رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اتضاعه العجيب: + بينما كان الأنبا باخوميوس يعمل مع رهبانه بفرح وغبطة روحية قام أنبا أثناسيوس الرسولي بزيارة رعوية. ولما دنا من منطقة دندره سمع أصوات ترانيم وتسابيح الرهبان الذين يسكنون تلك الناحية، الذين خرجوا من أديرتهم لاستقباله متهللين. وطلب منه سرابيون أسقف دندره أن يرسم باخوميوس كاهناً لأن سرابيون حاول عبثاً ان يضع اليد عليه. وحين سمع باخوميوس ذلك الكلام أختفي عن الأنظار لانه من فرط اتضاعه كان يعتقد أنه أحط من ان ينال هذه الدرجة الكهنوتية السامية. فجمع البابا أثناسيوس رهبان أنبا باخوميوس وقال لهم: سلموا لي علي أبيكم وقولوا له بلساني لقد هربت من المجد الباطل الذي كثيراً ما يثير الحسد في النفوس. فليمنحك الله سؤل قلبك، وانك مع هربك من المجد الفاني، سعيت وراء المجد الباقي. لذلك أعدك بأنني لن أضع اليد عليك قسراً. وآمل إن أتيح لي المرور من هذا الطريق مرة آخري أن أفرح بلقياك. ولما شعر أنبا باخوميوس بانصراف البابا الاسكندري خرج من مكمنه آمنا مطمئناً. + جاء ضمن سيرة الأب باخوميوس، انه في بعض الأوقات بينما كان باخوميوس مع الأب بلامون، وافاهما راهب قد استولت عليه الخيلاء والاعتداد بالذات. واذ كان الوقت شتاء، فقد كانت قدامهما نار تشتعل. فلما رآها الأخ الضعيف، داخله السبح الباطل وقال لهما: (من منكما له ايمان صادق بالله، فليقف علي هذا الجمر ويقول الصلاة التي علمها السيد لتلاميذه). فلما سمع الشيخ قوله هذا، زجره قائلاً: (ملعون هو ذلك الشيطان النجس، الذي ألقي هذا الضمير الفارغ في قلبك، فكف عن هذا الأمر، لأنه من شيطان العجب). فلم يحفل ذلك الأخ بقول الشيخ، ولكنه قال: (أنا، أنا)، ثم نهض قائماًً ووقف علي ذلك الجمر المتقد كثيرا، وقال الصلاة الانجيلية مهلا، مهلا ثم خرج من النار ولم تضره بشئ، ومضي الي مسكنه بكبرياء قلب. فقال باخوميوس للشيخ: (يعلم الرب، اني عجبت من ذلك الاخ، الذي وقف علي هذا الجمر ولم تحترق قدماه). فقال له الشيخ: (لا تعجب يا ابني من هذا، لأنه بلا شك من فعل الشيطان ولأجل انه لم يذلل قلبه، تسامح الله في ان لا تحترق قدماه، كالمكتوب: ان الله يرسل لذوي الأعوجاج طرقاً معوجة . ولو علمت يا ابني ما ينتهي اليه أمره، لكنت تبكي علي شقاوته). وبعد أيام قليلة، لما رأي الشيطان انه جانح لخداعه، تشكل بصورة امرأة جميلة جداً، متزينة بثياب فاخرة، فجاءت اليه، وقرعت بابه، ففتح لها لوقته، حينئذ أسفرت عن وجهها وقالت له: (أعلم أيها الأب الخيِّر أن علي ديناً لأقوام مقتدرين، وهم يطالبوني، وليس لي ما أوفيهم، واخشي أن يقبضوا علي، ويأخذوني عبدة لهم، لأنهم مسافرون، فاعمل جميلاً، وآوني عندك يوماً واحداً أو يومين حتي يمضوا، فيكون لك من الله جزيل الأجر، ومني أنا المسكينة صالح الذكر). فأما هو فلانغلاق قلبه، لم يحس البلاء الذي دبر له، داخل قلايته، حينئذ لعبت عليه أفكاره، فعول علي معاشرتها ومد يده نحوها ليتم الفعل النجس فلوقته باغته الشيطان وصرعه علي الأرض، فضاع عقله وبقي مسبخاً كالميت نهاراً وليلاً، ثم عاوده رشده فقام، وجاء الي الشيخ بلامون وهو باك، فطرح ذاته بين يديه قائلاً: (أنا هو السبب في هلاكي، وعلة مماتي، لأني لم أصغ الي كلامك، ولذلك حل بي ما حل). وشرح ما حدث له، ثم طلب صلاة، فلما قاما ليصلي باغته الروح النجس، وطفر به طفرة منكرة ومضي مستكبراً مسافة بعيدة، حتي وصل مدينة تدعي بانوس، وبقي فيها ضائع العقل وقتاً وأخيراً زج بنفسه في تنور متقد، حيث أحترق وهلك . + حدث أن تقدم بعض الرهبان الي أنبا باخوميوس يسألونه: (قل لنا يا أبانا ما الذي يمكننا أن نعمله لنحظي بالقدرة علي اجراء الآيات والعجائب؟) أجابهم بابتسامة: (أن شئتم أن تسعوا سعياً روحياً سامياً فلا تطلبوا هذه المقدرة لأنها مشوبة بشئ من الزهو، بل أسمعوا بالحري لتظفروا بالقوة التي تمكنكم من اجراء العجائب الروحية. فان رأيتم عابد وثن وأنرتم أمامه السبيل الذي يقوده الي معرفة الله فقد أحييتم ميتاً، وإذا رددتم أحد المبتدعين فى الدين الى الإيمان الارثوذكسى فتحتم أعين العميان، وإذا جعلتم من البخيل كريماً شفيتم يداً مشلولة، وإذا حولتم الكسول نشيطاً منحتم الشفاء لمقعد مفلوج، وإذا حولتم الغضوب وديعاً أخرجتم شيطاناً، فهل هناك شئ يطمع الانسان أن يناله أعظم من هذا؟ + ولما سمع بسيرة الأب باخوميوس قوم من رهبان هراطقة أرسلوا اليه جماعة لابسين شعراً وقالوا للأخوة: إن كبيرنا مقدونيوس قد أرسلنا الي أبيكم قائلاً: (أن كنت رجل الله حقاً، وما سمعناه عنك صحيحاً، فتعال لنعبر أنا وأنت النهر سائرين بأرجلنا علي سطح الماء، فيعرف كل واحد عملياً من منَّا له دالة ووجاهة عند الله)، فعرف الأخوة الأب بذلك، فانكر عليهم ذلك قائلاً: (لماذا استجزتم سماع هذا الكلام بالجملة؟ أما علمتم أن هذه المسائل بعيدة عن الله، ولا تقبلها سيرتنا؟ لأنه أي ناموس يأمر بهذا ويبعثنا علي القيام به؟). فقال الاخوة: (أيتجاسر هراطيقي بعيد عن الله أن يستدعيك لمثل هذا؟). فأجابهم: (قد يمكن للهراطيقي أن يعبر علي ظهر النهر كعبوره علي أرض يابسة بمظافرة الشيطان إياه، وبسماح من الله حتي لا ينفك كفره، فامضوا وقولوا لهم: هكذا قال عبد الله باخوميوس: إن حرصي أنا، هو هذا: ليس لكي أعبر هذا النهر ماشياً، بل كيف أعبر دينونة الله الرهيبة، وأن أعبر أيضاً هذه الأعمال الشيطانية بقوة الرب). ولما قال هذا الكلام اقتنع الاخوة بألا يفتخروا بأعمالهم، ولا يشتهوا اجتراح الآيات، ولا يجربوا الله البتة حسبما كتب: (لا تجرب الرب الهك). |
|