رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيرلس السادس«قديس المعجزات» وخلال العقود الخمس الماضية، انسكبت الأحبار على الأوراق، فأخرجت كتباً ومجلدات، تحكى قصة ومسيرة البابا المولود فى 1902 بمدينة دمنهور فى محافظة البحيرة، والذى حمل اسم «عازر يوسف عطا»، قبل أن يترهبن فى دير البراموس ويصير الراهب القس مينا البراموسى، وقبل أن يلتصق به لفظ المتوحّد، لحبه للصلاة والوحدة من أجل مناجاة الله، ليعرف باسم «مينا المتوحد»، والذى قاده القدر من غير رغبة أو تحرّك منه ليتم اختياره فى 1959، بطريركاً لكرسى مارمرقس الرسول باسم البابا كيرلس السادس، ليحمل رقم 116 فى تعداد بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العتيقة. تاريخ الرجل كان أكبر من عمره الذى أفل نجمه فى 9 مارس 1971، ونقل جسده تنفيذاً لوصية منه من أسفل مذبح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية التى أنشئت فى عهده، ليوضع فى 25 نوفمبر 1972 فى مزار داخل دير مارمينا بمنطقة كينج مريوط فى الإسكندرية، الذى كان تشييده حلماً له استطاع تحقيقه. عازر ميخائيل يؤرخ حياة عمه: كل سطر من خطاباته فيه «عظة» بخط رفيع وتوثيق دقيق، بقصد أو دون قصد أرّخ البابا كيرلس السادس حياته بقلمه من خلال رسائل وخطابات كان يرسلها إلى أحبائه، وعلى رأسهم شقيقه الأصغر القمص ميخائيل يوسف، متنقلاً بين مراحل حياته من الشباب إلى الرهبنة والتوحد ليصل إلى البطريركية محتفظاً ببساطة القلب والمحبة التى لا تخلو من الحسم فى كلماته، فيكتب مواعيد دقيقة ويسرد الأحداث بشكر كبير لله، ويعبّر بقلب نقى عن محبته وأبوته لكل من راسلهم، حيث يقول عازر ميخائيل، ابن الشقيق الأصغر للبابا فى حديثه لـ«الوطن» مستعرضاً ملفاً كبيراً من الرسائل والأوراق التى كتبها واستقبلها البابا كيرلس السادس، إننا يجب ألا نحصر البابا فى رجل المعجزات، فهناك جوانب كثيرة لشخصيته التى أصبحت فى ما بعد بعظمة شخصية البابا كيرلس السادس، والتى نتمنى كأسرة قريبة منه أن تكون لنا صبغة روحية ولو بسيطة منه. «لما تمسك الجواب تلاقى كل سطر فيه عظة»، هكذا يصف «عازر» الذى سُمى على اسم عمه البابا كيرلس السادس قبل رسامته، وتدرّجنا فى مراحل حياته، فإنه عاش فى بيته حياة رهبانية، فقرأ بستان الرهبان وكتباً دينية كثيرة عن الرهبنة، ورغم صعوبة الحديث عن فترة شباب البابا كيرلس السادس، حيث لم نجد من تحدث عن هذه الفترة، إلا أننا نجمع معلومات عن هذه الفترة من خلال رسائله للشباب وقت كان «مينا البراموسى»، حيث له رسائل عدة ينصح فيها الشباب بالابتعاد عن الاختلاط والاحتفاظ بالخصوصية، فهناك رسالة تنصح الشباب بالعودة للمنزل قبل الساعة الرابعة، والالتزام بصلاة المزامير، والاعتكاف فى الحجرة من التاسعة على سبيل المثال. الرسائل التى بين يدى عازر يعود أقدمها إلى فترة رهبنة «مينا البراموسى»، وهو اسم البابا كيرلس السادس وقت الرهبنة، والذى رشّح ليرسم قساً بعد عام ونصف فقط من دخوله الدير، حيث كان يواظب على العشيات والقداسات والاعتراف والصلاة، إلى جانب معاملته مع الرهبان حسب طقس الرهبنة، ليبعث بعدها للدراسة فى مدرسة تأهيله للأسقفية، وهناك أراد «مينا البراموسى» أن يصلى قداساً يومياً وهو كان طقساً غريباً على الرهبان، ولم يدعمه فى ذلك سوى بعض الرهبان أصدقائه، مثل الأنبا كيرلس أسقف البلينا، بعد ذلك، لكنه رفض ترشيحه للأسقفية، حيث كان له اشتياق أن يكون فى وحدة، وحينها هرب إلى دير الأنبا شنودة فى سوهاج، ولما عرف البطريرك استدعاه وعنّفه، حتى ذهب إلى ديره مرة أخرى، ودى كانت المحطة الرئيسية فى حياة أبونا مينا، البذرة الأولى لزراعة «قديس». فترة توحده فى المغارة كانت الأقل فى رسائل البطريرك يقول «عازر» إن فترة وحدة «مينا البراموسى» فى مغارة تبعد نحو ساعة ونصف عن دير البراموس، كانت قليلة الرسائل لانشغاله بالصلاة وقراءة الكتب الدينية ونسخها، بل وصعوبة الفترة أيضاً، حين طلب الراهب مينا البراموسى أن يتوحّد، أعلن رئيس الدير رفضه آنذاك، لصغر سن الراهب، ونظراً لإصراره طلب الراهب مينا البراموسى تزكيته لدى رئيس الدير من جانب أب اعترافه أبونا عبدالمسيح المسعودى، وبالفعل بدأ حياة الوحدة فى المغارة، وكان يبدأ وحدته من يوم الأحد بعد القداس حتى عشية السبت، وكتب فى أحد الجوابات عن أول ليلة له فى المغارة، قال إنه أحس أن عدو الخير جمع كل قوته ضده، لكنه سلم لربنا كل شىء، فربنا وقف معاه. طرده مع الرهبان السبعة كان تصفية حسابات مع رئيس الدير نحو 6 سنوات عاشها الراهب مينا البراموسى فى وحدة، يعيش على القليل من الطعام والشراب الذى يحمله معه من الدير كل أسبوع، إلى جانب الكتب والشموع للقراءة والنسخ، ويقول الآباء فى كتب الوحدة إن خبرة الراهب فى قلايته «اليوم يكون بخبرة سنة فى العالم»، وربما هذه الفترة التى تعلم فيها القيادة وأهّلته بشكل كبير ليكون بطريركاً»، لتأتى مشكلة طرده مع السبعة رهبان، والتى يصفها «عازر» بأنها ربما «تصفية حسابات.. بسبب إصراره عن التوحد»، حيث إنه لم يكن يحب الزعامة، لكنه دخل للتوسّط للسبعة رهبان المطرودين عند رئيس الدير، وحينها طرد معهم، وهى القصة غير المعروف حقيقتها بشكل قاطع، ولم تورد فى رسائله تفاصيلها، لكنها كانت ليلة أحد الشعانين، وحينها ذهب مع الرهبان إلى كنيسة الملاك بمصر القديمة، وأجر لهم «أبونا داود» خادم الكنيسة، بيتاً إلى جوارها، وسريعاً ما حلت المشكلة بعد عيد القيامة وسمح البطريرك بعودتهم للدير، وهذا دليل أنهم لم يخطئوا خطأً جسيماً، وإنما كانت تجربة لكنها نقلت مينا البراموسى نقلة جديدة بالتعرف على طواحين الهواء والتفكير بالعيش فى الطاحونة. «المهندس» شخصية جديدة للبابا كيرلس السادس، الذى لم يدرس الهندسة، مما أوضح إصراره وقدرته على تعليم نفسه بنفسه حيث حول الطاحونة فى منطقة مصر القديمة إلى مبنى من دورين ويحولها إلى مقر لإقامة القداسات والصلوات يومياً بالطاحونة، كما تبرز خطابات البابا كيرلس السادس التى كتبها فى فترة العيش فى الطاحونة علاقته بالقديسين فكتب للقمص ميخائيل شقيقه أنه حين كان فى الطاحونة وضربه اللصوص بغرض السرقة نزف دماً كثيراً، لكنه وضع صورة لمارمينا على رأسه أنقذته، وهناك رسالة لشاب كان يصلى معه يُدعى رمزى اضطر للسفر إلى أسرته حين مرضت، يقول فيها إن مارمينا ومارجرجس يحرسان المكان ويسبحان معه. علاقته بالقديسين توطدت فترة حياته فى الطاحونة ومع نشوب الحرب العالمية كان يجب أن يغادر الطاحونة، وحينها تنقل بين كنائس مصر القديمة، ومن الواضح أنه بعد نزوله من الطاحونة اشتاق لحياة الوحدة فكتب رسالة إلى الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف طلب فيها أن يذهب للتوحد فى دير الأنبا صموئيل، وكان الرد برسالة أخرى قال فيها «إن دير الأنبا صموئيل ودير البراموس واحد.. وأنت من دير البراموس والدير ديرك»، ويقول «عازر» إنه اختار دير الأنبا صموئيل لأنه كان ديراً مهملاً، وكانت الزيارة معدومة فيه، وهناك برزت شخصية البابا كيرلس القيادية، وفى أشهر قليلة عُيّن رئيساً للدير، حيث أقام نهضة معمارية فى الدير، وأرسل رسالة طلب فيها من الأنبا أثناسيوس رسامات لقساوسة جدد، فوافق عليها وأكمل عليها التعديلات، وأعطاه خطاباً رسمياً للإشراف على دير الأنبا صموئيل. ومع نياحة البابا يوساب الثانى، حلّ الأنبا إثناسيوس مطران بنى سويف قائمقام للمرة الثانية بعد أن تولاها بعد نياحة الأنبا مكاريوس، ولكن فى المرة الثانية حدث نوع من أنواع التذمّر من بعض المطارنة، وكانت مطالبات باقتصار البابوية على الرهبان، طبقاً للقانون، حيث إن المترشح يكون راهباً بدرجة قمص ولا يزيد عنها، وحينها ظل الكرسى المرقسى فارغاً خلال الفترة من عام 1956 وحتى 1959، وبدأ الرهبان ترشيح أنفسهم، لكن الراهب مينا البراموسى لم يقدم على هذه الخطوة، ولم يرشّح نفسه إنما رشحه الأنبا إثناسيوس لمعرفته بشخصيته وخبراته فى تعمير دير الأنبا صموئيل، وكانت كلمة الله فى القرعة أن أبونا مينا يكون بطريركاً، ليبدأ مرحلة جديدة من مراحل الحياة اندمجت فيها كل الشخصيات السابقة فى شخص واحد هو البابا كيرلس السادس يوم ظهور القرعة الهيكلية. كتب للبابا بولس حتى أعاد جسد مارمرقس.. وربطته صداقة بالرئيس جمال عبدالناصر واستمر البابا كيرلس فى كتابة الرسائل حتى بعد رسامته بطريركاً، لكنه لم يسمح لأحد، حتى لأخيه القمص ميخائيل، بالتدخّل فى شئون الرعية، فكانت خطاباته أخوية، نظراً لرابط المحبة الأخوية بينهما، وأهم ما حافظ عليه هو شخصيته الطقسية، حيث كان يصلى العشية والقداس مع المصلين بالكنيسة، ورفض وضع سكرتارية بينه وبين المخدومين، وقال البطريرك إن بابه مفتوح للكل، حيث إنه فى يوم 10 مايو 1959 بدأت حقبة جديدة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويصف «عازر» ما حدث فى الكنيسة خلال هذه الفترة «نهضة كبيرة جداً فى الكنيسة يصفها بأنها لا تُعد من الإنجازات، لكن فى مجمل المعجزات»، فكان البابا على علاقة وطيدة بالرئيس وجميع رجال الدولة ودعم الدولة المصرية، بل وحكام الخارج، مثل الإمبراطور هيلا سيلاسى إمبراطور الحبشة، والبابا بولس وغيرهم، وينفى «عازر» كل ما يُنشر بخصوص خلافاته مع «عبدالناصر»، التى روّجها البعض عن تأخير اللقاء بين البطريرك والرئيس. واجه «الحروب الصليبية» بالحكمة وفى 1967 خرجت هوجة بأن الحروب التى تواجهها مصر هى «الحروب الصليبية»، وهو ما كان من شأنه أن يشعل فتيل الفتنة، فذهب البابا إلى شيخ الأزهر ليوضح أن الحروب القادمة من الخارج لا تمثل الصليب، وإنما هى حروب الفرنجة، وبعدها وصل الأمر إلى الرئاسة، وبالفعل خرج مرسوم يلغى لفظة الحروب الصليبية، واستخدمت لفظة «حروب الفرنجة». لم يتوقف عن مراسلة أخيه حتى بعد رسامته لكرسى مارمرقس وكتب رسائل للإمبراطور هيلاسيلاسى فدعاه لزيارة إثيوبيا وكرّمه ولم تقتصر خطابات البابا كيرلس السادس على مراسلة من فى داخل حدود الوطن، فأرسل الإمبراطور هيلا سيلاسى، الذى رغم أنه لم يلتقِ به لكن رسائلهم المتبادلة دفعت الإمبراطور لدعوته لزيارة إثيوبيا وتكريمه بوسام الشرف، وكان الاستقبال عظيماً جداً، أما مراسلاته مع البابا بولس السادس، التى انتهت بالموافقة على إعادة جزء من رفات مارمرقس إلى الديار المصرية فى عام 1968 بالاحتفال بمرور 1900 سنة على نياحته، واحدة من معجزات البابا خلال فترة جلوسه على الكرسى البطريركى، وفى 9 مارس لعام 1971 أعلن عن انطلاق روح البابا كيرلس وتحررها من الجسد، ليبقى معنا إلى يومنا هذا بمعجزاته. |
|