لا يزالون يجدفون أكثر قائلين: "أن لم يكن هناك وقت ما، لم يكن فيه الابن موحوداً، بل هو أزلى فى وجوده مع الآب، إذن فلا يعود يسمى بعد ابناً بل أخاً للآب". يا لكم من حمقى. مغرمين بالتشاحن والمخاصمة! لأنه ان كنا نقول أنه هو وحده كائن أزلياً مع الآب، دون أن نقول – فى نفس الوقت – أنه ابن، لكان هناك بعض العذر لتوقيرهم ولتدقيقهم المصطنع هذا، ولكن إن كنا فى نفس الوقت الذى نقول فيه أنه أزلى، فإننا نعترف إيضاً أنه ابن من آب فكيف يكون ممكناً أن يعتبر المولود أخاً للذى ولده؟ فإن كان إيماننا هو بالآب والابن، فأى رابطة أخوية توجد بينهما؟ إذ كيف يمكن أن يدعى الكلمة أخاً لذلك الذى (أى الآب) هو أيضاً كلمة له.؟ وان هذا الاعتراض ليس من قوم يجهلون حقيقة الأمور، لأنهم هم أنفسهم يعرفون الحقيقة. ولكن هذه الحجة إنما هى حجة يهودية، آتية من قوم "بمشيئتهم يعتزلون الحقيقة" كما يقول سليمان(39). فالآب والابن لم يولدا من أصل سابق عليهما فى الوجود، حتى يمكن أعتبارهما أخوين، ولكن الآب هو أصل الابن وهو والده. والآب هو آب، وهو لم يكن ابناً لأحد، والابن هو ابن وليس بأخ.
فإن كان هو يدعى ابناً أزلياً للآب، فحسناً يقال. لأن جوهر الآب لم يكن ناقصاً أبداً، حتى يضاف إليه (ابنه) الخاص به فيما بعد. وأيضاً فإن الابن لم يولد (من الآب) كما يولد انسان من انسان، حتى يعتبر انه قد جاء الى الوجود بعد وجود الآب، بل هو مولود الله، ولكونه ابن الله الذى هو من ذاته (من ذات الله) الموجود من الأزل. لذلك فإنه هو نفسه (أى الابن) موجود من الازل. فبينما خاصية طبيعة البشر أنهم يلدون فى زمن معين. بسبب أن طبيعتهم غير كاملة. أما مولود الله فهو أزلى، بسبب الكمال الدائم لطبيعته. فإذا لم يكن ابناً. بل مخلوقاً وجد من العدم، فعليهم أن يثبتوا ذلك أولاً. وبعد ذلك إذ يتصورونه مخلوقاً. يمكنهم أن يصيحوا قائلين "كان هناك وقت عندما لم يكن الابن موجوداً، لأن المخلوقات لم تكن موجودة قبل أن تخلق" أما أن يكن هو ابناً – كما يقول الآب وكما تنادى به الكتب المقدسة – فإن "الابن" ليس شيئاً آخر سوى أنه المولود من الآب. والمولود من الآب هو كلمته وحكمته وبهاؤه ما يجب أن نقوله. هو أن الذين يعتقدون أنه "كان هناك وقت عندما لم يكن الابن موجوداً "أنهم يسلبون الله كلمته، ويعلمون بمذاهب معادية كلية لله معتبرين أن الله كان فى وقت ما بدون الكلمة الذاتى وبدون الحكمة. وكان النور فى وقت ما بدون بهاء. وكان النبع جافاً مجدباً.
حقاً أنه يتظاهرون أنهم يخشون ذكر اسم الزمن، بسبب أولئك الذين يعيرونهم، ويقولون، بأن (الابن) كان قبل الأزمنة إلا أنهم يحددون أوقاتاً معينة، فيها يتخيلون عدم وجوده، مبتدعين أزمنة ويا لسوء ما ابتدعوا – فإنهم بذلك ينسبون لله نقص الكلمة (أى عدم العقل) وبذلك فإنهم يكفرون كفراً شنيعاً.
القديس اثناسيوس الكبير