأحد . وقال أغناطيوس يوم الرب (أو بالحري يوم الأحد) هو الذي نهضت فيه حياتنا بواسطة قيامة المسيح من بين الأموات . وقال يوستينوس في يوم الأحد يجتمع الذين يعيشون في المدن والمقاطعات سوياً في مكان واحد، لقراءة مذكرات الرسل وكتابات الأنبياء، لأنه اليوم الأول من الأسبوع الذي قام فيه مخلصنا من الأموات . وقال إيريناوس إن سر قيامة المسيح لا يمكن أن نحتفل به في أي يوم غير يوم الرب، الذي هو يوم الأحد . وقال بابياس إننا نحفظ الأحد بدلاً من السبت، لأنه يوم القيامة . وفلافيوس جوستينوس (الذي كان فيما سلف من أعظم فلاسفة الوثنيين الذين يقاومون المسيحية، ولكن عندما اعتنقها، نادى بها بكل شجاعة في القرن الثاني) قال إننا نحن المسيحيين نجتمع معاً في يوم الأحد للعبادة ودراسة كلمة اللّه، لأن اللّه في مثل هذا اليوم خلق النور، وفيه أيضاً أقام من الأموات مخلصنا يسوع المسيح، الذي هو نور العالم .
3 - عيد القيامة (أ) إن الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود أهملوا أعيادهم التي أمرهم اللّه بالإحتفال بها في العهد القديم، وأخذوا يحتفلون بدلاً منها بعيد القيامة. وكانوا يطلقون عليه عيد الفصح، لأن الفصح اليهودي لم يكن إلا رمزاً إلى المسيح من جهة كونه فدية عن الذين يؤمنون به أيماناً حقيقياً (1 كورنثوس 5: 7) ، ولأن المسيح أيضاً قام من بين الأموات في أثناء العيد المذكور. وكانوا يفرحون في عيد القيامة فرحاً روحياً عظيماً، ويصرفونه في تقديم الشكر والتسبيح للّه. ثم أخذوا مع الذين اعتنقوا المسيحية من الوثنيين، يمثلون في هذا العيد قيامة المسيح، فيطفئون الشموع في اجتماعاتهم الدينية مثالاً للظلام الذي حدث عند موت المسيح، ثم يشعلونها رمزاً إلى قيامته وظهوره. كما أن التحية التي كان يحيي بها كل واحد منهم صاحبه في هذا اليوم هي بي أخرستوس آنستي ، فيرد عليه صاحبه بالقول، اليثوس آنستي . ومعنى العبارة الأولى المسيح قام ، ومعنى الثانية حقاً قام .
(ب) ومما يسجله لنا التاريخ بهذا الصدد أن أوسابيوس المؤرخ الشهير في القرن الرابع ذكر، في كتابه (تاريخ الكنيسة المسيحية) أن أسقف أزمير زار أسقف روما سنة 160 م، للتحدث معه بشأن تحديد موعد عام لعيد القيامة. وأن بطليموس الفرماوي الفلكي الذي عاش في القرن الثالث، وضع تقويماً يحدد موعد هذا العيد، وأن أساقفة روما وأنطاكية وأورشليم في ذلك الوقت، وافقوا على التقويم المذكور سنة 322 م، الأمر الذي يدل على أن خبر قيامة المسيح كان موضوعاً موثوقاً بصحته منذ القرون الأولى للمسيحية.