يسوع حيّ
24: 1- 12
لماذا تطلبن الحي بين الاموات؟ ما هو هنا، بل قام.
بقيت بعض النساء أمينات حتى النهاية. تحملن الطيوب التي تساعد جسد يسوع أن يمسح بزيت الموتى وأن "يتصبرّ" في الموت. إن مجيئهنّ هو فعلة حب تريد أن تضع حداً لمغامرة انتهت "بالفشل". أردن ان يقمن تجاه يسوع بعمل تقوي يستحقه. بعد هذا تُقلب الصفحة. لقد انتهى كل شيء.
ولكننا نعلم أن انقطاعاً قد تمّ في الليل: فالحجر قد دحرج عن القبر. وُضع جانباً. هذا الحجر الذي وجب عليه أن يغلق على يسوع بصورة نهائية في عالم الموت، لم يستطع أن يبتلع يسوع. فهناك من جاء وانتزعه من الموت.
لم يوجد أي شاهد هنا ساعة التقى الله بابنه. ما نراه هو النتائج: قبر مفتوح، جسم غائب قد اختفى. وهذه النتائج لا تتيح لنا الآن أن نقدّم أي خطاب متماسك. هنا ننتظر الوحي الذي يرمز إليه رسولان عليهما ثياب برّاقة: ليس هنا. إنه قد قام. فغياب الجسد لا يدّل على القيامة. إنه علامة تُعطى لمن يعرف أن يتقتل من فم الله بشرى الخروج من القبر.
عندئذ نفهم فهماً أفضل بداية الخبر. نحن في اليوم الأول من الأسبوع. لقد ترك الزمان اليهودي المحلّ للزمن المسيحي الذي يعيش فيه الانجيلي وقرّاؤه. اليوم الأول هو يوم الأحد. لقد جاء الصباح. وهذا يعني في نظر الكاتب أن ليل الموت ترك المحل لشمس القيامة. بعد هذا، تتيح كلمة الرسولين لنا أن نعيد قراءة مسيرة يسوع وأن نتذكّر أقواله.
جاءت النسوة إلى القبر لتدل على أن مسيرة يسوع قد انتهت. فعُدن نحو الاخوة ليعلنّ الخبر الجديد والمفرح. لم يصدّق التلاميذ. وذهب بطرس إلى القبر. يورد لوقا الخبر بإيجاز. فذهاب بطرس لا يتضمّن شيئا يفتح الطريق المباشر أمام الايمان: "عاد متعجباً". هذه الآية الصغيرة تذكرنا بما نقرأ في انجيل يوحنا (20: 3- 10).
وينقطع الخبر مع دهشة الرسول. فموت يسوع موت حقيقي. ومسحة الموت أتمت باحتفال الفعلة الدينية التي تغلق عيون الأموات. ظنت النسوة، وظن بطرس أن عمل الموت كان نهائياً وأن لا رجوع عنه. ولكن انشقّ القبر وانفتح. واستعد بطرس لمجيء الوحي الالهي الذي سيعلن انتصار المسيح على الموت، على موته وعلى موت جميع البشر.
كم يصعب علينا بعض المرات أن نؤمن بأن الحياة أقوى من الموت، وأن الحب أقوى من الشر. نحن نبحث عن آمالنا المائتة في أعماق قبورنا الفارغة. ولكن المسيح لا ينحصر في ماضٍ من السطُر، في عهد ذهبي انتهى وزال، في أحلام ورغبات نحنّ إليها. ففي قبورنا الفارغة. وفي رؤوسنا التي فرغت من كل فكر خلاّق، وفي قلوبنا الباردة والمتحجرّة، ما زال الروح يُتمتم: "لماذا تبحثون عن الحي بين الموتى"؟
لقد انتصر الحبّ والمسيح حي هو: "ترهات نساء مجنونات". لا، يجيب الروح الذي يتفجّر فينا كنفحة حنان جديدة، كرجاء يتفتح في الربيع. بعد اليوم تصير فعلاتنا ونظراتنا وأقوالنا أفعال موت أو أفعال ولادة جديدة. فقيامتنا مثل قيامة المسيح ليست عملاً معزولاً، ليست أجراً نحصل عليه في النهاية. بل سرّ ولادة جديدة، يمتدّ على مدى حياتنا البشرية.
تبدأ القيامة في الحب الذي أعيشه في يومي. وهذا الحب المنتصر وحده الذي يتفجّر من روح المسيح الحي، يضفي نفحة انسانية على الانسان، يضفي عليه نفحة الهية (يؤلّهه) ويبدّل وجه الارض (تتجلّى). لنحبّ فنصبح شهود القيامة. لنحب فننتقل كل يوم من الموت إلى الحياة (يو 3: 1). يسوع حي. الحب حي. وروحه الذي يتفجّر فينا يدفعنا إلى أن نحيا حياة جديدة، أن نجعل الناس يحيون، أن نجعل الارض تحيا. هذا ما يقوله لنا الروح اليوم. يدفعنا إلى ان نحيا.
أؤمن بقيامة المسيح حين أرى كيف "تولد من جديد" الحياة حولي. حين أرى اناساً ينهضون في فيرفضون حتمية الظلم والعنف والشّر بكل أشكاله. حين أرى أناساً تسكنهم قوة داخلية فتدفعهم إلى جعل الحياة تنتصر فيهم رغم كل الفشل الذي حولهم.
بعد أن استنرنا بمسيح القيامة، نتقبّل نوره في فراغ رأسنا وقلبنا. لنجعل نوره في بيتنا، في حيّنا، في مدننا وترانا، في أماكن العمل والدرس. وهذا ممكن لأنه حي. ورسالتنا، كرسالة كل الكنيسة، تنبع من قلب المسيح القائم من الموت. فالكنيسة مرسلة وهي تحمل روح النبوءة. معنا يتفجّر رجاء الارض من قبورنا. فلا نطفىء النور الذي يتغلّب على الظلمة فيجعلها تعود إلى الوراء.
شكراً لك يا رب من أجل هذه الليلة المجيدة، ليلة الفصح والقيامة. شكراً لك يا يسوع الناصري. بحياتك وصليبك جعلت حنان الله يتغلّب على قوى الظلمة. شكراً لك يا من أنت من جنسنا