لقد برهنت برهنة كافية على أننا غير ملحدين حيث أننا نقر بإله واحد ، غير مخلوق ، أزلى أبدى " سرمدى " ، غير منظور ، غير قابل للتأثر والانفعال ، لا يمكن إدراكه ، غير محدود ، يدرك على نوع ما بالعقل وحده والعقل ، وهو الذى يكتنفه النور ، والجمال ، والروح ، والقوة التى لا يعبر عنها ، وبه خلق الكون بواسطة " كلمته " وبه نظم وبقى فى الوجود .
( وقد قلت " كلمته " ) ، لأننا نعترف أيضاً بأن الله ، ولن أسمح لإنسان ما أن يظن من السخرية أن يكون الله أبن . ولو أن الشعراء فى رواياتهم وخرافاتهم ، لا يصفون الآلهة بصفات تسمو بهم عن البشر ، إلا أن أسلوب تفكيرنا يختلف عن أسلوبهم ( أسلوب تفكيرهم ) فيما يختص بالله الآب أو الأبن ، لكن أبن الله هو " كلمة الآب " فى الرأى ( الصورة ) والفعل ، لأن جميع الأشياء قد صنعت به وعلى مثاله ([1]) ، فالآب والأبن هما واحد ، ولما كان الأبن فى الآب ، والآب فى الأبن ، فى وحدة الروح وقوته ، فإن الفهم والعقل ، العقل والكلمة ، فى الآب هو أبن الله . ولكن إذا لاح لكم نظراً لذكائكم المفرط ، أن تبحثوا عن المقصود بالأبن ، فإننى أقرر فى إيجاز أن الأبن هو أول نتاج الآب . لا من حيث أنه أخرجه إلى الوجود ، إذ أن الله ، منذ البدء ، وهو العقل الأزلى الأبدى " السرمدى " يوجد فيه " الكلمة " ، وهو منذ الأزل كائن مع الكلمة ، بل من حيث أنه قد ظهر " برز " ليكون الصورة والقوة الفاعلة لجميع الأشياء الهيولية " الماديه " ، وهى منه بمثابة طبيعة ليس لها خواص أو أرض ساكنة ( غير متحركة ) تمتزج فيها الجزئيات الثقيلة بالجزئيات الخفيفة .
هذا وروح النبوءة يؤيد أقوالنا . فهو يقول : " الرب صنعنى ، أول سبل أعماله " ([2]) .
بل ونحن نؤكد أن الروح القدس نفسه والفعال فى الأنبياء . إنما هو فيض ( بشق ) من الله يصدر عنه ، ويرتد إليه كشعاع من الشمس . فمن ذا الذى لا يتحير عندما يسمع أناساً يتكلمون عن الله الآب ، وعن الله الأبن ، وعن الروح القدس ، ويجاهرون بما بهم ( للثالوث ) من قوة فى الإتحاد وتمايز فى الترتيب ، ومع ذلك يدعون ملحدين ؟
الفصل الثاني عشر
حقاً لقد قال أفلاطون أن مينوس وارد أمانثوس سيد ينان الأثيم ويعاقبانه ولكننا نقول : حتى لو كان الرجل هو مينوس أو أراد أمنثوس مفسه ، أو أباهما ، فأنه سوف لا يفلت من قصاص الله . فهل يحسب تقياً ، ذاك الذى يعتبر الحياة مشتملة فى هذه ( القاعدة ) " فلنأكل ولنشرب ، لأننا غذاً نموت " ([3]) أما الذين حسبوا الحياة الحاضرة تافهة القيمة فى واقع الأمر ، وقد أهتدوا إلى الحياة الآتيه بهذا الشئ وحده ، أى أنهم عرفوا الله وكلمة الله ، وما هى وحدة الأبن مع الآب وما هى شركة الآب مع الأبن ، وما هو الروح ، وما هى وحدانية هؤلاء الثلاثة ، الروح ، والأبن ، والآب ، وعرفوا أن الحياة التى نتوقعها ( ننتظرها ) هى أفضل بحيث لا يستطاع وصفها فى كلمات ، وعلى شرط أن نصل إليها أطهاراً من كل فعل شرير ( أثيم ).
الفصل الرابع والعشرون
أو هل ، فى حديثى إليكم ، يا من بحثتم فى كل دئرى من دوائر العرفان ، ما يدعونى ألى أن أذكر الشعراء ، أو أفحص آراء من طراز آخر ، يكفى ، أنه أمر يطول شرحه . وإذا كان الشعراء والفلاسفة . لم يعرفوا أن هناك آلهاً واحداً ، ولم يكونوا على رأى ( إعتقاد ) واحد فيما يتصل بهذه الآلهة : البعض يقول أنهم جن " والبعض يقول أنهم مادة وغيرهم يقول أنهم كانوا – فى يوم ما – بشراً ، فلعل لنا عذراً فيما يضيق علينا من أجله ، إذا كنا نستخدم لغة تدع تفرقة وتمييزاً بين الله والمادة وبين طبيعتهما لأننا كما نؤمن " بآله " ، " وبأبن " هو " كلمته " و " بروح قدس " ( ثالوث ) متحد فى الجوهر ، " الآب " و " الأبن " و " الروح " حيث أن الأبن هو " بصيرة الآب وعقله وحكمته " و " الروح " فيض ( أو صدور ) أو بثق ، كما ينبثق النور من النار ، هكذا نعتقد أيضاً بوجود قوى أخرى تسيطر على المادة وبالمادة ، وبأن واحداً منها – على وجه الخصوص – خصم الله.