رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاشتياق المقدس: التهب قلب القديس بفنوتيوس المتوحد برؤية رجال الله السواح، فانطلق من قلايته إلى البرية الداخلية وسار نحو ثمانية أيام حتى فرغ الخبز والماء اللذان يحملهما، لكنه بروح الإيمان قال في نفسه: "تشجّع وتشدّد يا بفنوتيوس لكي تنظر عبيد المسيح إلهنا الصالح، وترى الملائكة الأرضيين، وتنعم بفردوس حياتهم وفضائلهم الإلهية". ثم سار عدة أيام وإذ سقط علي الأرض من الإعياء، ظهر له ملاك علي شكل إنسان ولمس شفتيه فزال عنه التعب والشعور بالجوع والعطش. سار في رحلته يصلي ويسبح ويشكر الله وتكرر ظهور الملاك مرة أخرى حيث استمر سبعة عشر يومًا. رأى القديس مقبلًا إليه عريانًا لا يستر جسده غير شعر رأسه الطويل ولحيته البالغة إلى ركبتيه، كما كان مؤتزرًا بليف. حين رآه الأب بفنوتي داخَله الخوف إذ ظنه روحًا، فشجعه القديس بأن رسمه بعلامة الصليب المقدس وصلى الصلاة الربانية، ثم قال له: "مرحبًا بك يا بفنوتي". فلما دعاه باسمه هدأ روعه، ثم صلى الاثنان معًا وجلسا يتحدثان بعظائم الله. فطلب إليه القديس بفنوتي أن يعَّرفه بسيرته وكيف وصل إلى تلك البقعة، فأجابه: "قبل ستين عامًا مضت ذهبت إلى أحد أديرة صعيد مصر يُسمي جير بريدة (من الأديرة المندثرة التي كانت في منطقة صحراء الأشمونين التابعة لأيبارشية ملوي). طلبت الرهبنة التي اشتقت إليها منذ صغري، وتمنّيت لو كنت واحدًا من أولئك الذين يتركون كل شيء من أجل محبتهم للمسيح. وكان الدير به مائة وأربعة راهبًا من الشيوخ والشباب، وكنا نحيا معًا حياة مجمعية أو حياة شركة تتسم بالمحبة الكاملة والخدمة الطاهرة. فكان لنا القلب الواحد والنفس الواحدة، وكانت مائدة الأغابي `agapy تجمعنا مرة واحدة أسبوعيًا بعد القداس الإلهي يوم الأحد. كان آباؤنا الشيوخ يسْدون لنا الإرشادات الروحية والنصائح الاختبارية في حياة النسك وفي مواجهة الحروب المختلفة التي كان يثيرها علينا عدو الخير. بل كانوا مثالًا لنا نقتدي بهم في السلوك الرهباني بكل نسكياته وأصوامه وصلواته ومزاميره وقوانينه. وذات يوم بينما نحن نجلس أمام شيوخنا القديسين في الكنيسة نتعلم منهم الحياة في المسيح، سمعتهم يمدحون حياة الآباء السواح الذين يسكنون البراري الداخلية، مثل إيليا النبي ويوحنا المعمدان، عندئذ اتجهت إلى أحد الشيوخ وسألته: "يا أبي القديس، هل يوجد في البرية من هم أفضل منكم عند الله، علي الرغم من هذا التعب وهذا الحرص الشديد في حياتكم اليومية، وهذه الأمانة الروحية من أجل محبة الله التي في قلوبكم؟" قال: "نعم يا ولدي نوفير. هناك من هم أفضل منا بكثير نحن لم نسلك طريق الرهبنة بعد أمام حياتهم النسكية السامية التي فيها يقدمون ذواتهم ذبيحة حب للمسيح له المجد. فنحن إن ضاق صدرنا وجدنا من يعزينا، وإن مرضنا وجدنا من يفتقدنا، وإن تعرّينا وجدنا من يكسونا. أما سكان البرية فليس لهم شيء من ذلك". |
|