رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح قام حَقَا قام
أيُّها الإخوة والأبناء الأحباء، بهذه الكلمات يلتقى المؤمنون صباح يوم القيامة ويصافحون بعضهم البعض معلنين إيمانهم بقيامة السيد المسيح من بين الأموات. فى مثل هذا اليوم الأغرّ، وبعد ثلاثة أيام غير مكتملة على صلب السيد المسيح، ذهبت بعض النسوة فَجر يوم الأحد وهُنَّ يَحمِلنَ الطِّيبَ الذى أعدَدنه وقصدن المكان الذى وضع فيه مساء يوم الجمعة - على عجل ومن دون إكرام, فَوجَدنَ الحَجَرَ قد دُحرِجَ عن القبر. فدَخلنَ فلم يَجِدنَ جثمان المسيح (لوقا ٢٣ : ١ - ٣). نحمد الله على ما أعطانا إياه القديس بولس من تفسير إيمانيِّ وما أظهرَ لنا من أبعاد لاهوتيَّة لمعنى قيامة المسيح. فهو الذى قال فى رسالته الأولى إلى أَهْلِ قورنتس: وإن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فَتَبشيرُنا باطِلٌ وإيمانُكُم أيضاً باطِلٌ, (قورنتس الأولى ١٥ : ١٤). وهو أول من أطلقَ على المسيح اسم آدم الجديد مقابل آدم الأول أبينا جميعنا. وقد جاءت هذه المقارنة فى رسالته إلى أَهْلِ روما، حيث ذكر معصية آدم الأول مؤكِّداً أنَّها أدخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، لتعود الحياة وتدخل إليه من جديد المسيح ومعها الخلاص وتغيير وجه الأرض. ذلك أنَّ المسيح قد افتدى البشريَّة بموته وزوَّدها من برارته لتحيا به حياة النِعمَةُ والحق والسلام. ويتابع القديس بولس قوله فى رسالته الأولى إلى أَهْلِ قورنتس: وإذا كان رَجاؤنا فى المسيح مَقصورا على هذه الحياة، فنحنُ أحقُّ جميعِ النَّاسِ بأن يُرثى لهم. كلاَّ! إنَّ المسيحَ قد قامَ من بينِ الأموات وهو بِكْرُ الذين ماتوا. يكلمنا الرسول بولس عن أمور ثلاثة وهي: الرجاء والموت والحياة. فنحنُ، أبناء البشر مائتون فى آدم أى فى إنسانيتنا الفانية، فالموت الجسدى عندنا هو نهاية الحياة. المسيح رجاؤنا: يعلمنا القديس بولس بأن رجاءنا فى المسيح إذا كان مقتصرا على هذه الحياة، فإننا أناس يُرثى لهم وقد أصبحنا تُعساء. أى إذا كان المسيح علَّمنا أن نعيش المحبّة والإيمان والرجاء، مقتصراً فى تعليمه هذا على الحياة الزمنية التى نحياها دون أى رجاء آخر يتخطى هذه الحياة، فإننا بالتأكيد أصبحنا أتعس جميع الناس. وبمعنى آخر، لماذا أعيش الإيمان، وأحيا المحبّة فى التضحية وعطاء الذات، إذا كانت علاقتنا مع المسيح تنتهى عند موتنا! لذلك يقيم الرسول بولس مقارنة بين الموت والحياة، فالموت واقع بشري، أُمّا الحياة فهى حقيقة تتم فى المسيح، ذلك أن المسيح قام من الموت، أى منتصراً على الفناء ودخل الأبديّة. فإذا كنا معه فى رجائنا، وإيماننا واتحادنا به ندخل نحن أيضاً فى الأبديّة أى فى الحياة التى لا تنتهى حتى وإن مات جسدنا. قيامة المسيح عربون لقيامتنا: فقيامة المسيح هى الباب الحقيقى الذى يمكننا أن ندخل فيه، ومعه إلى الحياة الأبديّة، لأنه هو الباب بالذات كما يقول يوحنا الإنجيليّ: أنا الباب، فمن دخل مِنِّى يَخلُص” (يوحنا ١٠ : ٩)، ذلك “فإنَّ الله لم يُرسِل المسيح إلى العالم ليَدينَ العالم بل ليُخَلِّصَ به العالم (يوحنا ٣ : ١٧). فالباب الحقيقى ليس باباً مادياً، أو رمزياً، أو مجموعة قوانين او شرائع، أو مبادئ أخلاقية... الباب الذى ندخل فيه إلى الحياة الأبديّة هو شخصٌ حيّ، هو شخص المسيح المائت على الصليب والقائم من الموت. فالمسيح القائم من الموت هو الذى يقودنا إلى الحياة الأبديّة، هو الآتى من لَدُنِ الله ليرفعنا إليه، ذلك لأنه هو الوحيد الذى يعرف من أين يأتى وإلى أين يذهب، على خلاف جميع البشر، إذ لا أحد منهم باستطاعته أن يعرف من أين أتى ولا إلى أن يذهب. وحده المسيح يعرف لأنه هو الحياة. طريقنا إلى الحياة الحقيقية تمر بيسوع المسيح، فمن اتحدَ معه دخل إلى الحياة وأُصبح ابناً له بكُلِّ ما لكلمةِ بنوّة من معنى. هنا ندرك معنى كلام المسيح: إذا أحَبَّنى أحد، حَفِظَ كلامى فأحبَّه أبى ونأتى إليه فَنجعَلُ لنا عنده مُقاماً (يوحنا ١٤ : ٢٤). القيامة هى عيد الحياة مع الله بعد الموت. هى عيد الفرح والسعادة والسلام. هى عيد السماء على الأرض، تجمع ما بين كل الذين على مثال المسيح، ماتوا معه عن ذواتهم ليقوموا معه إلى حياة الله وتحقيق ملكوت العدل والمحبّة والأخوّة. نهنئكم بهذا العيد، ونسأل السيد المسيح القائم من بين الأموات، الذى صالحنا مع الله ومع نفوسنا ومع بعضنا بقيامته المقدَّسة، أن يرفع بشفاعةِ والدته العذراء مريـم الكُليّة القداسة والكاملةُ الطهارة عن العالم وباء كورونا ويمنح الجميع الصحة والعافية لنتابع نشاطاتنا الروحيّة والاجتماعية والتربوية والثقافية والاقتصادية كما كُنَّا عليه سابقاً. ولتكن نعمة قيامته عليكم جَميعاً وعلى بلادنا وشرقنا والعالم أجمع عيد رجاء بمستقبلٍ إنسانى مشرق يريده الله لنا ويقدمه هديةً لصانعى السلام من كل جنسٍ ودين. وأن تكون قيامته عُربوناً لقيامتنا وقيامة أوطاننا لغدٍ أفضل. عيد قيامة مجيد ومبارك، وكُلُّ عام وأنتم ومصرنا الحبيبة، ورئيسها ومعاونوه، وجيشنا الباسل، وأسر الشُهداء، والشرق الأوسط والعالم بألف خير. المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين فى القبور، له المجد أبد الدهور. المســيح قــام... حقــاً قــام. |
|