رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جوانب فى حياة قداسة البابا شنودة الثالث
ذكرنا فى العدد الماضى أن قداسة البابا شنودة كان يجمع فى شخصيته جوانب تبدو أنها متناقضة، ولكنها متكاملة، وقد تحدثنا عن: 1- القوة والرقة 2- التأمل والعمل ونستكمل هذه الجوانب 3- الوحدة والانتشار: - لم يكن فى نية قداسة البابا إلا أن يعيش فى حياة الوحدة فقط داخل المغارة، ودون أن يرى إنسانًا، فعاش هذه الفضيلة، فضيلة الوحدة، فى عمق، وفى وحدة كاملة مع ربنا داخل المغارة، وفى نفس الحين حينما دعاه الله ليكون أسقفًا للتعليم، ثم يجلس على كرسى مارمرقس الرسول، أعطاه الله كى يكون شخصية جماهيرية على مستوى العالم كله وليس على مستوى الشرق الأوسط فقط. - وأنا لا أنسى أن قداسته عندما كان يزور كنائس المهجر، كان يجلس بعد مقابلة الآلاف من الناس وهو مرهق، ليوزع ميداليات ويسلم على الشعب، وكان بالرغم من شدة تعبه وعدم مقدرته على رفع يديه من الإجهاد، إلا أنه كان يظل صامدًا قدام هذه الآلاف من الناس، وقداسته هو صاحب الكلمة الشهيرة: نحن ينبغى أن نتعب ليستريح الناس. 4- الحكمة والبساطة: - كان قداسته حكيم زمانه، حقًا كما يقول سليمان الحكيم: بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ (أم 18:29)، فقداسته كان له رؤية وقد حققها بنعمة ربنا التى عملت معه، ووصلت بالكنيسة إلى كل هذه البركات والأمجاد. - وأتذكر عندما كنت أسقفًا حديثًا، قلت لقداسته مرة: لماذا الحرمان من زيارة القدس؟ وكنا أيامها فى الثمانينيات، والظروف مختلفة طبعًا عن اليوم فى الأمور السياسية، فشرح لى لماذا اتخذ هذا الموقف بمنع زيارة القدس، فكان لقداسته نظرة ثاقبة وبعيدة، أظهرت مصريتنا ووطنيتنا ومحبتنا لمصرنا الغالية، فى وسط إخوتنا المسلمين، وفى كل العالم، وكان هذا الموقف فى غاية الحكمة، لأنه كان يعيش فى وسطنا سليمان الحكيم الجديد الذى يرى الخط السليم لنسير وراءه فيه. - ولاشك أن قداسة البابا شنودة كان يمتلك شخصية موسوعية الثقافة: اللاهوتية والكتابية والكنسية والعامة، كما أنه استطاع بما يملك من كاريزما أن يكون له حضور واضح فى المحافل الدولية والمسكونية، وكذلك فى الصحافة والقنوات الفضائية، والدوريات والإنترنت والإذاعة وأيضًا من خلال اجتماعه الأسبوعى منذ كان أسقفًا للتعليم وحتى رحيله، وكذلك كتبه التى زادت عن المائة والخمسين كتابًا، ومقالاته وحواراته التليفزيونية والإذاعية والصحفية. وقد تم ترجمة الكثير من كتب قداسته إلى أكثر من 15 لغة - ونذكر هنا لقاءات قداسته مع الكثير من الملوك والرؤساء فى أمريكا وأوربا وإفريقيا والخليج والعالم العربى، كما نذكر له شهادات الدكتوراه الكثيرة التى نالها من العديد من الجامعات فى أنحاء العالم، لجهوده العلمية والإنسانية والثقافية والوطنية، ومفاتيح المدن فى العالم التى أهديت لقداسته، وتكريمًا لقداسته بعد رحيله أطلق اسم البابا شنودة على أحد شوارع نيويورك فى المنطقة التى بها المقر البابوى هناك، كذلك فى ألمانيا. - ومع حكمة قداسته الجبارة نجد هناك البساطة الشديدة جدًا، فكيف أنه كان مرحا جدًا وبسيطا جدًا فى نفس الوقت مع الشباب والأطفال، يشجعهم لكى يتحدثوا ويستمع لمشكلاتهم، وكان يتعامل برقة بالغة مع الفقراء والمحتاجين، فإذا أتت إليه إنسانة فقيرة نجده يسأل عن احتياجاتها، ويسدد تلك الاحتياجات مهتما بأدق تفاصيلها، لها ولأسرتها، ويتعجب الناس كيف أن هذا البابا العظيم يجلس مع إنسانة بسيطة هكذا. 5- الحـزم والحـب: فقداسة البابا شنودة كان لا يترك أدق وأصغر الأمور التى قد تحدث خطأ، فكان عنده مبدأ أن يعمل وبدقة حتى لو تأخر الوقت، وقد نرتبك من أسئلته الدقيقة، فكان يصحح الأخطاء بابتسامة وضحكة وحنان وبراءة تظهر فى عينيه بأبوته المعروفة. - لا ننس مواقفه الذائعة الصيت سواء فى القضايا العربية، أو موضوع الأقليات (هل الأقباط أقلية؟)، أو وقوفه الشامخ ضد إباحة وتقنين الجنسية المثلية وأذكر هنا مواقفه فى مواجهة قيادات الكنائس فى قلب لندن، وفى هاواى، وكندا وغير ذلك، حتى إنه عندما وصل من إحدى السفريات إلى مصر اجتمع برؤساء الطوائف بمصر وقد اتخذوا موقفًا جماعيًا برفض تقنين (الجنسية المثلية). - كذلك آراؤه فى بعض القضايا الاجتماعية والإنسانية- بمجرد ظهورها - سواءً فى لقاءاته أو كتاباته حول: - المرأة ودورها فى الكنيسة والمجتمع. - الإجهاض. - طفل الأنابيب - القتل بدافع الرحمة بالمريض. - زراعة الأعضاء. - الهندسة الوراثية وبحوث الخلايا الجذعية. - الاستنساخ. وغير ذلك من الموضوعات التى ناقشها قداسته فى ندوات عامة أو كنسية، فى مجلس الشعب والجامعات المصرية والأجنبية والنوادى الشهيرة كالليونز واللوتارى. - أذكر أن قداسته عندما زاره فضيلة الشيخ الشعراوى قرأ له قداسته بعض أشعاره من كتاب انطلاق الروح مما أعجبه جدًا، ولكن تركيزى كان على عينى قداسته التى كانت تفيض بالحب، ذلك الحب المتبادل بينهما. فبالحب استطاع قداسته أن يكسب الكل، فحنانه دافق ومحبته جبارة اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا (1كورنثوس 8:13). - وقد قال قداسته فى إحدى المناسبات: عندما توليت هذه المسؤولية لم أنس أبدًا أن أعيش ببساطة كما لو كنت لم أتول هذه المسؤولية على الإطلاق، فكثيرون يقولون إن شخصية نظير جيد هى شخصية الراهب أنطونيوس، وهى شخصية الأنبا شنودة أسقف التعليم، وأيضًا هى شخصية البابا شنودة، وهذا ما رأينا فعلاً. قداسة البابا شنودة لن ننساك |
|