يسوع عطاء الله (يوحنا 4: 10)
ظل يسوع يتكلم مع المرأة السامرية بكلام ضمني وغامض حتى دخل شيئا فشيئا في قلبها، فأظهر لها نعمة الله " لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ الله ومَن هوَ الَّذي يقولُ لَكِ: اسقيني، لَسَأَلِته أَنتِ فأَعطاكِ ماءً حَيّاً)). (يوحنا 4: 10). ان الأنبياء مثل عاموس (8: 11) وأشعيا (55: 1) وباروك (3: 12) وكتب الحكمة (الامثال 13: 14، ابن سيراخ 15: 1-3) كلهم رمزوا بنبع الماء الحي الى كلمة الله، والى الشريعة والى الحكمة. فالماء الحي الذي يَعد به يسوع، يرمز الى وحي الله الى البشر في كلمته وفي شخصه بالذات. هذا هو عطاء الله. فهذا الماء يُصبح لمن يشربه، أي لمن يؤمن بالمسيح وبكلامه، نبع حياة لا ينضب، بفضل عمل الروح القدس الذي " سيتلقاه المؤمنون به "مَن آمنَ بي فَلْيَشَربْ كما ورَدَ في الكِتاب: ستَجْري مِن جَوفِه أَنهارٌ مِنَ الماءِ الحَيّ" وأَرادَ بِقَولِه الرُّوحَ الَّذي سيَنالُه المؤمِنونَ بِه" (يوحنا 7: 37-39).
وهكذا انقلب الوضع: فالمرأة هي التي تسأل الآن، وتطلب من يسوع ليسقيها. اعترفت انه الرب القادر على إرواء عطش نفسها (يوحنا 4: 15). ويسوع لا يعطي ماء الحي الاّ لمن يهتدي ويؤمن به. ونستنتج مما سبق ان عطية الله هي يسوع المسيح الذي بذله الله الآب للبشر " لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة (يوحنا 3: 16). فالمسيح والماء الذي يرمز الى الروح القدس هما حقيقة واحدة لا يمكن ان تكون منفصلة عن بعضها البعض لأن يسوع لا بد أن يموت عن خطايا الانسان حتى يمنح الروح القدس وبذلك نسترد سلطان البنوة والشركة مع الله. واستعمل يسوع موضوع الماء (يوحنا 4: 7-26) للانتقال من عطش على مستوى الجسد الى الحياة الابدية والعبادة في الروح القدس.