القديس مرقس الرسول
ناظر الإله الإنجيلي كاروز الديار المصرية مرقس الرسول القديس والشهيد
نشأة مارمرقس
القديس مرقس هو يهودى من سبط لاوى، بشر بين اليهود والأمم، وبين الأمم بالأكثر. وهو يحمل إسمين : إسماً يهودياً يوحنا ومعناه الله حنان أو الله حنون، وإسماً اممياً - رومانياً مرقس ومعناه مطرقة. ولد فى كيرين (القيروان) إحدى الخمس مدن الغربية فى إقليم ليبيا، فى بلدة تدعى أبرياتولس.
نشأ مارمرقس فى أسرة متدينة، كان لكثير من أفرادها صلة بالسيد المسيح نفسه. فأمه مريم إحدى المريمات اللاتى ذهبن إلى القبر. وأبوه أرسطوبولس هو إبن عم أو إبن عمة زوجة بطرس الرسول، وهو يمت بصلة قرابة للقديس برنابا الرسول أحد التلاميذ السبعين.
هذه الأسرة ذات الصلة الوطيدة بالسيد المسيح، أوجدت وسطً دينياً صالحاً نشأ فيه الشاب مرقس.
كان أبواه وعمه غنيين ويشتغلان بالزراعة. كما كانت أسرته ميسورة، لذلك أحسنت تثقيفه، وعلمته اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية، فأتقنها جميعاً وبرع فيها. ويقول التاريخ أن بعض القبائل الهمجية البربرية هجمت على أملاك أسرته فى القيروان ونهبتها، وكان ذلك فى عهد أوغسطس قيصر، فإضطرت هذه الأسرة الصالحة إلى الهجرة، فهاجرت إلى فلسطين. وكانت قد إستقرت هناك عندما بدأ السيد المسيح خدمته.
بيت مارمرقس
إرتبط بيت مارمرقس بالسيد المسيح، ولا يوجد بيت نال شهرة أكثر من بيت مارمرقس لأن فيه:
غسل السيد المسيح أرجل التلاميذ. (يو 13 : 4-5)
صنع السيد المسيح الفصح مع تلاميذه. (مر 14:16)
أسس السيد المسيح سر الإفخارستيا. (مر 14: 22-25)
إجتمع التلاميذ والرسل والمؤمنين مع النساء مواظبون على الصلاة (أع 1: 13-14)
حل الروح القدس على التلاميذ والرسل والمؤمنين يوم الخمسين. (أع 2: 1-4)
لذلك ليس عجيباً أن يكرس هذا البيت ويصبح أول كنيسة عرفتها المسيحية.
كما صار بيت مارمرقس أول كنيسة فى العالم، وصار مركزاً لكنيسة أورشليم ومقر أسقفها القديس يعقوب. هكذا عاش مارمرقس كل الأحداث الخاصة بالسيد المسيح وكان شاهداً لها. وهو أول من كتب الإنجيل بوحى من الروح القدس، كتبه بكل ما لديه من أخبار وأحداث وتفاصيل عن حياة السيد المسيح، لأنه لمسها وشاهدها وعاينها بنفسه، فهو حقاً ناظر الإله. كتب إنجيله باللغة اليونانية سنة 45 ميلادية. وأجمع كل علماء الكتاب المقدس وكل الدارسين فيه أن إنجيل مرقس أقدم ما كتب من الأناجيل.
مارمرقس وكنيسة الإسكندرية
عندما جاء مارمرقس إلى الإسكندرية، كانت تلك المدينة العظيمة هى العاصمة الثقافية للعالم فى ذلك الحين وكانت مدرسة الإسكندرية الشهيرة هى مركز العلم والفلسفة فى العالم الوثنى، تزدحم بعدد كبير من كبار العلماء، كانت تزدحم مكتبتها بمئات الآلاف من المخطوطات القيمة .
وكانت الإسكندرية مدينة عامرة بالسكان، يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة والبعض يقدرهم بثلاثة أرباع المليون من مصريين ويونانيين ويهود ورومان وأحباش ونوبيين وشتى الأجناس، لذلك واجه مارمرقس فى الإسكندرية أكبر وضع دينى معقد، إذ وقف أمام جمهرة من الديانات والعبادات المتنوعة فالمدينة خليط من عشرات العبادات الوثنية، ومجالاً للجدل الفلسفى والنقاش بين العلماء والفلاسفة ورجال الدين ...ووقف مارمرقس وحيداً أمام كل هذه الأديان والفلسفات، يصارعها جميعاً، وينتصر عليها جميعاً بقوة الله العاملة فيه ومعه.
وصل مارمرقس إلى الإسكندرية حوالى سنة 60م أو 61م قادماً من الخمس مدن الغربية .. ولما دخلها كان حذاؤه قد تمزق من كثرة السير فى الكرازة والتبشير، فمال إلى إسكافى فى المدينة إسمه انيانوس ليصلحه له. وفيما هو يصلحه دخل المخراز فى أصبعه، فصرخ قائلاً " ايس ثيئوس " أى[ يا الله الواحد] فرقص قلب الرسـول طرباً عندما سمع هذه الكلمة، ووجدها فرصة مناسبة ليحدثه عن هذا الإله الواحد ... وهكذا تفل على الطين ودهن به أصبع انيانوس، وقال باسم يسوع المسيح إبن الله ترجع هذه اليد سليمة . فالتأم جرحه فى الحال كأن لم يكن قد حدث شىء وأمن بالسيد المسيح له المجد وقد إختاره فيما بعد القديس مارمرقس ليكون أسقفاً لكرسى الإسكندرية، ليدبر شئون الكنيسة فى خدمة ورعاية المؤمنين، وأقام معه ثلاثة آباء من الكهنة، وسبعة شمامسة، من أجل العمل الرعوى.
مارمرقس ومدرسة الإسكندرية اللاهوتية
عندما حضر مارمرقس إلى مصر، كانت الإسكندرية مركزاً هاماً للثقافة الوثنية، وفى مدرستها ومكتبتها الشهيرة تخرج كثير من الفلاسفة والعلماء. فكان لابد أن يقوم مارمرقس الرسول صاحب الريادة والمبادرة التى تميز بها، بتأسيس مدرسة الأسكندرية اللاهوتية (الإكليريكية الأولى) لتكون أول معهد لاهوتى فى تاريخ المسيحية المبكر، لترد على أفكار الوثنيين ولتثبيت المؤمنين ولشرح العقيدة واللاهوت. وكان مارمرقس نفسه مثقفاً ودارساً للغات العبرية واللاتينية واليونانية. وحسب ثقافته أدرك مقدار خطر الفكر الوثنى وضرورة تأسيس مدرسة لاهوتية. وهكذا أنشأ مدرسة لاهوتية مسيحية فى الإسكندرية عين لرئاستها العلامة القديس يسطس.
وقد صاغت مدرسة الإسكندرية عقل وفكر الكنيسة اللاهوتى وأكدت على ضرورة التعليم الكنسى. واختير من مديرو وأساتذة المدرسة اللاهوتية الكثيرون للكرسى المرقسى. وكثيرون لم يتتلمذوا فى مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ولكنهم تتلمذوا على كتب علمائها. ومن هؤلاء القديسون باسيليوس الكبير، وأغريغوريوس الناطق بالإلهيات ويوحنا ذهبى الفم الذين تتلمذوا على كتب أوريجانوس، ودافعوا عنه . وقد احتمل ذهبى الفم المحاكمة فى سبيله.
ومن علماء هذه المدرسة المشهود لهم الفيلسوف اثيناغوراس، وهو من المدافعين المشورين عن المسيحية وعقائدها، ومن فلاسفتها أيضاً القديس بنتينوس الذى بشر فى الهند وبلاد العرب، والذى له الفضل الكبير على اللغة القبطية. ثم القديس أكليمنضس الاسكندرى الذى آمن بالمسيحية على يد بنتينوس، وصار من أشهر علماء المسيحية، ووضع كتباً عديدة أشهرها المتفرقات. ومن علماء هذه المدرسة أيضاً البابا ديونسيوس البطريرك الرابع عشر وقد أعتبر حجة فى اللاهوت. ومن العلماء الأفذاذ الذين تخرجوا من هذه المدرسة البابا القديس أثناسيوس الرسولى .