رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وها أنا معك وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأرُدّك إلى هذه الأرض، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به ( تك 28: 15 ) كم هو أمر مؤلم أن ندخل إلى مشاعر يعقوب، ذلك الابن الذي حصل على البركة حديثًا، لكنه لم يستمتع بها، وأن نتتبعه وهو يرحل بعيدًا عن البيت ويسير هائمًا على وجهه في الصحراء يواجه الحياة بقسوتها، وحيدًا في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خرب. بلا أب أو أم، بلا زوجة أو أولاد، بلا أخ أو صديق يؤنس الرحلة الطويلة. كان الخوف والقلق يتملكانه، وكان قلبه يخفق وهو يفتقد الحنان والأمان. إذا نظر خلفه يتذكر خطيته وكيف خدع أباه، ويتذكر غضب أخيه ومرارة نفسه. وإذا نظر للأمام يشعر بصعوبة الرحلة الطويلة التي تبلغ 800 كم حتى يصل إلى حاران. إنه لا يعلم ما قد يكون في غده ولا كم سيطول العمر به، ولا ما تحمله الأيام له. إنه لم يعبر هذا الطريق من قبل، والمستقبل المجهول يملأ قلبه بالرعب. وبعد رحلة اليوم الأول، حلَّ المساء، والشمس كانت قد غابت، مما زاد شعوره بالخوف. وكان الأجدر أن هذه المشاعر تقوده للارتماء على الرب، والتعلق به، والتضرع إليه طالبًا رحمته، ومسترجيًا وجهه البسّام المرشد للطريق. ولكنه بالأسف لم يتعلم يعقوب درس الاتكال على الرب، ولم يتعوّد أن يصلي. لهذا وهو في أشد الأوقات احتياجًا لا نقرأ أنه ركع ليصلي. لقد عاش كل حياته مستقلاً بذاته معتمدًا على ذكائه وفهمه وقدرته الطبيعية. كان ضميره مثقلاً بسبب ما فعل. ولا يشعر براحة وثقة وأمان من نحو الله. لم يفكر فيه ولا كان يشعر بمحبته العطوفة المُشفقة، ولم يكن يصدق أن الله في صفه وأن في قلبه نعمة كبيرة نحوه رغم رداءته. وفي وحشة القفر الخرب، ووحشة الليل، ووسط العديد من المخاطر ووحوش البرية، وبينما كان يعقوب نائمًا في هذا الموضع، لا يملك شيئًا، لا يستحق شيئًا، ولا يستطيع أن يعمل شيئًا، فالنائم كأنه في وضع الموت والعجز الكامل، مسلوب الإرادة والتفكير الواعي. هناك تقابل الرب معه بنعمة سامية. وعندما يصل الإنسان إلى نهاية ذاته، وإلى هذه القناعة أنه لا يستحق أي شيء، فإن الله يعمل من نفسه، متخذًا من حالة الإنسان الفاشل والعاجز مجالاً لاستعراض محبته وصلاحه وغناه في النعمة. فيا لنعمة إلهنا! يا لسموها. |