الخادم الكامل
لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ
وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ
( مرقس 10: 45 )
* «كان يخاطبهم بالكلمة» ( مر 2: 2 ): يعطي لنا الرب مثالاً رائعًا للخادم الكامل حيث قصد الروح القدس أن يسطِّر لنا هذه الكلمات عن خدمة الرب؛ فبالرغم من أن كل ما كان يخرج من فم الرب هو كلمة الله، لكن الروح القدس قصد أن يذكر لنا في إنجيل مرقس - الإنجيل الذي يحدِّثنا عن الرب كالخادم الكامل - أنه كان يخاطب الجموع بالكلمة، حتى يؤكد لنا أن هذه هي أدوات الخادم، فلا يأتي بفلسفات من عنده، أو يقدِّم عظة اجتماعية خفيفة ليُرضي سامعيه، أو يُضيِّع وقته ووقت مخدوميه في سَرد قصصٍ اجتماعية لا معنى لها، لكنه ينهَل من كلمة الله، ويُقدِّمها للناس.
* أين كان يُعلِّم الرب؟ كان يُعلِّم في المجامع والبيوت، وعند البحر وعلى الجبل، وفي السهل. فالخادم لا تنتهي خدمته بنهاية الاجتماع، أو بنزوله من على المنبر، بل هو في كل وقت لا حديث له سوى عن سيده. فطالما وُجِدت النفوس حوله هو يتحدث عن سيده ويخدم سيده بكل تفانٍ. فلا يجد فرصة إلا ويستغلها في الحديث عن سيده وعن روعة الحياة تحت ظله وحلاوة العِشرة معه.
* «كان كثيرون من العشارين والخطاة يتكئون مع يسوع» ( مر 2: 15 ): لم يضع نفسه في مكانة أعلى، رغم أن المسافة بينه وبين أعظم الموجودين لا تُقاس بمقياس، إلا أنه كالخادم كان متكئًا مثله مثل كل الموجودين معه، لكن اللافت للنظر أيضًا أن نوعية الموجودين لم تكن من عِلية القوم، بل كانوا خطاة مساكين منبوذين من المجتمع، وهذا لم يجعل الرب يفصل نفسه عنهم، لأنه جاء لهؤلاء خصيصًا. لذلك لا نندهش لمَّا نراه في عُرس قانا الجليل وسط أفراح الجموع، أو عند قبر لعازر يشارك الجموع أحزانهم.
* في الأصحاح الخامس من إنجيل مرقس - انجيل الخادم - نرى كم كان الرب كالخادم يتعب جدًا في خدمته؛ لم يكن يرفض لأحد طلبًا، بل كان يقدِّم نفسه ويبذل نفسه لأجل الجميع. فنجده يعبر إلى كورة الجدريين، ليُريح ذلك المجنون من أتعابه وجروحه، ولا يمنع النازفة من لمسه، ولا يرفض طلب رئيس المجمع في الذهاب لبيته وإقامة ابنته، وفي الوقت ذاته لم يمتنع عن تعليم الجموع عند البحر. لقد كان مُتاحًا للجميع، ولم يكن خادمًا لفئة معيَّنة أو مجموعة بعينها.